ليبيا وتحدى المستقبل والمصير.. هل يمكن إنقاذ الكيان؟ - يوسف محمد الصواني - بوابة الشروق
الأحد 28 أبريل 2024 1:53 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ليبيا وتحدى المستقبل والمصير.. هل يمكن إنقاذ الكيان؟

نشر فى : السبت 23 أبريل 2022 - 7:40 م | آخر تحديث : الأحد 24 أبريل 2022 - 1:50 ص

تواجه ليبيا وخاصة منذ شهر فبراير الماضى بوادر صراع عنيف جديد تتجاوز آثاره ما ترتب على ما شهدته البلاد منذ 2011. وبينما يبدو واضحا التأثير الهائل للتدخل الأجنبى فى الوصول إلى هذا الوضع الخطير، فإن الأطراف الليبية تتحمل مسئولية ما يجرى من انقسام وتصعيد وتبدو أيضا عاجزة عن استثمار اللحظة العالمية الراهنة منذ الغزو الروسى لأوكرانيا بما يحقق المصلحة الوطنية. فبدلا من استغلال انشغال أطراف دولية وارتفاع أسعار النفط الخام، نجد القيادات الليبية تنحاز بشكل غير مدروس لأحد الأطراف وتوقف الإنتاج والتصدير لخام النفط وتفسح المجال مجددا لقوى التطرف. هكذا تواجه البلاد خطرا داهما يهدد المجتمع والكيان معا.

المشهد الحالى
لا يمكن اختصار ما يجرى فى الاختلاف بشأن الانتخابات والدستور فى ظل وجود حكومة الوحدة الوطنية المصرة على التمسك بموقعها والتصعيد عبر تمويل الجماعات المسلحة، والحكومة الليبية التى كلفها البرلمان والتى تصر على أنها ستدخل العاصمة لمباشرة عملها بدون عنف وهو ما يبدو أمرا غير ممكن التحقق على كل المستويات حتى تاريخه. كلتا الحكومتين والأطراف المحلية الداعمة لهما تقدم خطة لإجراء الانتخابات وتتضمن الاستفتاء على مسودة الدستور الإشكالية، ولكنهما تختلفان حول ما إذا كان ينبغى إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية معا، أم الاكتفاء بانتخابات برلمانية فقط، مع ملاحظة ما يوجد من تناقض ومكر واضح فى كلا الخيارين وهو ما يزيده إشكالية اقتراح الاستفتاء على مسودة للدستور تم صياغتها بطريقة أو أخرى فى 2016 ثم فى 1017 ولا يبدو واضحا كيف تستجيب لما جرى من مياه كثيرة منذ ذلك الوقت.
ما يزيد الأمور تعقيدا هو أن المستشارة الخاصة للأمم المتحدة ستيفانى وليامز أطلقت فى القاهرة أخيرا حوارا جديدا بين ممثلين من كل من مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة للتوصل إلى اتفاق حول المسودة الدستورية أو اقتراح قاعدة دستورية بديلة. ذلك يؤكد مجددا فشل مقاربة الأمم المتحدة ومدى عدم القدرة على التمييز بين ما بين الفكرتين من تناقض، وما تقود إليه كل واحدة منهما من نتائج على مشهد وعلاقات أطراف الصراع قبل الانتخابات ثم الصراع بعد إجراء الانتخابات أو الاستفتاء والنتائج غير المضمونة.
إن تفحص ما يجرى منذ 2014 إلى اليوم يكشف تماما أن ثقة الليبيين فى قادتهم قد تآكلت تماما، وأن كلا من البرلمان ومجلس الدولة قد قاما بكل ما يمكن تصوره بما فيه التمديد لنفسيهما لإجهاض أى آفاق للتغيير. ومع ذلك، لا تزال الأمم المتحدة تعتمدهما وسيلة لإحداث التغيير وتطمح أن تقوم هذه المؤسسات وقادتها باستبدال أنفسهم. إن أقل خطر على البلاد هو أن هذه الأجسام والأطراف المرتبطة بها لن تقبل أبدا بالتغيير ما لم تضمن فرصة معقولة للبقاء فى المشهد السياسى وصناعة القرار بعد أى انتخابات يمكن إجراؤها.
تشير بعض المصادر إلى أن المستشارة الأممية تدرس تكوين منتدى حوار سياسى ليبى جديد يتكون هذه المرة من أكثر من تسعين عضوا يتولون إقرار تغييرات دستورية ومؤسساتية حالة فشل النواب والدولة فى التوصل لاتفاق. بموجب هذا الملتقى الجديد سيتم حل البرلمان والدولة معا، كما سيتم تغيير أعضاء المجلس الرئاسى والتمهيد لانتخابات ترى المستشارة وفقا لتصريحاتها أنها ستكون رئاسية وبرلمانية، بينما لا يبدو وجود بوادر اتفاق بين الأطراف الليبية بالخصوص وهى ذات الأطراف التى أجهضت تنفيذ الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقررة ضمن اتفاقات جنيف. وفقا لهذا تبدو ليبيا مقبلة على مرحلة جديدة حيث الاستفتاء على مسودة الدستور الإشكالى يهدد بتأخير أى جدول زمنى يمكن التوصل إليه إلى أجل غير مسمى.

درس التاريخ والتجربة الوطنية
يحمل تاريخ ليبيا دروسا تميط اللثام عن ديناميات وعبرا واضحة بشأن المكانة التى ينبغى أن يحتلها الحوار الوطنى الواسع حول كل ما له صلة بالكيان والمستقبل. تبين التجربة التاريخية الليبية أهمية الدور الذى تلعبه التوافقات والمصالحات فى مجتمع، وإن عاشت مكوناته المختلفة تناغما، متميزا بالتنوع والتعدد. مثلما كان هناك احتراب وصراع، فقد كان التوصل إلى توافقات اجتماعية ممكنا أيضا عبر التاريخ المعاصر، وكان ذلك حاسما لدرجة مصيرية حكمت هذا البلد ومهدت لانطلاق سيرورة نشوء هويته الوطنية. لذلك فإن ما يوصف بالثوابت أو القيم والمثل لا يمكن أن تكتسى أية أهمية ولا معنى لها طالما لم يتحقق حولها الإجماع بمعناه المصيرى المدرك لضرورة استيعاب التحديات، بدل الإصرار على الانخراط فى أنشطة الصراع السياسى الذى يتستر بالإجماع الرقمى ويلتبس بفرص التسلح أو التطرف أو الشوفينيا وأخطارها. ومع التقدير لكل الديناميات والتفاعلات ومواقف الأطراف المختلفة وتموضع التحالفات عبر الزمن، فإننا ينبغى ألا نغفل أيضا عن حقيقة هامة ومحزنة فى آن واحد وهى عدم الوجود الفاعل أو المؤثر لفكرة المساواة الديموقراطية عبر التاريخ والثقافة أو النظام الاجتماعى ناهيك عن حقل الممارسة السياسية.
وبينما عانت البلاد طويلا وطأة عقلية تربط المصداقية السياسية بالوطنية والنزاهة، فإنها تشهد تكرارا لذات التمثلات ولذات العقلية حيث محاربة إرث القذافى أو فكرة طهورية الثوار وخداع الثورة الدائمة وهواجس الثورة المضادة وحكم العسكر والإرهاب، ويجرى استخدامها لأغراض سياسية. إن بعض المناطق والقبائل والقوى والشخصيات تجرى وراء سراب كاذب معتقدة أن ما تتحصل عليه من مكاسب جراء ما تقوم به اليوم سيبقى ويمكن المحافظة عليه متجاهلة ما فى التاريخ من عبر ومتخطية ما تفرضه الشريعة من أحكام. تسعى اليوم أطراف وقوى مختلفة، ولأسباب يصعب بسهولة إرجاعها للوطن كفكرة وغاية، إلى التسربل أو التمترس خلف أردية وستائر الثورية والطهورية والوطنية والديمقراطية والانكفاء إلى ولاءات من مستوى أو نمط ما قبل الدولة أو من نمط أوهام العالمية أو الأممية الخادعة، بما يعمق الشروخ القائمة فى الذاكرة الجمعية والمناطقية والقبلية ويهدد أكثر من أى وقت مضى الكيان برمته. إن الحاجة اليوم أكثر إلحاحا للبحث عن سبيل لتجنب المصير المظلم فى التمسك بذات الأفكار والأطروحات العقيمة والإقصائية التى لن تقود فى الواقع إلى أى انتصار، بل إنها ستكون معول هدم ومانعا من التوصل إلى ما يحفظ الهوية والكيان الذى تتقاذفه اليوم أمواج متعددة ليس أقلها خطرا الإفلاس وصولا إلى التدخل أو الاحتلال الأجنبى المباشر.

الإنقاذ الممكن
تبين تجربة العشرية الماضية فشل مقاربة اقتسام السلطة وعدم إعطاء الاعتبار للمقومات المحلية. لذلك فإنه لا يتوقع أن تقدم كل التصورات والمبادرات المطروحة حلا ناجعا. البديل الممكن عمليا وبأقل خطر ممكن هو أن يتم التوافق على تعديل تركيبة حكومة الوحدة الوطنية وكف يدها عن أى تصرفات تتجاوز الأعمال الضرورية بينما يتم التوافق على ما يلزم من تشريعات مؤقتة تمكن من إجراء الانتخابات التى لا بد أن تتعهد كل الأطراف بشكل موثق دوليا وقانونيا مع ضمانات أطراف إقليمية ودولية باحترام والقبول بنتائجها. المهمة الأساسية للبرلمان والرئيس والحكومة المنتخبة ينبغى أن تقتصر على الضروريات والتركيز بشكل كامل على التعامل مع تحدى بناء السلام بإطلاق حوار وطنى شامل يقود إلى مصالحة وطنية شاملة تؤسس ضمن اتفاق سلام وطنى شامل يتضمن كل مكونات عقد اجتماعى جديد.
رغم العديد من التشريعات والمبادرات وإنشاء هيئات المصالحة والعدالة الانتقالية التى حفلت بها الاتفاقيات السياسية ضمن فصول مخصصة لذلك، فإن كل ذلك بقى بدون تنفيذ وافتقر إلى التصميم والموارد.. كما أن الاستحواذ على موارد الدولة لصالح مناطق أو توجهات أو أطراف بحجج ومبررات مختلفة أعاد للأذهان المركزية والتهميش واللا عدالة فى توزيع الموارد، لذا فإن أى محاولة لحل النزاع وإعادة بناء الدولة ومجالها يجب أن تبدأ بحوار وطنى شامل دون استبعاد أى طرف. فالمشاركة جزء لا يتجزأ من هدف ربط هذه العملية بالمسائل الدستورية وهياكل الدولة والنظام الاقتصادى والمالى. الأولوية ينبغى أن تكون لوضع استراتيجية وتخصيص الوقت والجهد والموارد لتصميم برامج تستوعب تقييم مصالح ومخاوف أطراف النزاع، وتصميم خارطة طريق للعملية، وإنشاء هياكل دعم، وضمان المشاركة من الجهات الفاعلة الرئيسية والتخطيط الجيد للتواصل الإعلامى ورسائله للجمهور والأطراف بما يسهم فى إطلاق حوار وطنى حقيقى تلعب فيه النسوة والشباب دورا أساسيا فى التصميم والعمل (وهو شرط حاسم للنجاح لاعتبارات موضوعية وديموغرافية)، وليس مجرد اتفاقات لتقاسم السلطة بين النخب أو حوار افتراضى أو مشروع تنفذه أطراف خارجية تسعى لتحقيق مصالحها الخاصة ولا تعى تعقيدات المشهد الاجتماعية والثقافية والاقتصادية. بقاء الوطن وسلامته مرهون بالانتقال إلى البديل الوطنى بدون أى تردد أو تأخير والتوقف عن الارتهان للخارج تحت أى مسمى أو ذريعة.

أستاذ السياسة والعلاقات الدولية ــ جامعة طرابلس ـ ليبيا

يوسف محمد الصواني أستاذ السياسة والعلاقات الدولية، جامعة طرابلس - ليبيا
التعليقات