مؤتمر برلين 2 وخطر تحول ليبيا إلى منطقة صراع دولى - يوسف محمد الصواني - بوابة الشروق
الأربعاء 24 أبريل 2024 7:53 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مؤتمر برلين 2 وخطر تحول ليبيا إلى منطقة صراع دولى

نشر فى : الخميس 17 يونيو 2021 - 9:45 م | آخر تحديث : الجمعة 18 يونيو 2021 - 11:17 ص
فيما تتواصل الاستعدادات لعقد مؤتمر برلين فى نسخته الثانية تتصاعد وتيرة تحركات عدة أطراف متورطة فى ليبيا أبرزها اجتماع وزراء دفاع تركيا وإيطاليا وبريطانيا، ثم الزيارة المفاجئة لوفد تركى رفيع إلى طرابلس، وزيارة وزيرين بريطانيين ووكيلى وزارتى الخارجية والخزانة الأمريكيين. تنتشر التكهنات أن شيئا ما يُطبخ بنكهة مخابراتية ضمن عملية تفاوضية بين الأطراف الخارجية مع تراجع هائل لدور الأطراف الليبية وفرصها فى تشكيل مستقبل البلاد وحماية سيادتها وكيانها الوطنى قبل أن تصبح لعبة للأمم.
المشهد الداخلى
بينما يتجه المشهد الخارجى فى التشكل ويجد فى دبلوماسية الأطراف المتعددة فى برلين الثانية المجال لإبرام الصفقات، يستمر الوضع الداخلى بدون تغيير جوهرى. حكومة الوحدة الوطنية وحسب المراقبين المحليين وقعت فى جملة من الأخطاء جعلتها تبدو مجرد واجهة لأحد أطراف الصراع واتخذت مواقف أقل ما يمكن وصفها ملتبسة وأعلنت تصريحات تؤكد اتجاهها لتصبح طرفا فى الصراع كسلفها حكومة الوفاق بدلا من السعى نحو تكريس السلام والمصالحة وحماية الكيان الوطنى من التفتت.
سجل أداء الحكومة فى المائة يوم الأولى من عمرها ليس مشجعا بأى حال. تمكنت الحكومة من تحقيق بعض النجاح استند إلى الزخم الذى رافق بداية تكوينها فقد نجحت فى التخفيف النسبى من وطأة أزمة الكهرباء وتم استئناف الطيران الداخلى كما ساهمت فى التخفيف عن العائلات المحدودة الدخل وفى توفير محدود للجرعة الأولى من لقاح كورونا. لكن الحكومة والمجلس الرئاسى فشلا فى فتح الطريق الساحلى بين شرق البلاد وغربها حتى الآن. كما ارتفعت وتيرة الجرائم والانتهاكات ولم تتمكن الحكومة من إنفاذ أحكام القضاء بينما تقوم ميليشيات الغرب الليبى باستعمال الأسلحة فى أنحاء ومدن مختلفة. تستمر الحكومة فى رفع مستوى التوقعات ويستخدم رئيسها أسلوبا شعبويا دون تحقيق إنجازات حقيقية ملموسة. هكذا نظمت القوات المسلحة فى الشرق استعراضا عسكريا ضخما بدون موافقة معلنة من المجلس الرئاسى، كما أشرف رئيس الحكومة بمعية أحد أعضاء المجلس الرئاسى على حفل تخريج انضم بموجبه أعضاء ميليشيات لما يسمى الجيش الوطنى فى الغرب الليبى ممن يعتبر الجيش الوطنى فى الشرق عددا منهم متورطين بالإرهاب، فيما يعتبر آخرين منهم قادة وأعضاء ميليشيات يواجهون تهما قضائية ويواصلون القيام بأعمال قتالية دون أن يأبهوا بالحكومة والمجلس الرئاسى.
المشهد الدولى
منذ أن صعد نجم فلاديمير بوتين والغرب منشغل للغاية بعودة الدب الروسى للمسرح العالمى. أعادت إدارة بايدن الخطر الروسى للواجهة وضمن هذا السياق يركز الغرب الذى تقوده مبادرات أمريكية وبريطانية (رغم تولى ألمانيا واجهة العمل الدبلوماسى بشأن ليبيا) على توحيد الجهود بعد أن أدرك خطر التنافس بشأن ليبيا. لذلك عبر صراحة وزير الدفاع البريطانى بأنهم مستعدون لمواجهة ‎فاغنر فى ليبيا، وشدد الرئيس الأمريكى أثناء لقائه بالرئيس الروسى فى جنيف على وحدة أمريكا والحلفاء. أجرى وزير الدفاع البريطانى اجتماعات مكثفة فى ليبيا وتحدث عن آلية إنهاء التواجد الروسى فى ليبيا التى غادرها ليلتقى مع وزيرى دفاع إيطاليا ‎وتركيا، ثم بمجرد انتهاء الاجتماع حضر الوفد الوزارى التركى فجأة لطرابلس ثم ينطلق وزير الدفاع التركى ليعقد اجتماعا على ظهر فرقاطة تركية. كما زار طرابلس مساعد وكيل وزارة الخزانة الأمريكية طرابلس ليجتمع مع محافظ المصرف المركزى ويناقش معه التصدى لغسيل الأموال وتمويل الإرهاب.
‏يبدو توحيد الجهود الشاغل الأساسى لذلك فإن ما سيعقب جولة مؤتمر برلين الثانية يعكس رغبة غربية للتعامل مع الأزمة الليبية حتى لا تصبح رقعة توسع روسى أخرى (مع ملاحظة أن روسيا تفاوض وتساوم بانتهازية أحيانا). البديل عن توحيد الجهود هو استمرار نهج القوى الأوروبية وأعضاء الناتو وخاصة إيطاليا وفرنسا وتركيا فى التنافس فى ليبيا وهو ما قد يسهم فى اندلاع حرب جديدة تؤدى إلى توسيع دائرة النفوذ الروسى وتعظيم مستوى الخطر والتهديدات للغرب عموما وأوروبا خصوصا. لذا حرص الحلفاء فى قمة الناتو الأخيرة على مواصلة التفاوض مع روسيا وربط جلاء القوات التركية والمرتزقة التابعين لها بإجلاء مقاتلى فاغنر الروسية كما أوضحت ورقة الرئيس الفرنسى بما يتضمنه ذلك من ضغط على تركيا أيضا أو إطلاق يدها حالة رفض روسيا التعاون.
ومع شك كامن فى قيادة أردوغان فيتم استخدامه فى ليبيا ضمن استراتيجية الناتو وهو يبدو مستعدا للعب الدور لأسباب متعددة فى مقدمتها الاقتصاد. لا يبدو الغرب مستعدا للتصعيد العسكرى فى ليبيا ولا القبول بما يقوم به أردوغان من لعب مكشوف على التناقض الروسى الغربى الأمريكى ففى هذه المرحلة من استعادة المبادرة الأمريكية وتجاوز ما يواجهه حلف الناتو من تحديات لا ترغب أمريكا فى تأزيم الأمور مع حلفائها. تركيا قوة طامحة لدرجة النزق السياسى أحيانا وهى مستعدة للقيام بما لا يمكن توقعه أو قبوله غربيا. هذا ما يتضح مثلا فى الساحة السورية ويتضح أيضا فى المواقف التركية المتناقضة تجاه روسيا بين التنسيق معها فى سوريا وشراء الصواريخ منها والمناهضة لروسيا كما فى الاشتباك الروسى الأوكرانى وغيرها من المسائل وهو أمر يجعل روسيا أيضا أكثر إصرارا على استخدام ليبيا كورقة تفاوض وتعزيز وجودها فيها وصولا إلى أفريقيا ما وراء الصحراء.
يتفق هذا مع توجهات بايدن فى التركيز على الشئون الداخلية وتجنب مواجهة فى ليبيا لتتجه الجهود للعمل على تحديات التنافس مع الصين التى عبر بيان قمة الناتو مؤخرا عن اعتبارها تحديا لأسس النظام الدولى. لذلك فإن الولايات المتحدة تحرص تماما على عدم تشتيت جهودها وحلفائها وعلى عدم توسيع رُقعة الصراع مع موسكو. ووفقا للمحللين فإن هذا يستوعب توجهات الرئيس بوتين الذى يتجنب خلق بؤر صراع جديدة دون مساومة على مصالح بلاده.
عربيا، يبقى الموقف الجزائرى محكوما بمقاربته القديمة لمآلات ترسيم الحدود مع ليبيا واستغلال النفط وهو ما سيضطر للتفاوض بشأنه مع سلطة ليبية وطنية موحدة قوية. أما الموقف المصرى فيبقى رهينة حسابات إقليمية وقيود ذاتية على الحركة لكنه مرشح للتطور بناء على سلسلة التفاهمات مع تركيا التى سيكون مؤتمر برلين 2 مناسبة لاختبار آثارها على ليبيا ولكن ضمن الحركة المرتبطة بالحلفاء فى الغرب.
وبقدر ما يوحى مؤتمر برلين القادم بتكرار لحل يستعيد تجربة سابقة عندما أصدرت الجمعية العامة قرار استقلال ليبيا نتيجة عدم اتفاق الأطراف على تقسيمها فيما بينها، فإن عدم التوصل إلى تفاهمات تكون نتيجتها خروج القوات الأجنبية بضمانات دولية بعضها من الناتو وأمريكا والأمم المتحدة لضمان خروج الروس أولا وأخيرا سيقود الأزمة الليبية إلى تعقيدات أكثر حدة.
هل من دور للسلطات الليبية؟
ماذا يمكن للسلطات الليبية لتدفع باتجاه توافقات دولية فى صالحها؟ ما لم تفهم السلطات والقوى الليبية اللعبة ومصالح وتنافسات الأطراف وتنأى عنه فلن يمكنها عمل شىء وهو ما يتطلب الابتعاد عن الانحياز مع أى طرف خارجى على حساب الآخر فالجميع (الأخوة والأصدقاء) يسعى لمصالحه. هذا يتطلب توافق الأطراف الليبية بما يعيد للحياة إجماع الشعب الليبى أمام بعثة الأمم المتحدة على هدفى الاستقلال والوحدة. لا بد من إعلان الأطراف الليبية أنها مصرة على وضع حد للتدخل الخارجى وإلا يتم حصر الأمر فى وجود الأجانب والمرتزقة بصرف النظر عن طريقة قدومهم. لا بد من وقف العمل أو تجميد كل الاتفاقات سواء الموقعة من قبل حكومة الوفاق أو القيادة العامة للجيش الليبى. قوة الطرف الليبى فى مؤتمر برلين وغيره هى أن يستند إلى موقف موحد وصريح للأطراف الأساسية مع دعم شعبى واسع.
إن مسئولية المجلس الرئاسى والحكومة هى تحقيق اتفاق مباشر بين الأطراف الليبية ووضع كل طرف أمام مسئولياته الوطنية والاتفاق على فصل هدف الانتخابات عن إجلاء الأجانب فلا منطق يمكن أن يسوغ تعطيل إجراء انتخابات بضمانات الأمم المتحدة بحجة وجود قوات أجنبية وبعدها يترك للسلطة المنتخبة أخذ الخطوة التالية.
عدم تحمل المسئولية يفرض على من يملكون القوة الفعلية على أرض الواقع (قادة القوات العسكرية فى مختلف أنحاء البلاد ممن يعلنون أن مصلحة الوطن هى محركهم الوحيد) أن يقوموا بالخطوة الحاسمة باللقاء المباشر بدون وسيط أجنبى وأن يتفقوا على ميثاق شرف وطنى يمنع الاحتراب نهائيا وإخراج كل المقاتلين الأجانب مهما كانت جنسياتهم تمهيدا لعقد لمؤتمر سلام ليبى ــ ليبى شامل ينتج عنه اتفاق سلام ومصالحة وطنية شاملة. البديل عن ذلك هو أن تصبح ليبيا ساحة صراع وتصفية حسابات ومساومات قد تأتى على ما تبقى من سيادتها وكيانها.
يوسف محمد الصواني أستاذ السياسة والعلاقات الدولية، جامعة طرابلس - ليبيا
التعليقات