ليبيا وإثنا عشر عاما من الفشل الأممى!.. ما العمل؟ - يوسف محمد الصواني - بوابة الشروق
السبت 27 أبريل 2024 10:38 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ليبيا وإثنا عشر عاما من الفشل الأممى!.. ما العمل؟

نشر فى : الأربعاء 15 فبراير 2023 - 8:00 م | آخر تحديث : الأربعاء 15 فبراير 2023 - 8:00 م

تحيى ليبيا قريبا الذكرى الثانية عشرة لانتصار الانتفاضة الشعبية التى انطلقت فى السابع عشر من فبراير 2011 معززة بتدخل خارجى لعب الدور الحاسم فى القضاء على المقدرات العسكرية والأمنية وإسقاط النظام وليفتح الباب على مصراعيه أمام ليبيا والليبيين ليلجوا زمنا جديدا.
لكن تلك الآمال تكاد تذهب سدى أو هى، على الأقل، لم تتحقق حتى اليوم، بل دخلت البلاد فى حلقة متتالية من الصراعات والأزمات والحروب والتدخل الأجنبى. كما فشلت جهود الأمم المتحدة وبعثتها للدعم فى ليبيا فى نقل البلاد من الصراع إلى السلام والمصالحة على الرغم من توقيع الاتفاق السياسى الليبى فى 17 ديسمبر 2015، والمعروف باسم اتفاق الصخيرات وما تلاه من حوارات واتفاقات آخرها منتدى الحوار السياسى الليبى الذى أنتج حكومة الوحدة الوطنية التى باشرت العمل منذ مارس 2021. ورغم وجود شبه اسمى لهذه الحكومة فى مختلف أنحاء البلاد، تنحصر دائرة نفوذها أو تغلغلها واقعيا فى طرابلس العاصمة خاصة بعد أن قام البرلمان الذى منحها الثقة بسحبها منها فى سبتمبر من ذات العام وكلف حكومة بديلة رفضت الحكومة القائمة الاعتراف بها وتسليم مقاليد البلاد لها ليستمر الانقسام السياسى والمؤسساتى.
واقعيا، تدار ليبيا اليوم من قبل مجموعات مصالح من بينها الجماعات المسلحة المتنوعة التوجهات التى لا تستنكف عن الاقتتال كلما وجدت سببا لذلك. هكذا ومثلما أفسد التدخل الخارجى انتفاضة كان يمكن أن تبقى شعبية بامتياز، يكاد التدخل الخارجى اليوم أن يجهز تقريبا على كل ما هو ليبى. هكذا يكون مشروعا التساؤل عن سبب فشل الأمم المتحدة فى تحقيق السلام والاستقرار فى ليبيا.

تضارب نهج الأمم المتحدة: قصور التصميم والبنية والعملية
تعانى وساطة الأمم المتحدة فى ليبيا من عيوب متأصلة فى تصميم عمليتها وعدم اتساق الاستراتيجية والنهج الذى تم اتباعه إلى جانب التأثير السلبى للأطراف الفاعلة الإقليمية والدولية. أدى ذلك إلى أن تلقى العملية التى تقودها الأمم المتحدة مصيرا برزت فيه العديد من أوجه القصور التى أعرض لها هنا بما يسمح باستخلاص الدروس المناسبة من عمل بعثة الأمم المتحدة للدعم فى ليبيا منذ 2011.
1ــ الشمول والملكية
لكى يتم اعتبار أى حوار وطنى وشرعى ولكى يعمل كأداة تحويلية للصراع، يجب أن يخلق إحساسا بالمسئولية والمشاركة بين الفصائل والأطراف المختلفة للصراع أو الأزمة. إن ما ينقص الحوارات التى ترعاها البعثة هو التمثيل الحقيقى والفعال والشامل ويمكن أن يُعزى أحد الأسباب الرئيسية للفشل إلى هذا النقص الفادح حيث أظهر اختيار المشاركين الانتقائية والافتقار إلى الشمولية وتمثيل الأطراف الليبية المتنوعة. وبالتالى فقد أعاق هذا تحويل الحوار من الأحادية إلى الترابط بين جميع الفصائل الليبية والتزامها بمستقبل مشترك من خلال المشاركين الذين يمكن أن يكونوا ممثلين لمختلف التوجهات فيصبحوا نموذجًا مصغرًا للجميع مما قد يؤدى بالتالى إلى إحداث المزيد من التحولات المرغوبة فى السياق الاجتماعى والسياسى الحالى.
2ــ الضعف فى التنفيذ
هذا الاستبعاد حرم الاتفاق السياسى الليبى من أن يصبح أكثر فعالية حيث أوجد فى الواقع سياقًا لتوزيع السلطة ضمن الحدود التى فرضتها جهات فاعلة أو نخب أو ميليشيات معينة هيمنت على العملية. وأدى ذلك إلى النتيجة غير المرغوبة المتمثلة فى جعل الاتفاق السياسى الليبى اتفاقًا هشًا فشل فى معالجة الدوافع الحقيقية للصراع وترك الأسباب الكامنة على حالها دون معالجة.
3ــ المساءلة والشرعية
قد تكون الحوارات السرية مقبولة أثناء المرحلة التحضيرية لبدء عمليات معينة أو لتمكين العمل أثناء احتدام الصراع أو وجود مأزق. ومع ذلك، فمن غير المرجح أن يتحقق الدعم الشعبى للحوارات التى تجرى خلف أبواب مغلقة ولا تزود الجمهور أو المجتمعات المعنية بأية معلومات حول القضايا الحقيقية المطروحة فالسرية وانعدام الشفافية تحرم الجمهور من حقه فى المعرفة وهو أمر لا يتفق مع حقيقة كون الحوار والقضايا المتنازع عليها ضرورية لهم وتمس حياتهم أيضا.
لذلك، كان من الضرورى أن يعرف عموم الليبيين ما الذى كان يجرى وأن يتعرفوا على مواقف المشاركين ومدى إخلاص كل منهم للحوار وأهدافه، كما يتعرفوا على من مارس الانتهازية، ومن تبنى أجندة وطنية، وأيضا أولئك الذين كانوا مدفوعين بمصالحهم الخاصة حتى لو كان ذلك على حساب الحوار والمصلحة العامة. علاوة على ذلك، فإن الحفاظ على الشفافية وإعلام الجمهور الواسع يخلق حوافز للمشاركين الذين يقدرون أن ما يقومون به متاح للجمهور وأنهم بذلك عرضة للمساءلة من الجمهور العريض.
أدت أوجه القصور فى الشمول والملكية إلى الحد من المصداقية والشرعية والمساءلة وأدت إلى تسييس العملية برمتها من قبل المشاركين. بدت بعثة الأمم المتحدة للدعم فى ليبيا أكثر اهتمامًا بالشكليات وفقا لما قدرته انعكاسا للتنوع فى المشاركين. وبينما تم استبعاد أو التقليل من مشاركة قوى وأطراف مجتمعية وسياسية وازنة، تم أيضا التقليل من شأن ودور المجتمع المدنى. وعلى الرغم من طبيعته الضعيفة والمسيّسة فى ليبيا ما بعد القذافى، كان من الممكن أن يلعب المجتمع المدنى دورًا حيث يؤمن الاستمرارية. مثلما كان من الممكن أن تساعد تلك المشاركة فى تطوير المجتمع المدنى نفسه وتغذية الثقافة المدنية والديمقراطية لما لذلك من أهمية بالنظر إلى أن الفصائل الليبية المتنافسة إما غير ديمقراطية أو أن مؤهلاتها الديمقراطية محل شك لعدة أسباب لا مجال لتناولها هنا.
4ــ الأمم المتحدة: حياد موضع تساؤل
كانت مواقف رؤساء بعثة الأمم المتحدة للدعم فى ليبيا موضع انتقادات من مجموعة واسعة من الأطراف الليبية الفاعلة وقد أثر ذلك سلبًا على أدوار وعمل المبعوثين ولكنه أيضًا وضع حياد الأمم المتحدة نفسها وشرعيتها كوسيط نزيه موضع تساؤل. ولعله من المهم الإشارة إلى أنه رغم التباين بينها فى المواقف تكاد الأطراف الليبية تجمع على اتهام الممثلين الخاصين للأمين العام بتفضيل طرف ما من أطراف الصراع والعمل على تحقيق مصالح دولة أجنبية معينة واتهام للأمم المتحدة بأنها مجرد أداة للقوى التى سعت إلى تدمير ليبيا باسم الديمقراطية.
هكذا لم تتمكن جهود بعثة الأمم المتحدة من تحقيق تقدم ملموس على مستوى القضايا والتحديات الجوهرية ولم يكن الاتفاق السياسى الليبى فى مراحله المتعددة قادرًا على خلق الشرعية سواء فى العملية أو فى نتائجها. إن التحدى كبير أكثر فالاتفاق السياسى نشأ بالفعل نتيجة لمحادثات بين مجموعة أشخاص اختارتهم البعثة على الرغم من أن معظمهم ليس لديهم مركز قانونى واضح يبرر اختيارهم، أو أن التفويض القانونى الذى منحته لهم المؤسسات التى تولوا تمثيلها تم إلغاؤه لاحقا من قبل تلك المؤسسات لأن أولئك الممثلين أو المندوبين عملوا بتناقض مع مقتضيات تفويضهم كما حصل بشأن اتفاق الصخيرات.

ما العمل؟
مع أنى لا أدعو لتجاوز الأمم المتحدة كليا فلا أعتقد بفرص للحل ما لم يتوقف الليبيون عن الاعتماد على الأطراف والحلول الخارجية وأن يدركوا أن المبادرات الخارجية غالبا ما ترتبط بالمصالح الخارجية ولا تتماشى بالضرورة مع المصالح الليبية. إذا لا بد من تحمل المسئولية وأن تبدأ فى استكشاف حلول محلية جماعية. وفى هذا السياق يجب على الأطراف الليبية عقد العزم على وضع حد لجميع أنواع التدخلات الخارجية وعدم حصر قلقها من هذا التدخل فى وجود الأجانب والمرتزقة بغض النظر عن مصدرهم. كما يحتاج الليبيون إلى الاتفاق على إلغاء أو تجميد جميع الاتفاقيات الأمنية والدفاعية مع الدول والكيانات الأجنبية سواء التى وقعتها حكومة الوفاق الوطنى أو القيادة العامة للجيش الوطنى الليبى أو مجلس النواب أو حكومة الوحدة الوطنية.
لا بديل عن الاتفاق بشأن عقد حوار وطنى شامل يركز على عقد اجتماعى جديد أو ميثاق للثوابت الوطنية الجامعة ويجب أن تكون هذه العملية بقيادة ليبية ذات إطار زمنى محدد، وقواعد ولائحة داخلية وجدول أعمال واضح ونظام داخلى. ولعل من مقتضيات التمهيد ثم النجاح لهكذا مشروع وطنى أن يتم تجاوز السرديات المثيرة للانقسام الذى يتجلى بشكل خاص فى تصاعد خطاب الكراهية والمعلومات المضللة والدعاية السائدة فى وسائل الإعلام الليبية، وخاصة وسائط التواصل الاجتماعى. ولا بد أن تتخلى الأمم المتحدة عن ممارساتها السابقة وأن تقوم بدعم الجهود الليبية وتقديم التسهيلات لعقد حوار وطنى شامل للتوافق على أسس الدولة وأن تمتنع عن قيادة أو إملاء شروط العملية السياسية بشكل مباشر وتترك قيادة العملية لليبيين أنفسهم.
أما دول الجوار فيتعين عليها التخلى عن الاعتقاد بأنها قادرة على حل الأزمة الليبية من خلال العمل بشكل منفرد. يجب حماية ليبيا من المنافسات الإقليمية فمن حق ليبيا عليهم ومن مقومات تحقيق الأمن الإقليمى المشترك أن يتوقف جيران ليبيا عن تعدد تدخلاتهم التنافسية وغير المنسقة والضارة بليبيا وبهم أيضا. ينبغى على الدول المجاورة وبالتنسيق مع الليبيين تطوير آلية للدعم الإقليمى المنسق لليبيا يمكن تصميمها لمساعدة الليبيين على المضى قدما فى عمليتهم السياسية والحد من التداعيات المحتملة للتنافس الدولى على ليبيا على كامل المنطقة.
أستاذ السياسة والعلاقات الدولية بجامعة طرابلس، ليبيا

يوسف محمد الصواني أستاذ السياسة والعلاقات الدولية، جامعة طرابلس - ليبيا
التعليقات