الإسلام كما أدين به
 12- اليوم الآخر أـ مدخل عام - جمال قطب - بوابة الشروق
الإثنين 29 أبريل 2024 11:16 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الإسلام كما أدين به
 12- اليوم الآخر أـ مدخل عام

نشر فى : الخميس 24 مارس 2016 - 9:30 م | آخر تحديث : الخميس 24 مارس 2016 - 9:30 م
ــ1ــ
«اليوم الآخر» إحدى مفردات «الإيمان»، أو أحد عناصر «عقيدة المسلم»، فلا يتم إيمان المسلم حتى يؤمن ويوقن يقينا أكيدا بوجود اليوم الآخر وشمول أحداث ذلك اليوم لكل المكلفين من الإنس والجن فضلا عن شمول بعض أحداثه لجميع الكائنات الأخرى، وإن كانت بعض تلك الكائنات غير معرضة للحساب والجزاء. ولا تعجب من شمول بعض أحداث اليوم الآخر لجميع الكائنات، فالقرآن الكريم أشار إشارات كثيرة يتمم بعضها بعضا تؤكد هذا المعنى. ومن فضل الله قد ساق أهم هذه الأحداث متتابعة فى الجزء الأخير من القرآن.

ــ2ــ

فالواضح من تصوير القرآن لذلك اليوم أنه «يوم» غير أيام الدنيا التى نعرفها، فليس يوما بالدقائق والثوان التى نعرفها. وحسبك فى تعريف «زمن» ذلك اليوم تسمية القرآن ذلك اليوم بأنه «الساعة»، حيق يقول ((.. يسْألك الناس عن الساعة..))، ويقول ((ويوْم تقوم الساعة يقْسم الْمجْرمون ما لبثوا غيْر ساعة..)). هكذا من طول يوم القيامة، يتوهم المجرمون أن حياتهم فى الدنيا وأن بقاءهم فى القبور حتى يوم القيامة ما زاد عن ساعة! حيث إنهم يعيشون الزمن على مقياس القيامة.. ذلك اليوم الذى أشار له القرآن إشارات أكثر وضوحا حيث يقول ((ويسْتعْجلونك بالْعذاب ولن يخْلف الله وعْده وإن يوْما عند ربك كألْف سنة مما تعدون))، أى أن الزمن بين الحياة الدنيا وبين يوم القيامة زمن غيبى لا يعلمه إلا الله، فاليوم الواحد فى انتظار القيامة يساوى ألف سنة مما نحياه ونعده. وفى آية أخرى يشير جل جلاله إلى الزمن الغيبى، فيقول: ((يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعْرج إليْه فى يوْم كان مقْداره ألْف سنة مما تعدون))، أى أن تحويل المشيئة الإلهية إلى واقع فى الأرض وعودة هذه الأحداث للعرض عليه يوم القيامة سيكون يوما زمنه ألف سنة مما نحياه ونعرف طوله. ويوضح الزمن الغيبى الذى تحدث فيه القيامة قائلا: ((تعْرج الْملائكة والروح إليْه فى يوْم كان مقْداره خمْسين ألْف سنة))، أى أن زمن اليوم الآخر هو مقدار خمسين ألف سنة مما نعرفه. ورغم البعد الزمنى بين الدنيا واليوم الآخر، ومع طول اليوم الآخر يحسب «الخاسرون» أنهم لم يعيشوا فى الدنيا ولم يلبثوا فى قبورهم سوى يوم أو بعض يوم، ففى سورة «المؤمنون» يقول القرآن: ((قال كمْ لبثْتمْ فى الأرض عدد سنين * قالوا لبثْنا يوْما أوْ بعْض يوْم فاسْألْ الْعادين * قال إن لبثْتمْ إلا قليلا لوْ أنكمْ كنتمْ تعْلمون))

ــ3ــ

ونحن نؤمن باليوم الآخر إيمانا عمليا وليس مجرد معلومة. فالمؤمن يقر فى عقيدته أن لهذه الحياة بصفة عامة وحياته هو بصفة خاصة لها نهاية أكيدة غير معلومة التوقيت حتى يضع المؤمن لنفسه دستورا يعيش به فى حدود القواعد الآتية:

ــ مادام الإله واحدا والقانون واحدا والبشر كلهم جنسا واحدا، فلا شك أن الجزاء والحساب معيار واحد يعم الجميع ((إذا نفخ فى الصور فلا أنساب بيْنهمْ يوْمئذ ولا يتساءلون)).

ــ إن كل إنسان سيسأل عن نفسه وأفعاله هو ((أنْ ليْس للْإنْسان إلا ما سعى * وأن سعْيه سوْف يرى * ثم يجْزاه الْجزاء الْأوْفى)).

ــ فمادام الجميع سيلقون جزاءهم، فالعاقل السعيد من يرقب ويقدر ذلك اليوم، فلا يترك فريضة، ولا يعتدى على أحد، ولا يغتر بأعراض الحياة الدنيا، فكل عرض زائل كما زال ملك فرعون، وكل مال عديم التأثير كما حدث لمال قارون، وكل ولد أو حبيب مشغول بنفسه ((يوْم يفر الْمرْء منْ أخيه * وأمه وأبيه * وصاحبته وبنيه * لكل امْرئ منْهمْ يوْمئذ شأْنٌ يغْنيه)). ويزيد القرآن الموقف وضوحا فيقول: ((..يود الْمجْرم لوْ يفْتدى منْ عذاب يوْمئذ ببنيه (11) وصاحبته وأخيه (12) وفصيلته التى تؤْويه (13) ومن فى الأرض جميعا ثم ينجيه)).

ــ مراقبة اليوم الآخر ووضعه فى الحسبان يجعل الإنسان متوازنا فلا يبالغ ولا يتعدى «خشية الحساب والعقاب»، وإذا تعرض لضغوط فوق قدرته فلا ييئس حيث إن الله سوف يحاسب المعتدى عليه ويعوض المجنى عليه تعويضا مجزيا.

ــ والإيمان باليوم الآخر يجعل للتدين معنى عظيما وفائدة كبرى، فالمتدين المؤمن يعيش هادئا عالما أن حقوقه لن تضيع، وأن أعماله مسجلة عليه ومحسوبة له أو عليه حسب أفعاله، وأن تقصير الآخرين لا يؤثر على حسابه وجزائه. فليت الجميع يوقنون بذلك اليوم الآخر وما يجرى فيه من عدل إلهى ينال كل إنسان حسب عمله.
جمال قطب   رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر الشريف
التعليقات