هل المياه ستصبح سلعة مثل النفط خلال هذا القرن؟ - مجدى حفنى - بوابة الشروق
الأربعاء 24 أبريل 2024 1:55 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

هل المياه ستصبح سلعة مثل النفط خلال هذا القرن؟

نشر فى : الإثنين 24 مايو 2010 - 10:26 ص | آخر تحديث : الإثنين 24 مايو 2010 - 10:26 ص

 على الرغم من الأهمية الكبرى للمياه باعتبارها أمرا حيويا للحياة وللمجتمعات كافة، فقد تواترت الأنباء مع حلول القرن الواحد والعشرين، وعلى نحو متكرر فى السنوات الأخيرة لتؤكد اتجاهات جديدة للتغيير فى منهجية التعامل مع المياه بوصفها سلعة قابلة للتداول أى شىء للبيع. فقد فتحت خصخصة خدمات المياه فى ظل العولمة ــ التى تجرى حاليا على نطاق عالمى ــ الباب مفتوحا أمام مفهوم المياه كخدمة وكسلعة، وبالتالى لم يعد ينظر إلى المياه على أنها هبة من الله (أو الدولة)، ولكن سلعة أساسية يتعين على المرء أن يدفع ثمنها.

كما حاولت بعض الدوائر الأكاديمية والمنتديات الفكرية فى المؤتمرات العالمية الترويج لفكرة أن الماء خلال هذا القرن سيصبح سلعة تباع وتشترى ولها أسواق للمياه أو بورصة خاصة بها يتم فيها تداول صكوك المياه والمضاربة على أسعارها الحالية والمستقبلية، أسوة بالتعامل مع سلعة استراتيجية مثل النفط، وقد وضح ذلك فى أكثر من حدث وفى العلاقات بين الدول وفى المحافل والمؤتمرات الدولية.

ومن جانبنا فإنه لا يمكن المقارنة بين الاثنين فالمياه ضرورية للحياة، فى حين أن النفط ليس كذلك، كما أن النفط قابل لإيجاد البديل الذى يحل محله، ولكن المياه ليست لها بدائل. كما أن النفط هو المحور الرئيسى لعولمة الاقتصاد العالمى والتجارة الحرة وله سوق حرة يحكمها العرض والطلب. والنفط يشجع آليات الخصخصة والتسعير فى أى مناقشات، ولكن الماء هو الحياة، وهو مورد اقتصادى واجتماعى يحتاج إلى الأخذ فى الاعتبار حاجات للفقراء والفئات المهمشة من الناس فى المجتمع.

ونحاول فى هذا العرض أن ننبه إلى هذا الأمر من خلال:
رصد بعض الظواهر الدالة على تنامى هذا الاتجاه لتتبعه والتبصير به، من أجل التحسب لما قد يكون له من آثار فى المستقبل خاصة فى إطار علاقاتنا مع دول حوض النيل.
تحديد موقفنا من هذا الاتجاه وتفنيده بفكر استراتيجى متوازن من أجل التصدى له وتحييده.
متابعة النقاش حول هذا الموضوع الذى تم العام الماضى فى المنتدى العالمى الخامس للمياه، وقد فشل المؤتمر فى اعتماد إعلانه الختامى لهذا السبب.

أولا
رصد بعض الظواهر الدالة على تنامى الاتجاه نحو اعتبار الماء سلعة.
لقد بدأ النقاش حول المياه باعتبارها سلعة منذ صدور إعلان دبلن لعام 1992، ونص الإعلان فى فقرته الثالثة على «أن الماء له قيمة اقتصادية فى جميع استخداماته المتنافسة، وينبغى التسلم بأنه سلعة اقتصادية»، هذا بالإضافة إلى النص فى الإعلان على الدور المحورى للمرأة لتوفير وإدارة وصيانة المياه والتأكيد على أن المياه العذبة مورد محدود وضرورى لاستمرار الحياة والتنمية والبيئة.

ثم أخذ هذا الاتجاه فى الاستمرار والتصاعد فى التعامل مع المياه كسلعة اقتصادية تباع وتشترى فى أسواق للمياه، مع تبادل قيمة الحقوق فى المياه بين المستخدمين وبالفعل فإن «حقوق المياه» مطبقة فى المملكة المتحدة واستراليا وفى غرب الولايات المتحدة كأمثلة رائدة فى هذا المجال.

وفى هذا الإطار فقد شهدت العلاقات الثنائية بين الدول رصد إبرام صفقات ثنائية لبيع المياه فى السنوات الأخيرة كما يلى:
بين تركيا وإسرائيل: فى 25 مارس 2004، يتم بمقتضاها بيع 50 مليون متر مكعب من المياه ـ المنقى فى تركيا ـ سنويا لمدة عشرين عاما. وستؤخذ المياه من نهر مانافجات فى تركيا، ثم يتم نقلها بعد ذلك فى ناقلات النفط إلى عسقلان فى إسرائيل. وقد علق جوناثان بيليد المتحدث باسم وزارة الخارجية الإسرائيلية العامة آن ذاك بأن «هذا الاتفاق التاريخى من شأنه أن يحول الماء إلى سلعة» مقبولة دوليا، وأضاف أن هذا يدل على أن فكرة استيراد المياه العذبة ليست واحدة من الأفكار الأكاديمية فى المستقبل».

صفقة بين لوسوتو وجنوب أفريقيا لبيع المياه كسلعة من لوسوتو إلى جنوب أفريقيا بمعدل 88 متر مكعب فى الثانية الواحدة.
صفقة أخرى بين إيران والكويت قيمتها 2 مليار دولار (يونيو 2001)، وقد عبرت أنابيب المياه من شمال إيران إلى الكويت.
كما أن هناك ناقلات تنقل المياه فى منطقة البحر الكاريبى والفلبين.

وثار جدل حاد فى كندا بشأن تصدير كميات كبيرة من المياه عندما تعاقدت الشركة العالمية للمياه فى كندا Global Water Corporation of Canada لشحن 58 مليار لتر سنويا من المياه الجليدية فى ألاسكا مستخدمة ناقلات ضخمة على أن تتم تعبئتها فى زجاجات فى منطقة للتجارة الحرة فى Chinai بالصين، معتبرة ذلك أن هذا المشروع «من شأنه الاستفادة بالعمالة الرخيصة فى الصين وتحقيق مكاسب كبيرة جراء ذلك».

ولكن بوصف كندا عضوا فى منظمة التجارة العالمية وتكتل منطقة التجارة الحرة North American Free Trade Agreement (نافتا) التى تضم الولايات المتحدة وكندا والمكسيك اضطرت إلى الالتزام بنفس قواعد تحرير التجارة للمنظمات الدولية لتكون المياه سلعة قابلة للتداول مثل أى سلعة أخرى، وقد علق رئيس مجلس التجارة الكندى (2009) Maude Barlow أنه «بهذا التعاقد أصبحت المياه سلعة وقد سمح للقط الخروج من حقيبته منذ سنوات».

ثانيًا
موقفنا من هذا الاتجاه، وأهمية التصدى له
فى تقديرى أنه بالرغم من تنامى هذا الاتجاه وتصعيده فى السنوات الأخيرة، إلا أنه يمكن تحييده والتصدى له من خلال حملة إعلامية تضحد هذا الفكر وتفنده وتتصدى له بموضوعية وبفكر استراتيجى متوازن، مع مشاركة جادة فى مؤتمرات المياه الدولية، وكذلك من جميع فئات المجتمع خاصة رجال الدين، وذلك باعتباره يتناقض مع الشرائع السماوية التى أكدت أن الماء حق طبيعى يعبر عن الحق فى الحياه وهبة من عند الله، وبالتالى فهو حق من حقوق الإنسان الأساسية، ويدعم من موقفنا هذا ما يلى:
أكد الاعلان العالمى لحقوق الإنسان على 1948 على أن الماء حق من الحقوق الأساسية للإنسان، وهو حق تكفله القوانين الدولية. وقد ورد لذلك نصا صريحا فى اتفاقية حقوق الطفل 1999.

أشارت لجنة الأمم المتحدة المختصة بالحقوق الاقتصادية والثقافية والاجتماعية (نوفمبر 2002) إلى الحق فى المياه باعتباره أصيلا، وأوردت الملاحظات العامة رقم 15 الصادرة عن اللجنة التى حملت عنوانا ذا دلالة «الحق فى المياه» المادتان 11 و12من العهد الدولى للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وذلك بما لا يترك مجالا للشك فى ذلك، وتضمنت هاتين المادتين مفهوم إدارة المياه فى أنه لا يقتصر على البعد الاقتصادى فقط، وينبغى اعتبار الوصول إلى المياه حق من حقوق الإنسان.

ثالثًا
احتداد النقاش حول هذا الموضوع فى المنتدى العالمى الخامس للمياه وفشل فى اعتماد إعلانه الختامى
وقد ازدادت حدة النقاش والجدل حول هذا الموضوع فى المنتدى العالمى الخامس للمياه فى استانبول (تركيا) ـ مارس، 2009، الذى يمثل أكبر تجمع (2300 فرد) وهو نوع من المؤتمرات الدبلوماسية التى تجمع بين الجماعات الحكومية الدولية على القمة، ومستوى وزراء، ونواب البرلمان، فضلا عن المنظمات غير الحكومية ويعقد كل ثلاث سنوات.

وقد فشل المنتدى فى التوصل إلى الإعلان الختامى الذى يصدر عن الوزراء بسبب محاولة فرنسا وإسبانيا والعديد من بلدان أمريكا اللاتينية إدخال تعديل على الإعلان بإضافة جملة: «الحصول على مياه الشرب المأمونة» باعتبارها حقا من حقوق الإنسان right human بدلا من كلمة «حاجة water need»، ولكن دون جدوى، إلى الدرجة التى دفعت عشرين دولة للتوقيع على بيان احتجاج، بما فى ذلك فرنسا وإسبانيا، سويسرا وجنوب أفريقيا وبنجلاديش.


وانتقد الإعلان وزير البيئة الفرنسى الذى أعلن ووصف ذلك بعدم وجود الإرادة السياسية، وهو أمر ضرورى لضمان المياه الكافية للشرب، فى الوقت الذى يعانى فيه نحو 80٪ فى البلدان النامية من جميع الأمراض بسبب المياه الملوثة.

التعليقات