شرق أوسطية أوباما - أحمد يوسف أحمد - بوابة الشروق
الإثنين 6 مايو 2024 12:39 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

شرق أوسطية أوباما

نشر فى : الأربعاء 24 يونيو 2009 - 10:34 م | آخر تحديث : الأربعاء 24 يونيو 2009 - 10:34 م

 الآن وبعد أن هدأ الصخب قليلا حول خطاب أوباما فى القاهرة، يمكن للمرء أن يطرح بعض القضايا ذات الطابع الاستراتيجى، ومن المعلوم أن سياسة سلفه جورج بوش تجاه المنطقة كانت مليئة بالعناصر التى أثارت استياء العرب، وبين تلك العناصر برزت مبادرة الشرق الأوسط الكبير التى أطلقت فى فبراير 2004، وأثارت ما أثارته من اعتراض النخب المثقفة والسياسية المعارضة فى الوطن العربى، بل والنخب الحاكمة فى عديد من الأقطار العربية، بالنظر إلى ما تضمنته المبادرة من نزعة تدخلية واضحة كان من الممكن أن تسفر عن الإطاحة بهذه النخب أو بعضها.

ثم انتهى عهد جورج بوش، وأتى أوباما بأسلوب جديد لتحقيق المصالح الأمريكية وصيانتها، وكان أحد النماذج البارزة على هذا الأسلوب خطابه فى القاهرة. اختلف المحللون والمراقبون حول تقييم الخطاب، وكان أحد محاور الخلاف الرئيسية ما إذا كان نوعا من «العلاقات العامة» أم أنه يتضمن «تغييرا حقيقيا» فى السياسات، وفى غمرة الخلاف الواسع حول «ظاهرة أوباما» ضاع أحد محاور التقييم الذى لا يظهر على نحو مباشر فى الخطاب، وإنما يمكن استنتاجه بمفهوم «المسكوت عنه»، فقد وجه أوباما خطابه إلى «العالم الإسلامى» وليس إلى «الوطن العربى»، وفى غمار الابتهاج بالطريقة التى تحدث بها عن الإسلام نسى الجميع أنه أسقط بخطابه هذا مفهوم النظام العربى.

قد يرى غير المؤمنين بالرابطة العربية فى هذا القول تزيدا، فما الفارق بين أن يتجه أوباما إلى «العالم الإسلامى» أو إلى «النظام العربى» طالما أن الأخير جزء من الأول؟ والواقع أن المسألة ليست بهذه البساطة، فالعالم الإسلامى أقرب إلى أن يكون مفهوما دينيا حضاريا فيما النظام العربى ذو أبعاد إستراتيجية واضحة، فالحديث عن التكامل الاقتصادى الإسلامى شىء والتكامل الاقتصادى العربى شىء آخر، وبينما محصلة التكامل على الصعيدين تساوى الصفر تقريبا، فإن الافتراض بأن النظام العربى يملك من مقومات التكامل أكثر مما يملكه العالم الإسلامى هو الأكثر شيوعا، على الأقل بحكم بعد المسافات الجغرافية بين الدول الإسلامية والتلاصق الجغرافى فى حالة النظام العربى مما يدخل فى حسابات الربح والخسارة فى تدفقات التجارة الدولية، ويواجه كل من النظام العربى والعالم الإسلامى تحديات مختلفة، أو هما يواجهان التحديات نفسها ولكن بأساليب مختلفة، كما فى حالة الصراع العربى ــ الصهيونى مثلا، فلم يحدث أن قاتلت دولة إسلامية غير عربية فى حرب ضد إسرائيل، وعلاقات النظام العربى بمحيطه الإسلامى تنطوى على تعقيدات سياسية كثيرة كما فى حالة إيران حاليا وتركيا إبان ازدهار التعاون العسكرى مع إسرائيل، وتشاد التى تتوتر علاقتها فى الوقت الحالى بالسودان، وبعض مشكلات الجماعات الإسلامية الكبيرة فى دول متنوعة الديانات كما فى حالات الشيشان والبوسنة والهرسك وكوسوفو وغيرها تسبب إرباكا كبيرا للسياسات العربية. هكذا فإن إسقاط مفهوم النظام العربى بجرة قلم من أوباما سواء تم ذلك بوعى أو بغير وعى نتيجة تجذره فى السياسة الأمريكية لا يمكن المرور عليه مرور الكرام.
يعنى ما سبق، أن أوباما قد اتسق فى الطرح الذى قدمه فى القاهرة مع تقاليد راسخة فى السياسة الأمريكية منذ تولت الولايات المتحدة قيادة المعسكر الرأسمالى الغربى فى أعقاب الحرب العالمية الثانية، وتشير هذه التقاليد إلى أن الإطار الأمثل لترتيب أوضاع هذه المنطقة من وجهة نظر السياسة الأمريكية يجب أن يكون «شرق أوسطيا» وليس «عربيا»، والسبب واضح. ففى الأول يقل التماسك ومعه تقل القدرة على الفعل الجماعى، بينما فى الثانى يمكن للتماسك أن يزيد على نحو فاعل ومؤثر فى التفاعلات السياسية الدولية، وما خبرتهم فى التعامل مع النظام العربى إبان الحقبة الناصرية ببعيدة.

هكذا كانت كل مبادرات الولايات المتحدة فى المنطقة شرق أوسطية، سواء كانت ذات طابع عسكرى استراتيجى كما فى مشروع قيادة الشرق الأوسط (1951) أو حلف بغداد (1955)، أو ذات طابع يجمع البعدين العسكرى والاقتصادى كما فى مشروع أيزنهاور (1957) وشرق أوسطية ما بعد أوسلو (1993)، وها نحن إزاء إطار شرق أوسطى جديد لكنه يرتدى هذه المرة مسوح «الإسلام»، ويلاحظ أن مبادرة الشرق الأوسط الكبير قد حددت نطاقها بأنه تشمل بالإضافة إلى البلدان العربية كلا من باكستان وأفغانستان وإيران وتركيا وإسرائيل، أى أن مكونات الشرق الأوسط الكبير كلها إسلامية عدا إسرائيل التى يفترض وفقا لأوباما أن تحل مشكلاتها مع العرب، وبالتالى هى جزء من الشرق الأوسط الكبير فى حالة بوش، وهى «دولة جوار» متصالحة مع العالم الإسلامى فى حالة أوباما.

ولننتقل الآن إلى مضمون السياسة فى الحالتين. بدأت مبادرة الشرق الأوسط الكبير بنقد لاذع للأوضاع العربية (وليس مجمل أوضاع البلدان التى سبقت الإشارة إليها)، واعتمدت فى ذلك على تقريرى التنمية البشرية الصادرين عن الأمم المتحدة لعامى 2002 و2003، واللذين كانا قد أعدا بواسطة نخبة من الأكاديميين العرب، ولذلك تحدثت المبادرة عن نواقص عربية ثلاثة هى الحرية والمعرفة وتمكين النساء، واعتبرت أن الوضع مهدد للمصالح الوطنية لكل أعضاء مجموعة الثمانية باعتبار أنه يفضى إلى زيادة التطرف والإرهاب والجريمة الدولية، وبالتالى يمكن للمجموعة أن تتفق على أولويات مشتركة للإصلاح تعالج النواقص الثلاثة المشار إليها عبر ثلاثة محاور: تشجيع الديمقراطية والحكم الصالح، بناء مجتمع المعرفة، توسيع الفرص الاقتصادية. ويلاحظ بالإضافة إلى ما سبق أن مبادرة الشرق الأوسط الكبير قد أغفلت أى حديث عن صراعات المنطقة كالصراع العربى ــ الإسرائيلى وتأثيرها السلبى على الأوضاع فى المنطقة على العكس من خطاب أوباما الذى أبدى اهتماما واضحا بهذه الصراعات.

فى مقابل النقد اللاذع قدم أوباما رؤية تنطلق من احترام الإسلام والمسلمين، وتعترف بدور الحضارة الإسلامية فى تمهيد الطريق أمام النهضة الأوروبية وعصر التنوير، وبينما كانت الأوضاع العربية فى مبادرة الشرق الأوسط الكبير سببا فى الإرهاب الذى هدد مصالح الثمانية الكبار فإن أوباما برر التدخل الأمريكى فى أفغانستان بأنه كان ضرورة لملاحقة تنظيم القاعدة الراعى لأحداث سبتمبر 2001، وبالتالى فإن المسألة ليست حربا بين الولايات المتحدة والإسلام وإنما هى حربهما معا ضد المتشددين. ومع إنه اعتبر أن استخدام القوة فى حالة العراق كان «خيارا» يمكن تفاديه إلا أنه انتهى مع ذلك إلى أن الشعب العراقى هو الطرف الرابح فى نهاية المطاف من إسقاط نظام صدام حسين. هكذا يتساوى التقييم العملى فى مبادرة الشرق الأوسط الكبير وخطاب أوباما، على الرغم من اختلاف المنطلقات لكل منهما.

فى محاور الإصلاح تحدثت مبادرة الشرق الأوسط الكبير عن أمور إجرائية لتشجيع الديمقراطية فى الشرق الأوسط الكبير الذى اعتبرت المبادرة إسرائيل البلد الديمقراطى الوحيد فيه، وشملت هذه الأمور تأكيدا على تعزيز الانتخابات الحرة، والزيارات المتبادلة، والتدريب على الصعيد البرلمانى، ومعاهد لتدريب النساء على القيادة، والمساعدة القانونية للناس العاديين، واستقلال وسائل الإعلام، ومكافحة الفساد، وتعزيز المجتمع المدنى. وعلى الرغم من أن المبادرة لم تنص على التغيير بالقوة من الخارج، إلا أنها أشادت بما وقع فى أفغانستان والعراق، كما أن وزيرة خارجية بوش قد اعتبرت العدوان الإسرائيلى على لبنان فى 2006 وما أصابه من قتل ودمار إرهاصات بناء شرق أوسط جديد. أما أوباما فقد طرح المسألة على أساس أنه لا يمكن لأى دولة، ولا ينبغى لها، أن تفرض نظاما للحكم على أى دولة أخرى، ومع ذلك «لن يقلل ذلك من التزامى تجاه الحكومات التى تعبر عن إرادة الشعب..إن أمريكا لا تفترض أنها تعلم أفضل شىء بالنسبة للجميع، كما أننا لا نفترض أن تكون نتائج الانتخابات السلمية هى النتائج التى نختارها». اختفت النزعة التدخلية، وبالذات عن طريق القوة بوضوح إذن عند أوباما، وإن كانت توجيهاته «الديمقراطية» سوف تكون مدعاة للارتباك فى التطبيق كما ظهر مؤخرا فى حالة الانتخابات الرئاسية الإيرانية.

فى بناء مجتمع المعرفة تحدثت مبادرة الشرق الأوسط الكبير عن مبادرة للتعليم الأساسى تشمل جهود محو الأمية، وتطوير الكتب التعليمية بما فى ذلك تمويل ترجمة المؤلفات الأساسية فى دول مجموعة الثمانية بما يعنيه هذا من تأثير واضح على المنظومة القيمية فى العملية التعليمية، ومبادرة مدارس الاستكشاف حيث يتم استعمال التكنولوجيا المتقدمة ومناهج التعليم الحديثة، ورعاية مجموعة الثمانية لقمة تعليمية لم تعقد فى الشرق الأوسط، ومبادرة التعليم فى الإنترنت لتدريس إدارة الأعمال!

أما أوباما فقد اكتفى بالحديث عن التوسع فى برامح التبادل بزيادة المنح الدراسية لأبناء البلدان الإسلامية وكذلك للدارسين الأمريكيين فى المجتمعات الإسلامية، وزيادة فرص التدريب للطلاب المسلمين الواعدين، والاستثمار فى سبل التعليم الافتراضى للمعلمين والتلاميذ فى جميع أنحاء العالم. نزعة تدخلية أقل دون شك، ولكن فى الوقت نفسه دون مفارقة جوهرية للسياسات القائمة، غير أنه يمكن أن يضاف إلى هذا موقفه من العلوم والتكنولوجيا الذى سكتت عنه مبادرة الشرق الأوسط الكبير تماما، فيما تحدث هو عن صندوق مالى لدعم التنمية والتطور التكنولوجى فى البلدان الإسلامية. وفى رأيى أن هذه الفكرة الأخيرة قد ضاعت وسط الصخب الذى أعقب خطاب أوباما، ويتعين على الدول العربية أن تختبر جديتها ولو من باب «أفلح إن صدق».

أما المحور الاقتصادى فقد اعتبرت مبادرة الشرق الأوسط الكبير أن مفتاح التحول هو إطلاق قدرات القطاع الخاص فى المنطقة، وقبل أن يلقى أوباما خطابه كان بعض من أهم قلاع القطاع الخاص فى الولايات المتحدة ذاتها قد رفع الراية البيضاء كى تنقذه الدولة بسياسات لا تختلف عن سياسات التأميم إلا فى نطاقها ومداها الزمنى الذى يفترض أن يكون مؤقتا. ولعل هذا الارتباك الهائل فى الاقتصاد الأمريكى والاقتصاد العالمى هو ما جعل الجزء الخاص بالتنمية الاقتصادية فى خطاب أوباما فقيرا للغاية، فقد تحدثت مبادرة الشرق الأوسط الكبير بإسهاب عن تمويل النمو بإقراض المشاريع الصغيرة، وإنشاء مؤسسة مالية تساعد على تنمية الأعمال على المستويين المتوسط والكبير، ويكون من الأفضل أن تديرها مجموعة من قادة القطاع الخاص فى مجموعة الثمانية –الذين عجزوا لاحقا عن إدارة شئونهم-، وإنشاء بنك للتنمية، والشراكة من أجل نظام مالى أفضل، وتشجيع التجارة بين دول المنطقة عن طريق زيادة انضمام هذه الدول إلى منظمة التجارة العالمية (!)، وإنشاء مجموعة من المناطق التجارية لتحسين التبادل التجارى فى المنطقة، والمساعدة على إنشاء مناطق لرعاية الأعمال، استخدمت لاحقا لتعزيز التطبيع بين إسرائيل وكل من الأردن ومصر، وإنشاء منبر الفرص الاقتصادية. وفى مقابل هذا كله اكتفى أوباما بفقرة واحدة تحدث فيها عن استحداث هيئة جديدة من رجال الأعمال المتطوعين لتكوين شراكة مع نظرائهم فى البلدان الإسلامية، واستضافة قمة لأصحاب المشروعات المبتكرة لتعميق العلاقات بين القياديين فى هذا المجال فى الولايات المتحدة وبلدان العالم الإسلامى، ويلاحظ أن كلا من مبادرة الشرق الأوسط الكبير وخطاب أوباما قد أسقط الحديث عن المساعدات الاقتصادية تماما.

هل يمكن لنا بعد ذلك أن نحكم بأن خطاب أوباما قد حمل معه شرق أوسطية جديدة ترتدى عباءة الإسلام دون مفارقة جوهرية لسياسات سلفه تجاه المنطقة كما عبر عنها فى مبادرة الشرق الأوسط الكبير لعام2004؟ وهل يمكن لنا أن نضيف أن العرب قد فقدوا فى خطاب أوباما أى إشارة إلى ما يجمعهم دون أن يكون فى هذا الخطاب «ذى النطاق الإسلامى» مضمون جديد يعوضهم عن غياب الإطار العربى؟ أترانا بعد هذا كله على حق إن نحن طالبنا العرب بأن يكونوا هم وليس غيرهم هم حملة مشاعل التغيير؟

أحمد يوسف أحمد أستاذ العلوم السياسية بكلية الإقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، وعميد معهد الدراسات العربية