خواطر حول القمة الثقافية العربية - أحمد يوسف أحمد - بوابة الشروق
الثلاثاء 7 مايو 2024 7:30 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

خواطر حول القمة الثقافية العربية

نشر فى : الخميس 24 يونيو 2010 - 10:25 ص | آخر تحديث : الخميس 24 يونيو 2010 - 10:25 ص

 يدور جدل واسع فى أوساط ثقافية عربية عديدة فى هذه الأيام بعد أن أقرت قمة سرت فى مارس الماضى انعقاد قمة ثقافية عربية من حيث المبدأ. كان المفكر والسياسى المصرى البارز د.مصطفى الفقى قد أشار فى إحدى مقالاته فى صحيفة الحياة إلى اقتراح قدمه ووافق عليه على الفور فى اجتماع لمؤسسة الفكر العربى فى بيروت مؤداه الدعوة إلى عقد قمة ثقافية عربية، كذلك كان اتحاد الكتاب العرب قد وجه فى مؤتمره فى أكتوبر 2009 فى مدينة سرت الليبية نداء عاجلا إلى القادة العرب لعقد قمة ثقافية عربية تواجه الأخطار التى تتهدد الثقافة العربية، والتى هى بطبيعة الحال حجر الأساس فى الرابطة العربية، وطالب الاتحاد الأمين العام لجامعة الدول العربية باتخاذ القرارات اللازمة لعقد هذه القمة، ومن جانبه حيث بادر الأمين العام بالدعوة إلى اجتماع حضره عديد من مثقفى العرب البارزين بالإضافة إلى مدير عام المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم باعتبارها المنظمة العربية المعنية بالشأن الثقافى ضمن منظومة العمل العربى المشترك، وتم تفاهم واضح على أن تكون المنظمة شريكا للجامعة الأم فى الإعداد للقمة الثقافية مع أقصى درجة ممكنة من الانفتاح على منظمات المجتمع المدنى المعنية بالشأن الثقافى وكذلك على المثقفين العرب ذوى الإسهام البارز فى مسيرة الثقافة العربية.

ويبدو أن ثمة تناقضا يقبع فى خلفية المشهد السابق بين الحاجة إلى دعم رسمى رفيع المستوى للثقافة العربية على النحو الذى يمكن المسئولين عن الثقافة العربية من اتخاذ قرارات لا غنى عنها لتقدم هذه الثقافة، باعتبار أن المثقفين لا يملكون أصلا سلطة اتخاذ هذه القرارات، ومن هنا فكرة أن تعقد قمة للثقافة العربية تلقى بثقلها فى كفة تلك القرارات، وبين القلق المشروع من أن يكون اضطلاع قمة عربية بالنظر فى الشأن الثقافى قيدا على الثقافة العربية وليس دعما لها. صحيح أن حكام العرب ليسوا بالضرورة أعداء للثقافة، لكن الرؤى قد تتباين بينهم وبين المثقفين الأمر الذى قد يفضى إلى إصدار القمة قرارات «تضبط» الثقافة العربية ولا تطلقها من عقالها.

ومن ثم يرى هؤلاء القلقون أن الأفضل هو ألا تمكن القمم العربية من البحث فى الشأن الثقافى أصلا، وأن يحافظ المثقفون فى كل قطر عربى على ما هو متوافر لهم من حرية الإبداع، ويحاولون زيادة مساحة هذه الحرية بنضالهم الدءوب فى الساحتين الثقافية والسياسية فى أقطارهم، كبديل أكثر جدوى من السعى لاستصدار قرارات رسمية عليا تدعم الثقافة العربية بينما واقع الأمر أن هذه القرارات لن تعدو أن تكون لجما لحرية هذه الثقافة وتنوعها.

وربما يذكر فى هذا السياق أن قمة الإسكندرية فى 1965 وهى تنظر فى ترسيخ التضامن العربى لم تفعل سوى إصدار ميثاق لهذا التضامن كان من شأن تنفيذه أن يكبح جماح التغيير الداخلى فى كل قطر عربى يروم شعبه هذا التغيير، وربما كان من حسن الحظ أن هذا الميثاق لم يُنفذ كغيره من قرارات عديدة للقمم العربية بعضها بالغ الأهمية، وإلا كان من شأن تنفيذه الأمين أن يقيم مزيدا من العراقيل فى وجه عمليات التطوير الداخلى للنظم والمجتمعات العربية.

وهناك مشكلة أخرى تبرز فى سماء التفكير فى عقد القمة الثقافية تتعلق بالقضايا التى ينبغى أن تعرض على هذه القمة كى تدلى بدلوها فيها، ويمكن التمييز بين نهجين فى هذا الصدد: الأول معنى بأن توضع القضايا الثقافية على جدول أعمال القمة دون استثناء وبغض النظر عن أى اعتبار، كى ترتفع القمة إلى المستوى المطلوب من أجل دعم الثقافة العربية وحمايتها، بينما يرى النهج الثانى أن القمة يجب أن تبحث فقط فى القضايا التى يمكن أن يتحقق حولها أكبر قدر من القواسم المشتركة حتى يمكن الخروج من هذا البحث بقرارات مواتية قابلة للتطبيق على أرض الواقع، وليست قرارات لا ينعقد حولها إجماع فتكون النتيجة تشرذم عربى آخر يضاف إلى القائمة الطويلة من مؤشرات الوهن والتفكك فى الوطن العربى.

يطرح أنصار النهج الأول قضايا مثل غياب الثقافة الديمقراطية بدرجة أو بأخرى فى جميع أرجاء الوطن العربى، الأمر الذى يجعل من محاولات الإصلاح الديمقراطى فى الأقطار العربية عبثا، وقضايا الغلو الدينى الذى بات يتسرب إلى قطاعات أوسع من الشباب العربى حاملا معه قيما وأفكارا لا تمت لصحيح الدين بصلة، مما يشكل جسرا قويا لهؤلاء الشباب نحو الانضمام إلى قافلة الإرهاب المتستر بالدين، وثقافة المقاومة التى يرى هؤلاء الأنصار أنه لا نجاة للنظام العربى ولا حماية لأمنه من دون أن تتغلغل هذه الثقافة فينا، فى الوقت الذى باتت تزعج فيه عديدا من الدوائر الرسمية فى النظام العربى التى تناصر نظرية التفاوض إلى الأبد مع الخصوم حتى ولو لم يفض هذا التفاوض إلى أى شىء، وثقافة الاحتجاج التى تغلغلت فى قطاعات من الشباب العربى على ضوء وسائط الاتصال التى تتيحها شبكة المعلومات الدولية.

وفى هذا الصدد لا بد من فهم هؤلاء الشباب وأسباب إحباطهم والعمل على القضاء على جوانب القصور فى حياتنا التى تسبب هذا الإحباط. بدون مواجهة هذه القضايا وغيرها يرى أنصار هذا النهج أن القمة الثقافية المقترحة ستكون بمثابة النعامة التى تدفن رأسها فى الرمال.

لا ينكر أنصار النهج الثانى الأهمية الفائقة للقضايا السابقة، وضرورة التصدى لها، غير أنهم يرون أن القمة الثقافية العربية بسبب طابعها السياسى الرسمى ليست هى المكان الملائم لطرح هذه القضايا، على الأقل فى دورتها الأولى التى ستكون استكشافية بكل المعايير، وإلى أن ترسخ فكرة القمة الثقافية كتقليد من تقاليد العمل العربى المشترك ينبغى أن توكل لهذه القمة قضايا أخرى بالغة الأهمية بدورها، لكنها تتميز عن سابقتها بأن تحقيق قواسم مشتركة حولها ممكن، وإلى أن تتمكن القمة الثقافية العربية من أن تكرر انعقادها على نحو منتظم يسمح لها بالتصدى لهذه القضايا من الممكن إيجاد حلول بديلة للاهتمام بها من الآن، ومن بين هذه الحلول أن تكون هذه القضايا والرؤى المختلفة بشأنها موضوعا لدراسات متعمقة تعرض على الحكام العرب دون أن تطالبهم بشىء، ومن الحلول أيضا أن ينعقد مؤتمر للمثقفين للعرب يكون موازيا للقمة الثقافية العربية بحيث يمثل ساحة مناسبة لمناقشة هذه القضايا بروح من الحرية والمسئولية معا، على أن ترفع نتائجه بشكل أو بآخر للقمة الثقافية العربية ولو من قبيل الإحاطة.

أما القضايا التى يرى أنصار هذا النهج الثانى ضرورة البدء بعرضها على القمة فهى عديدة، وفى مقدمتها ضرورة اتخاذ خطوات جادة وفعالة من أجل حماية اللغة العربية التى تعد بمثابة حجر الأساس بالنسبة للرابطة العربية، إذ لا يخفى أن هذه اللغة باتت تتعرض لمخاطر شتى حقيقية سواء بسبب انتشار التعليم الأجنبى فى الوطن العربى الذى يباعد بين اللغة العربية وبين أن تكون لغة المستقبل، أو بسبب العمالة الأجنبية فى عدد من الأقطار العربية التى تعمل فى قطاعات تجعلها ذات تأثير سلبى على اللغة العربية، بما فى ذلك مربيات الأطفال اللاتى تنقلن لأطفالنا مفردات لغوية ــ وربما قيما ــ غريبة علينا، أو بسبب ثقافة «الأمركة» التى أزاحت اللغة العربية من أسماء منشآتنا الصناعية والتجارية كبيرها وصغيرها، أو على الأقل أوجدت مسخا لغويا لا علاقة له بصحيح اللغة العربية، أو بسبب الغلو فى استخدام اللهجات العامية العربية فى بعض الأقطار على النحو الذى يكاد يقطع التواصل مع أبناء الأقطار الأخرى الذين ينطقون لهجات مختلفة بدرجة أو بأخرى، وأخيرا وليس آخرا بسبب الثورة التكنولوجية المعاصرة كما تتبدى فى شبكة المعلومات الدولية ولغة الحاسوب التى بدأ عديد من مفرداتها الأجنبية يدخل إلى قاموس اللغة العربية المستعملة بعد أن يتم «تكييفه» على نحو يبدو معه وكأنه كلمات عربية بالأساس.

ومن القضايا التى يمكن بناء حد مقبول من القواسم المشتركة حولها حماية التراث العربى الذى أهملناه طويلا، وتجرأ البعض عليه سواء نتيجة هذا الإهمال، أو لأهداف سياسية غير خافية، كما فى المساعى الإسرائيلية الدءوبة من أجل تسجيل معالم بارزة للتراث الفلسطينى العربى ضمن التراث الصهيونى، ومن هذه القضايا كذلك اتخاذ جميع القرارات من أجل التيسير على صناعة الكتاب العربى بحيث تنخفض تكلفته إلى الحد الأدنى، ويصبح فى متناول القارئ العادى، وليس حكرا على شريحة محدودة يمكنها تحمل الأسعار المرتفعة للكتاب العربى فى الوقت الراهن، علما بأن لبعض الدول تجاربها الخاصة الناجحة فى هذا الصدد، ومنها كذلك السعى إلى أن يكون الوطن العربى سوقا ينتقل فيها الكتاب العربى من قطر لآخر دون حواجز بما ييسر التواصل الثقافى بين أقطار الوطن العربى، علما بأن هذا التيسير لا يعنى بالضرورة إلغاء سلطة النظم الحاكمة فى منع بعض الكتب التى قد تراها غير ملائمة لأوضاعها الخاصة، وإن كانت الخبرة قد علمتنا أن أكثر الكتب انتشارا هو الكتاب الممنوع رقابيا، ومن هذه القضايا أيضا ضرورة العمل على تحسين الصورة العربية فى الخارج بعد أن ألحقت الممارسات الإرهابية بها ما ألحقته من أضرار تلقفتها الدوائر المعادية للعرب بكل الترحاب والعناية حتى بات العربى يكاد يكون شخصا غير مرغوب فيه فى العالم الغربى بصفة خاصة، كذلك فإن فكرة حوار الحضارات التى تبناها العرب كرد على النظرية البائدة لصدام الحضارات يجب أن تكون موضع اهتمام دائم من الدوائر الثقافية العربية الرسمية وغير الرسمية من أجل علاقات أوثق وأنفع «بالآخر»، وأخيرا وليس آخرا فإن نقل الإبداع الثقافى العربى للخارج من خلال عملية مؤسسية للترجمة من اللغة العربية إلى اللغات الأخرى هو أمر يجب أن يحظى بكل اهتمام من القمة الثقافية العربية.

تحتاج جميع هذه القضايا دون شك إلى دراسات حقيقية، إذ لا يجب أن تكون مجرد أفكار مجردة تطرح على المسئولين العرب سواء على الصعيد الوزارى التمهيدى، أو على صعيد القمة صاحبة القرار، وبعض هذه الدراسات قد يأخذ شكل دراسات الجدوى كما فى التيسير على صناعة الكتاب وسوقه الحرة العربية، وبعضها الآخر قد يتطلب رؤى فكرية عميقة كما فى تحسين الصورة العربية والحوار مع الآخر، وبعض ثالث قد يفرض اتخاذ قرارات سياسية جريئة كما فى حماية اللغة والتراث العربيين، لكن القضايا جميعها يجب أن تطرح على القمة على نحو متعمق وليس كمجرد خواطر أو هواجس، ويحتاج هذا إلى أوسع مشاركة ممكنة من المثقفين العرب ومراكز البحوث وجميع المؤسسات المعنية بالشأن الثقافى العربى، فإن وفقت القمة الثقافية المرتقبة فى التصدى لبعض هذه القضايا سوف يكون هذا نجاحا لا شك فيه تبدأ بعده عمليات متابعة التنفيذ فى سياق تعودنا فيه على الاكتفاء بإصدار القرارات. وهذه قصة أخرى.

أحمد يوسف أحمد أستاذ العلوم السياسية بكلية الإقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، وعميد معهد الدراسات العربية