ضوء فى نهاية النفق - فهمي هويدي - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 4:21 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ضوء فى نهاية النفق

نشر فى : الأحد 24 يونيو 2012 - 8:55 ص | آخر تحديث : الأحد 24 يونيو 2012 - 8:55 ص

أخيرا ظهر لنا ضوء فى نهاية النفق المظلم. أتحدث عن اتفاق القوى الوطنية أمس الأول على تشكيل جبهة موحدة تواجه عسكرة مصر وتعارض انقلاب الخميس 14/6. وهو الاتفاق الذى أخرجنا من حالة الإحباط التى خيمت على الفضاء المصرى طوال الأسبوع المنصرم. وأعاد إلينا الأمل فى إمكانية استئناف مسيرة الثورة، خصوصا بعدما أفقنا على الحقيقة الصادمة. التى كشفت لنا عن أن أعوان النظام السابق و«فلوله» لايزالون يتطلعون إلى استعادة مواقعهم. شجعتهم على ذلك عوامل عدة على رأسها تشتت قوى الثورة وانشغالها بتناقضاتها الثانوية عن التناقض الرئيسى الذى يهددهم جميعا، المتمثل فى قوى الثورة المضادة. ولم يعد سرا أنه إلى جانب ذلك العنصر الرئيسى فهناك عوامل أخرى ساعدت الفلول على العودة إلى ساحة العمل السياسى، بعضها محلية والبعض الآخر له مصادره الإقليمية والدولية. يشهد بذلك ما تحدثت عنه وسائل الإعلام الإسرائيلية فى هذا الصدد (اتصالات نتنياهو مع الإدارة الأمريكية لإنجاح الفريق شفيق).

 

شىء جيد لا ريب. أن تدرك قوى الجبهة الوطنية أن هذا أوان الالتحام والاصطفاف لمواجهة تهديد الثورة المضادة، وأن يقتنع الجميع ــ والإخوان فى المقدمة منهم ــ أن مصر لن تقوم لها قائمة وأن الثورة لن تحقق أهدافها ما لم تتكاتف أيدى كل الوطنيين المخلصين لكى يعملوا معا، دون أن يضطر أى فصيل لأن يتنازل عن مبادئه أو مشروعه. حيث ليس مطلوبا من أى أحد سوى شىء واحد هو أن يقدم مساهمته فى إنقاذ البلد من «العسكرة»، تمهيدا لتحريره وإطلاق طاقات البناء والتقدم لدى كل ابنائه باختلاف تمايزاتهم وأطيافهم.

 

ليس لدى علم بالمشاورات التى سبقت ذلك الاتفاق، لكننى أتصور أن إنجازه ما كان له أن يتم إلا إذا قام الجميع بتقييم مرحلة التجاذب والتراشق التى استمرت خلال الأشهر الأخيرة، ثم اتفقوا إما على تجميد الملفات القديمة أو ترحيلها إلى المستقبل، بعد ذلك توقفوا عند إدراك المخاطر التى تتهدد الثورة والوطن، جراء احتمالات عودة شبح نظام مبارك، مقنعا ومعدلا. وقرروا أن واجب الوقت هو مواجهة ذلك التحدى وضرورة الانتصار عليه.

 

الآن، اتضح الخيط الأبيض من الخيط الأسود، ولم يعد هناك مكان للبين بين، بل صار من الخطورة بمكان أن يقف أى أحد فى الوسط، ببساطة لأن الحياد بين الحق والباطل، يصب فى كفة إضعاف الحق وتعزيز موقف الباطل. وهذا الوضوح لا يصحح مسار الحركة الوطنية المصرية فحسب، ولكنه يعيد صياغة معادلة التحدى وأطرافه، ويفضح محاولات طمس معالم تلك المعادلة والتستر على أطرافها الحقيقيين. إذ عندما سقطت الأقنعة وازيح الستار، تبين للجميع أننا لسنا بصدد تنازع على السلطة بين المجلس العسكرى والإخوان، ولا هو مواجهة بين أنصار الدولة المدنية وأنصار الدولة الدينية، ولكننا بصدد معركة كسر عظم بين الثورة والثورة المضادة. هدفها استكمال إسقاط النظام السابق تمهيدا لطى صفحته والتحلل من أثقال الماضى وأدرانه، للتفرغ لبناء المستقبل المنشود.

 

إذا كنت فى شك من أنها معركة كسر عظم، بالمعنى الحقيقى وليس المجازى، فتابع ما تبثه وسائل الإعلام التى يعشش فيها الفلول، وكيف تخوض المعركة بشراسة، أهدرت خلالها مختلف الأعراف المهنية والأخلاقية، واستخدمت فى تحقيق مرادها كل الأساليب الهابطة والمرذولة لاغتيال أركان معسكر الثورة أدبيا ومعنويا.

 

حين طالعت الصور التى نشرت أمس لإعلان تشكيل الجبهة الوطنية، كان السؤال الذى خطر لى كالتالى: أما وقد رأينا رموز معسكر الثورة يصطفون معا فى ميدان التحرير، فما هى الرموز التى يتوقع أن نراها إذا ما التقطت صورة لرموز المعسكر الآخر؟ دعك من نزلاء مزرعة سجن طرة، فهؤلاء مفروغ منهم ومكانهم محفوظ، لكن سؤالى ينصب على أقرانهم الذين يعيشون بيننا، خصوصا أولئك النفر من السياسيين المحترفين وأقرانهم الذين يتصدرون بعض المنابر الإعلامية، الصحفية والتليفزيونية، ممن يصطنعون البراءة هذه الأيام، ويزايدون على الجميع فى محبة الوطن والدفاع عن مصالحه العليا.

 

سأترك لك مهمة ملء  فراغ الصورة وانتقل إلى سؤال آخر خطر لى هو: أين مكان المجلس العسكرى بين الصورتين؟ ــ لقد قرأت فى البيان الذى أصدره المجلس يوم الجمعة 22/6 أنه يقف على مسافة واحدة من الطرفين، لكننى لم آخذ الكلام على محمل الجد، ليس فقط لأن تعبير المسافة الواحدة جرى ابتذاله جراء تواتر استخدامه فى التمويه والتدليس، ولكن أيضا لأن رسالة البيان كانت فى مجملها تحذيرا وتهديدا لطرف دون آخر، ولأننى لا أظن أن فى الأمر خطأ مطبعيا. فربما كانت الحجة فيه أنها مسافة واحدة حقا ولكن كل طرف له مقام مختلف عن الآخر. بالتالى فنحن بإزاء اختلاف مقامات وليس اختلاف مسافات.!

 

لقد نجحت القوى الوطنية فى اختبار إقامة الجبهة والتعالى فوق الأخطاء والمرارات، لكن جهدا كبيرا ينبغى أن يبذل لكى تواصل التقدم نحو تحقيق الهدف الذى شكلت من أجله ــ طوبى للوطنيين الذين تناسوا جراحهم وهبوا لإنقاذ الوطن من جرحه الكبير.

فهمي هويدي فهمى هويدى كاتب صحفى متخصص فى شؤون وقضايا العالم العربى، يكتب عمودًا يوميًا ومقالاً اسبوعياً ينشر بالتزامن فى مصر وصحف سبع دول عربية اخرى. صدر له 17 كتابا عن مصر وقضايا العالم الاسلامى. تخرج من كلية الحقوق جامعة القاهرة عام 1961 ويعمل بالصحافة منذ عام 1958.