بئر معطلة وقصر مشيد - سلامة أحمد سلامة - بوابة الشروق
الأربعاء 8 مايو 2024 6:53 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

بئر معطلة وقصر مشيد

نشر فى : الأربعاء 25 مارس 2009 - 6:33 م | آخر تحديث : الأربعاء 25 مارس 2009 - 6:33 م

 
فى أجواء الأزمة المالية العالمية الراهنة، يتردد الحديث عما يسمى بالأصول أو «الأرصدة المسمومة»، وهى الأصول المتعثرة التى عجزت المصارف عن سدادها أو تحصيلها، وكانت سببا فى حالة الكساد العظيم، التى تهدد العالم، مما حدا بالرئيس الأمريكى أوباما إلى وضع خطط لتشتريها الدولة، أو جانبا منها لتخفيف وطأة الأزمة.

وكما فى دنيا المال تشهد السياسة العربية ظاهرة مشابهة هى ظاهرة الأرصدة السياسية المسمومة، التى يفترض عادة أن تشكل الاحتياطى السياسى لمواجهة الضغوط والأزمات.

وهى بمثابة القوة الناعمة للدولة، التى تتمثل فى اقتصاد قوى قادر على التكيف مع المتغيرات العالمية، ونظام سياسى واجتماعى حديث يقوم على التداول والمشاركة، وقوة ردع قادرة على الدفاع عن النفس.

والذى يجرى فى العالم العربى حاليا يدل على أنه فقد كثيرا من قواه وإمكاناته الذاتية، وأن أرصدته السياسية والاقتصادية قد استنزفت تماما، أو تحولت إلى أصول فاسدة مسمومة ترتد فى الأغلب إلى صدر شعوبها. وذلك على عكس ما يبدو من مظاهر الترف والقوة الزائفة أحيانا، إلا أنها كما يُقال: مجرد بئر معطلة وقصر مشيد!!

ولم يكن ما جرى فى غزة من اجتياح إسرائيلى، وما سبقه من اجتياح مماثل فى لبنان، غير إيذان بأن العرب فى موازين القوة العالمية لم يعودوا يمثلون وزنا ذا قيمة.

بل باتوا يضمنون سلامتهم وأمنهم بما يحصلون عليه من تعهدات وما يقدمونه من تسهيلات وقواعد، وما يدفعون ثمنه باهظا من أسلحة لا تستخدم حتى فى الدفاع عن أنفسهم، أو الدخول فى تحالفات شبه عسكرية.

ولكن جاءت وقائع الغارات الجوية الأمريكية على شرق السودان بحجة قطع الطريق على عمليات تهريب الأسلحة إلى غزة، على الرغم مما أحاط بها من تكتم وتشكيك، لتبرهن إلى أى مدى أصبحت المنطقة بكاملها من شرق أفريقيا جنوبا إلى البحر الأحمر والصومال وعدن ومضيق هرمز شمالا فى قبضة الوجود العسكرى الأطلنطى أو الأمريكى.

أو تحت أعين الرقابة المستمرة لأقمار التجسس، التى يمتد بصرها فى كل اتجاه. وقد جاء التفاهم الأمريكى ــ الإسرائيلى بين ليفنى ورايس فى آخر ولاية بوش، لمنع تهريب الأسلحة إلى غزة.

وشاركت فيه ثمانى دول أوروبية من حلف الأطلنطى بينها فرنسا وألمانيا وبريطانيا وهولندا، لتضيف أبعادا جديدة. وقد زعمت هذه الدول ــ فى مؤتمر سرى عقد أخيرا فى لندن ــ أنها لن تلجأ إلى القوة فى تعقب شحنات الأسلحة.

وأن هذه الإجراءات ليست موجهة للدول العربية، التزاما بالقانون الدولى، حيث لا تملك هذه الدول تفويضا أمميا للقيام بعمليات عسكرية.

ولكن الغارات الجوية الأخيرة على شرق السودان، والتى قصفت فيها قوافل سيارات بركابها فى المنطقة شمال غربى بورسودان، وذهب ضحيتها نحو 300 من السودانيين خلال شهرين، تدل على أن شيئا ما يحدث خارج إطار القانون الدولى. ورغم التكتم الذى أحاط به فقد أثارت قلق مصر.

ولا يمكن فى هذا الصدد تجاهل العلاقة بين هذه الغارات التأديبية على السودان، واشتعال الأزمة بسبب دارفور، وقرار المحكمة الجنائية الدولية بتوقيف الرئيس عمر البشير.. والتصعيد الذى قادته أمريكا فى مجلس الأمن ضد البشير بعد طرد منظمات الإغاثة الدولية.

ومهما تكن أخطاء النظام السودانى وتآكل رصيده من المصداقية، نتيجة سلسلة من الأخطاء، التى تضخمت تحت سمع وبصر الدول العربية، فإن المسألة لم تعد إنقاذ رأس البشير من المحاكم الدولية، بل إنقاذ السودان من المصير المظلم الذى ينتظره، ويساعد الغرب بأساليب مختلفة على إنقاذه لتقسيم السودان.

وفى السياسة كما فى الاقتصاد، فإن أوباما الذى جاء يحمل البشرى لإقامة علاقات جديدة رشيدة مع العرب والمسلمين، ويدعى أنه ما زال يبحث عن الدولة المسلمة، التى سيستخدمها كمنصة للحوار مع العالم الإسلامى.

ما زال يستخدم نفس الأرصدة القديمة المضروبة، التى استخدمتها إدارة بوش، ولكن بعد إعادة تدويرها.
العرب إذن ــ كما نخشى ــ بإزاء رئيس جديد للتصريحات والأقوال.. أما الأفعال فما زالت لحساب إسرائيل!!

سلامة أحمد سلامة صحفي وكاتب مصري كبير وصاحب آراء ليبرالية قوية وجريئة وبناءة في مسيرة الصحافة العربية. يشغل منصبي رئيس مجلس تحرير جريدة الشروق ورئيس مجلس تحرير مجلة وجهات نظر. هو صاحب العمود اليومي من قريب في جريدة الشروق وكان في السابق نائبا لرئيس تحرير الأهرام.
التعليقات