هل زل بازل.. أم هى جريمة متعمدة؟ - محمد محمود الإمام - بوابة الشروق
الثلاثاء 23 أبريل 2024 7:51 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

هل زل بازل.. أم هى جريمة متعمدة؟

نشر فى : السبت 25 أبريل 2009 - 8:02 م | آخر تحديث : السبت 25 أبريل 2009 - 8:02 م

 مع اشتداد الأزمة التى شملت العالم كله، ردد أنصار الليبرالية الجديدة أنها لم تكن متوقعة، بل ذهب البعض إلى اعتبارها مخالفة لكل القواعد، فأطلق د.حازم الببلاوى عليها اسم «البجعة السوداء» لأن الثابت علميا أن البجع أبيض، فظهرت بجعة سوداء لتنفى ما يعتقد أنه مؤكد. ولعل من أسباب استبعاد حدوث أزمة بهذا القدر يعود إلى الثقة المفرطة فى التقدم الكبير لعلوم الإدارة ونظم جمع المعلومات ومعالجتها وفى أساليب التنبؤ وفى النظم المحاسبية القائمة على «الشفافية»، وفوق هذا وذاك ما يدعى «بازل»، الذى تحول من أول إلى ثانى، وهو فى طريقه إلى ثالث. وشهر السادة القابعون على رأس الرأسمالية العالمية سيف الشفافية على الدول، التى اتهمت بتدنى أساليب إدارة شئونها، وسيف بازل على بنوكها الضعيفة، وفرضوا تحرير للخدمات وفى مقدمتها المصرفية، لتتولى البنوك الأجنبية تطوير أوضاعها، ومن خلالها إلحاق اقتصاداتها بشركاتها لتستكمل بذلك آليات الاستعمار الجديد.

وبازل مدينة سويسرية على حدود كل من ألمانيا وفرنسا، اختيرت فى 1930مركزا لبنك التسويات الدولية BIS، الذى أنشئ ليستكمل الاستيلاء على التعويضات، التى فرضتها معاهدة فرساى على ألمانيا، وليتحول إلى بنك للبنوك المركزية. وقد عقدت «لجنة بازل للرقابة على البنوك» فى 1988 اتفاق بازل الأول بشأن متطلبات رءوس أموال البنوك لمواجهة مخاطر الائتمان، الذى تقدمه وأسلوب قياس تلك المخاطر. وتبع هذا موجة من الاندماجات بين البنوك حتى تكتسب تقديرا يسهل تعاملها فى الأسواق العالمية. ثم جاءت بازل 2 فى يونيو 2004 معتمدة ثلاثة أعمدة، هى: تعيين الحد الأدنى اللازم من وجهة نظر المخاطر بمختلف أنواعها ــ بناء أدوات مراقبة على أداء البنوك بالنسبة لتلك المخاطر ــ تحقيق قدر أكبر من الاستقرار فى النظام المالى بزيادة درجة إفصاح البنوك عن أعمالها حتى يتمكن السوق من الحصول على صورة دقيقة عن أوضاعها. إلا أن الوكالات المختصة فى النظام الاحتياطى الأمريكى أعلنت فى سبتمبر 2005 عزمها على إعادة النظر فى القواعد الواردة فى الاتفاقية، مما عطل تنفيذها إثنى عشر شهرا. وتم الإعلان فى يوليو 2006 عن صيغة معدلة للاتفاقية، بينما أعلنت الأجهزة المشرفة على النظام المصرفى الأمريكى قواعد إرشادية لعملية المراقبة فى 16 يوليو 2008. وتوضح هذه المماطلة أن وراء الأكمة ما وراءها.

من جهة أخرى، أدى تنامى الفوائض لدى العديد من الدول إلى دخول لاعبين جدد فى التعامل بالأصول المالية بحيث فاقت ثلاثة أمثال حجم الناتج المحلى الإجمالى العالمى البالغ حوالى 50 تريليون دولار، وتراجع نصيب البنوك منها إلى الربع. وأدى تدفق تلك الأموال إلى إبقاء أسعار الفوائد منخفضة، مما ساعد على التساهل فى منح رهون عقارية ضخمة وعالية المخاطر، فارتفعت قيمة العقارات فى الدول الصناعية بنحو 30 تريليون دولار بين عام 2000 و2005. وعقب انفجار فقاعات سوق الأسهم المالية فى مارس 2000، خفّض مجلس الاحتياطى الفيدرالى (البنك المركزى الأمريكى) فائدة الخصم لديه بشكل حاد، وطالت فترة التخفيض إلى أن أدت إلى توسع اقتصادى قوى، وإلى فقاعة الإسكان. وادعى رئيس المجلس، جرينسبان أنه يصعب اكتشاف فقاعات العقارات مقدما، وأنه يمكن تخفيف تداعياتها إذا حدثت، ولذا استبعد استخدام السياسة النقدية لتجنب حدوثها. وأعطى هذا الإشارة الخضراء للمضى فى نفخ الفقاعة، اطمئنانا إلى تدخل البنك المركزى فى الوقت المناسب. وظلت الفائدة منخفضة تغرى بالمزيد من الرهونات. وفى فبراير 2007 اكتشفت خسائر مؤسسة «إتش. إس. بى. سى» القابضة و«نيوسينتشرى فايننشال» فى سوق الرهن الثانوية، أدت إلى إفلاس الثانية لأنها كانت الأكثر تورطا. واتضح أنه كان بالإمكان توقع الأزمة قبل وقوعها بأكثر من عام، ومعرفة أسبابها، ورغم ذلك تغاضى الجميع عنها!!

ولما حذر صندوق النقد الدولى حينذاك من خطورة الوضع فى قطاع الرهن العقارى، أعادت البنوك هيكلة قروض الرهن العقارى عالى المخاطر، وبيعها على شكل التزامات دين مضمون وأدوات مالية أخرى لبنوك وصناديق استثمار على مستوى العالم فامتدت الفقاعة خارج الولايات المتحدة. وعندما توقف الطلب على تلك الأوراق وتعثر سداد ما قيمته 57 مليار دولار من قروض الرهن العقارى، اضطرت البنوك والصناديق إلى خفض قيمة ما بحوزتها وهو ما أفزع المستثمرين، فحدث ضغط على أسواق الائتمان للاقتراض، نظرا لتعذر الحصول على سيولة ببيع الأصول لآخرين. فقام الاحتياط الفيدرالى بضخ 17 مليار دولار، وقامت بنوك مركزية أخرى بخطوات مماثلة. إلا أن هذا لم يمنع اضطراب سوق المال فى وول ستريت، ووصوله مداه يوم 16/8/2007 الذى لقب بالخميس الأسود. وتعرضت شركة كانترى وايد فاينانشال أكبر شركة أمريكية للرهن العقارى للإفلاس، وتراجعت البورصات العربية لقيام عدد من الأجانب بعمليات بيع للحصول على سيولة. وقبل أن يترك الإسبانى رودريجو راتو رئاسة صندوق النقد (الذى استقال قبل نهاية مدته ــ هل للاستقالة علاقة بما كان يجرى؟) حذر فى 8/10/2007 بأن المخاطر على الاقتصاد العالمى بسبب الاضطرابات فى الأسواق أكبر مما كانت عليه قبل نحو ستة أشهر، وأنها لم تنته وستمتد إلى الاقتصاد الحقيقى وميزانيات الحكومات. ولم تبلغ أرباح البنوك الأمريكية 6 مليارات دولار فى الربع الرابع من 2007 بعد أن كانت تتراوح بين 31 و38 مليارا فى ربع السنة.

وفى الربع الأول من 2008 ازداد عدد البنوك المهددة بالإفلاس إلى 117، حجم أصولها 78 مليارا. وفى مارس 2008 قام الرئيس الجمهورى لمجلس الاحتياطى بن برنانكى بدفع الكونجرس للموافقة على خطة إنعاش بقيمة 170 مليار دولار، وقدم المجلس 30 مليار دولار لتمويل صفقة استحواذ مجموعة «جيه.بى مورجان تشيز» المصرفية على بنك بير ستيرنز الاستثمارى، وأعطى قروضا لبنوك أخرى ومنحها تسهيلات إقراض جديدة غير عادية للتقليل من احتمال حدوث انهيار مالى، وعين موظفين تابعين للمجلس داخل البنوك الاستثمارية لفحص دفاترها. وقام بسلسلة غير عادية من التخفيضات على أسعار الفائدة، فاتُهم بأنه يشعل نار التضخم ويبدد الأموال العامة فى أصول رديئة كالرهن العقارى والسيارات ضمانا للقروض التى قدمها لمؤسسات مالية متعثرة. ورغم تردد الحديث فى منتصف 2008 عن احتمال إفلاس بنكين كبيرين، انتظر الجميع الاثنين الأسود 15/9/2008 ليتهاوى بنك «ليمان براذرز» ومؤسسة «ميريل لينش»، وهما اثنان من أكبر العمالقة الماليين، متسببين فى اضطراب خطير فى البورصات العالمية. ومع أن التأمين هو السند فى مثل هذه الظروف، اتضح أن شركاته لم تكن أفضل حالا، فقد انهارت أكبر مؤسسة: «مجموعة التأمين الأمريكية» إيه. آى. جى، لنفس الأسباب. وكأننا «جبتك يا عبدالمعين تعيننى.. لقيتك يا عبدالمعين تنعان». وحاليا تستخدم أموال الإنقاذ فى دفع الرواتب الخيالية بدعوى الخوف من فقدان خبراتهم!!

إن تسلسل الأحداث على مدى عامين كان كفيلا بأن يقرع أجراس الإنذار. واختلاف الآراء بالنسبة للسياسات المالية التى تعتبر الأداة الرئيسية فى اقتصاد رأسمالى، تظهر أن البشر أصبحوا ضحايا وصفات اقتصادية رديئة لنظريات تُمنح بشأنها جائزة نوبل، فإذا بها تهدم المعبد على أصحابه. إنها الأيديولوجية الحمقاء التى طالما استخدم التنديد بها سلاحا فى الصراع مع المعسكر الاشتراكى. وينطبق عليها القول: «إن كنت لا تدرى فهى مصيبة.. وإن كنت تدرى فالمصيبة أعظم»....

محمد محمود الإمام وزير التخطيط الأسبق
التعليقات