تمرّد فى صفوف الشبّان التونسيين - امال قرامى - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 5:31 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

تمرّد فى صفوف الشبّان التونسيين

نشر فى : الثلاثاء 25 يونيو 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 25 يونيو 2013 - 8:00 ص

بعد الفرز الذى خضعت له التونسيات بين: سافرات ومحجّبات ومنتقبات ها نحن اليوم إزاء حالة فرز أخرى قسّمت الشباب إلى: شباب نهضاوى، وشباب سلفى، وشباب أغلبه «منفلت» يحتاج إلى الردع والتأديب. فلا غرابة والحال هذه أن تصدر أحكام مثيرة للجدل بشأن من اعتبروا مخالفين للقانون. ولعلّ أهمّ سمة مميّزة لهذه الأحكام أنّها تعبّر عن قاعدة «الكيل بمكيالين»، إذ تسمح بتكريس ظاهرة «الإفلات من العقاب» لصالح البعض، فى مقابل تشديد العقاب على البعض الآخر.

 

ففى حين تمّ إخلاء سبيل أغلب الشباب الذين اعتدوا على الفنّانين والمثقفين وانتهكوا حرمة السفارة الأمريكية، صدرت أحكام أقلّ ما يقال عنها، أنّها لا تتناسب مع طبيعة الأفعال المرتكبة. فبعد الحكم على شابّين بسبع سنوات سجنا نافذ التنفيذ بتهمة شتم الرسول على الشبكة الاجتماعية، وبعد الحكم على فنّانى الجرافيتى «زواولة» بدفع غرامة مالية من أجل الكتابة على الجدران دون ترخيص، وبعد الشروع فى محاكمة أمينة المنتمية إلى حركة «فيمان» والفتيات المناصرات لها، جاء دور مؤدّى الراب «ولد الـ15» لينفّذ الحكم عليه بالسجن لسنتين بتهمة الاعتداء على الأمن بعد أن أصدر أغنية “:البوليسيّة كلاب” اتّهم فيها الشرطة بترويج المخدرات وممارسة العنف ضدّ الشعب دون محاسبة.

 

لقد ترتّب عن هذه الأحكام حالة غضب وحنق شملت الشباب الذى عبّر عن رفضه لهذه الأحكام الجائرة التى تبدو فى نظره علامة دالة على التضييق على الحريّات وفى مقدّمتها حرّية التعبير، وهو ما دفع فئة من مناصرى «ولد الـ15» إلى تحدّى جهاز الأمن مرّة أخرى عبر الراب بإصدار مجموعة من الأغانى التى تندرج فى نفس الإطار فإذا بالشتائم تنهال على رجال الأمن وإذا بهم فى نظر البعض، مجرّد قطط وكلاب.

 

وبقطع النظر عن تباين الآراء بشأن أشكال التعبير الجديدة العاكسة لتشكّل ثقافة جديدة فى تونس فإنّ الرأى السائد عند فئة من الشباب الذين ساهموا فى الثورة، هو أنّ الثورة بدأت تأكل أبناءها وأنّ الحكّام الجدد حوّلوا المدوّنين ومغنّى الراب، ومستعملى الجرافيتى وغيرهم إلى «كبش فداء» يُساقون إلى فضاء المحاكم الواحد تلو الآخر لأنّهم يمثّلون الفساد، والانحلال والتلوّث فى سياق تسعى فيه النهضة إلى «تطهير البلاد» من أهل المروق والسوء، خاصة ونحن على أبواب شهر رمضان.

 

●●●

 

الحكّام الجدد يُريدون أن يكونوا رمز العفّة ونقاء الأصل وعنوان الطهر يحلمون بأن يكونوا فى علاقة متينة بالمقدّس ولذلك لا يتوانون عن الإيقاع بكلّ من يمثّل النجاسة ويحيل على المدنّس لأنّه ببساطة يشوّش عليهم المشهد الاحتفالى، يُحدث النشاز ويُربك مسار الفخر بالذات وبالإنجازات.

 

هؤلاء الهامشيون، «أبناء بورقيبة» و«أيتام بن على»، «أيتام فرنسا»، «حثالة الفرانكوفونية» لقطاء، يُروّجون لثقافة غير أصيلة هجينة تنشر الفحش والقبح، والعرى، والركاكة، والخلاعة والفسق والزندقة...  يهدّدون بنسف مدحية يردّدها حزب النهضة منذ مجيئه إلى الحكم: تجسيد الثقافة العربية الإسلامية، وتعزيز الهوية العربية الإسلامية، والإسلام المعتدل، والحزب المعتدل...

 

ولأنّهم ليسوا «أبناء الشيخ» فإنّهم لن يحظوا بخطبة عصماء تُدمج الشباب السلفى فى منظومة العيش المشترك والحوار المستمر وتنوّه بثقافة جديدة يبشّر بها الشباب السلفى، غاية ما سيجدونه الكره والإدانة والتشويه والإقصاء فلا مكان لهؤلاء... سيظلون على الهامش ولن يكتب لهم أن يحتلوا مواقع فى المركز مثل «كتائب النهضة».

 

تمرّد الشباب المدافع عن حقّه فى تغيير أشكال التعبير عن غضبه وسخطه وإحباطه ورغباته وآماله...لا ينبغى أن يقابل بالردع القانونى والإدانة الأخلاقية إنّه فعل ثورىّ مازال ينتظر من يمتلك القدرة على تفكيك معالم ثقافة ما بعد الثورات بآليات جديدة ومن مناظير مختلفة.

 

 

 

أستاذة بالجامعة التونسية

التعليقات