محفوظ عبدالرحمن - إيهاب الملاح - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 5:42 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

محفوظ عبدالرحمن

نشر فى : الجمعة 25 أغسطس 2017 - 9:10 م | آخر تحديث : الجمعة 25 أغسطس 2017 - 9:10 م
قبل عامين تقريبا (فى ديسمبر 2015)، صدر لأول مرة نص السيناريو والحوار للمسلسل التاريخى النادر «ليلة سقوط غرناطة» للعظيم محفوظ عبدالرحمن، أحد أسطوات الدراما الكبار، وصاحب أشهر وأجمل الأعمال الدرامية التى ارتبط بها وجدان المشاهدين المصريين والعرب. صدر السيناريو عن سلسلة (آفاق السينما)، وحينها كتبت عنه مفتونا بجماله وروعة سرده وحواره، صحيح أننى كنت سمعت عن المسلسل، لكنى لم أكن شاهدته ولا قرأت نصه.
السيناريو مذهل، مكتوب بحرفية عالية، ويقدم قراءة «مؤسية» للحظات الأخيرة فى عمر غرناطة قبل سقوطها فى يد الملكين الإسبانيين فرديناند وإيزابيلا.. لكن الأهم بالنسبة لى ــ فى اللحظة التى قرأت فيها النص ــ ما كان يشير إليه استدعاء هذه الحقبة التاريخية العصيبة بكل التباساتها وحمولاتها السياسية والثقافية، لحظة تكالبت فيها الخيانة والمؤامرة والمكائد والدسائس واستثمار الفرقة التى لا تزول بين العرب أحسن استثمار.
وقعت فى أسر هذا السيناريو الذى حرضنى بجنون على مشاهدة المسلسل (لم أنجح حتى الآن فى الوصول إلى وسيلة تمكننى من مشاهدته)، والذى منع من العرض فى مصر وقتها (1979)، وتجنبت شراءه وعرضه على دول عربية أخرى، ولم يبق سوى دول قليلة هى التى وافقت على قبوله، نصفها من دول الشمال الإفريقى التى احتفت بالمسلسل وعرضته على شاشات تليفزيوناتها.
حينها قمت بمراجعة رصيد محفوظ عبدالرحمن الفنى، فى الدراما والسينما، مشاهدة وقراءة، وأدركت يقينا أننى أمام كاتب عملاق من الطبقة الأولى الممتازة جنبًا إلى جنب أسامة أنور عكاشة، ومحسن زايد عليهم جميعا رحمة الله. لكن يبقى محفوظ عبدالرحمن من بينهم مخلصا للدراما التاريخية التى نجح من خلالها فى ترسيخ وحضور أحداث ووقائع وشخصيات تاريخية فى وجدان المشاهد البسيط، ودون أدنى مجهود يستطيع الباحث أن يرصد حضور مسلسلات مثل «بوابة الحلوانى» و«أم كلثوم» ومن قبلهما «ليلة سقوط غرناطة» وغيرها فى وجدان وذاكرة أجيال من الجمهور المصرى والعربى على السواء.
بذكاء شديد وحساسية عالية كان محفوظ عبدالرحمن يختار اللحظات التاريخية المفصلية، شديدة الخطورة وبالغة الدلالة ليجسد من خلالها أزمة الإنسان العربى، ولم يكن تحيره لحظة سقوط غرناطة، مثالا، إلا مجازا وقناعا لمآلات الحاضر والأحلام التى انهارت وسقطت بفعل الخيانات المتراكمة والتنازلات المتتابعة وغياب الرؤية والقدرة على قراءة الواقع والمستقبل معًا.
المرة الأخيرة التى شاهدته فيها كانت فى مايو الماضى، فى الاحتفال الكبير بإطلاق كتاب «أحاديث برقاش ـ هيكل بلا حواجز» لعبدالله السناوى. كان يجلس وديعا هادئا بجوار رفيقة العمر الفنانة القديرة سميرة عبدالعزيز، مجرد ما وقعت عيناى عليه هرولت لتحيته، عندما لمحنى اجتهد مخلصا للقيام بكل أدب وذوق عرفا عنه، أسرعت حتى أتمكن من منعه من بذل أى مجهود. قبلت رأسه وعانقته جالسا. قلت له: «واحشنى يا أستاذ محفوظ»..، تمتم بكلمات لم أسمعها، تبينت بالكاد بعض حروف تلتئم قد توحى بنطقه بكلمة «ابني».
لم أكن أعلم أننى لن أراه مرة أخرى، ولن أتمكن من تلبية دعوته الكريمة بزيارته فى بيته بحى الشيخ زايد فى مدينة السادس من أكتوبر، بصحبة أخى وصديقى العزيز الناقد رامى عبدالرازق، واحد من أنجب وأخلص تلاميذ محفوظ عبدالرحمن، وأقربهم إليه إنسانيا وفنيا.
فى مكالمة تليفونية قبل شهر تقريبا اتفقت مع رامى على أننا سنقوم بزيارة الأستاذ محفوظ عبدالرحمن عقب خروجه من المستشفى إثر وعكة صحية ألمت به، وألزمته غرفة العناية المركزة بأحد المستشفيات لأيام، رحب رامى بمقترحى وقال لى فورا، بمجرد الاطمئنان على صحته ومغادرته المستشفى سنتوجه إلى منزله فورا، هو يحب الناس ويحب أن تزوره وينتظر ذلك.. لكن الأجل لا ينتظر، ولكل أجل كتاب.. رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته.