أفغانستان.. لماذا؟ - محمد عبدالمنعم الشاذلي - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 1:05 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أفغانستان.. لماذا؟

نشر فى : الأربعاء 25 أغسطس 2021 - 8:55 م | آخر تحديث : الأربعاء 25 أغسطس 2021 - 8:55 م

فى شهر أبريل الماضى، أعلن الرئيس الأمريكى جو بايدن عن سحب القوات الأمريكية من أفغانستان، على أن يتم الانسحاب بالكامل بحلول 11 سبتمبر القادم.
يأتى الانسحاب بعد عشرين عاما من دخول القوات الأمريكية أفغانستان. وبلغ أقصى عدد للقوات الأمريكية فى أفغانستان 110 آلاف جندى، وتكلفت الحرب تريليون دولار أمريكى، وبلغ عدد القتلى من الجنود الأمريكيين 2000 قتيل، وبلغ عدد الجرحى عشرين ألف جريح.
وقبل أكثر من أربعين سنة تعرضت أفغانستان لغزو سوفييتى فى عام 1979 استمر لمدة عشر سنوات انسحبت بعدها القوات السوفيتية بعد أن كلفت الحرب الاتحاد السوفيتى 50 بليون دولار وبعد أن تكبد الجيش السوفيتى 15 ألف قتيل و35 ألف جريح.
•••
يثور تساؤل؛ ما هى الجائزة التى تطمح إليها دولة كبرى لكى تنفق هذا الكم من الأموال وتتكبد هذا القدر من الخسائر للفوز ببلد مثل أفغانستان؟
أفغانستان دولة آسيوية حبيسة لا تطل على بحار، تبلغ مساحتها 653 ألف كيلومتر مربع وتحيط بها باكستان وإيران وتركمانستان وأوزباكستان وطاجيكستان والصين، ويبلغ عدد سكانها 31 مليون نسمة من المسلمين، 90% منهم سنيون ويتفرقون عرقيا إلى عدة أعراق أكبرها البشتون ويمثلون 42% من السكان يليهم الطاجيك ويمثلون 27% ثم الهزار والأوزبك بـ 9% لكل منهم ثم عرقيات أخرى صغيرة مثل التركمان والبلوش.
كانت أفغانستان عشية الغزو السوفيتى دولة متأخرة فقيرة عانت من سلسلة من المجاعات أدت إلى وفيات عديدة زادت من السخط الشعبى على ملك رجعى منعزل عن شعبه جعلت الشعب يرحب بالانقلاب عليه أو على أقل تقدير عدم معارضته. ولكن بمرور الوقت عجز مدبر الانقلاب داوود خان وهو ابن عم الملك عن السيطرة على الانقسامات الداخلية واستمرار تردى الأوضاع الداخلية فوقع اتفاقية دفاع مع الاتحاد السوفيتى ودعاه للتدخل فى البلاد فى عام 1979، كان ذلك فى أوج فترة الحرب الباردة ولم يضيع الاتحاد السوفيتى الفرصة لزيارة رقعة تواجده فى العالم ولعله أخذ فى الاعتبار متاخمة أفغانستان لإيران الغنية بالبترول فى فترة عانى فيها الغرب من أزمة البترول التى أعقبت حرب 73 من أن تكون أفغانستان ورقة ضغط تهدد إيران والمصالح البترولية الغربية مع عدم إغفال أيضا متاخمة الصين التى كانت فى خلاف عقائدى كبير مع الاتحاد السوفيتى وصل إلى حد الاشتباك المسلح فى عام 1969.
وجدير بالذكر أن موقع أفغانستان الجغرافى جعلها مسرحا لصراع طويل بين روسيا القيصرية وبريطانيا خلال القرن الـ19، حين حاولت روسيا مد نفوذها والسيطرة على أفغانستان لاتخاذها نقطة انطلاق لتهديد المصالح البريطانية فى الهند. وعلينا هنا أن نراعى التغيرات الجيوسياسية التى حدثت خلال المائة سنة الماضية حين كانت باكستان جزءا من الهند وكانت تركمانستان وأوزباكستان وطاجيكستان جزءا من روسيا مما جعل روسيا والهند دول جوار لأفغانستان.
تسبب هذا الصراع فى سلسلة من الحروب بين بريطانيا وأفغانستان سميت بالحروب الأفغانية استمرت من عام 1839 بهزيمة ساحقة لبريطانيا وانتهت عقب الحرب العالمية الأولى فى عام 1919 بهزيمة أخرى لبريطانيا.
ومع كل جولة من جولات الحرب ينتصر فيها الأفغان المدعومين من روسيا يتولى المُلك مَلك ولته روسيا وفى كل جولة يخرج فيها البريطانيون منتصرين يولوا ملكا يدين لهم بالولاء. وأخيرا جاء الاحتلال الأمريكى فى عام 2001 عقب حادث برج التجارة الدولى يوم 11 سبتمبر الذى صار علامة فارقة فى التاريخ ليسقط حكم طالبان الذى تحالف مع القاعدة وكان هذا التدخل حتميا للحفاظ على مصداقية الردع الأمريكى.
•••
ومع مرور عشرين سنة وارتفاع تكلفة الحرب المادية والبشرية بدأ تململ الجنود الأمريكيين الذين ذهبوا إلى أفغانستان بمعنويات عالية تزكيها الرغبة فى الثأر لضحايا 11 سبتمبر، إلا أنه بمرور الوقت هبطت الروح المعنوية للجنود مع شعورهم أن أمريكا تدفع أكثر من أفغانستان فى الحرب.
ولعل من أبرز دلائل تململ الجنود من الحرب أن نسبة القتلى بين المرتزقة الذين يطلق عليهم تأدبا مقاولو الأمن، والذين بلغ عدد من استقدموا 17 ألفا، كان أكبر من نسبة القتلى بين الجنود النظاميين الذين بلغ عددهم فى أوج الحرب 110 آلاف، إلا أن عدد القتلى بلغ 4 آلاف ضعف عدد قتلى الجنود الذى لم يتجاوز ألفى قتيل بما يشير إلى أن المهام الخطرة كانت توكل للمرتزقة.
وانتقل التململ من الجنود إلى الشعب فصارت الحرب ورقة هامة من أوراق المعركة الانتخابية، فوعد أوباما بالانسحاب من أفغانستان فتعرض لهجوم شديد من ترامب الذى وعد بدوره الانسحاب عندما وصل إلى السلطة والذى هاجم بشدة قرار بايدن بالانسحاب بعد خروجه من السلطة.
وأثرت الحرب أيضا على تماسك التحالف الغربى، فبعد أن أرسل حلف شمال الأطلنطى قوات للمشاركة فى الحرب بعد صدور قرار مجلس الأمن 1386 فى ديسمبر 2001 بتشكيل القوة الدولية للمساعدة الأمنية ISAF، أنهت عملها فى عام 2014، ثم شكلت فى يناير 2015 بعثة الأمن المكشف RSM للتدريب والمشورة وهذا التردد يظهر تآكل الثقة فى المغادرة الأمريكية لدى حلف الأطلنطى الذى خسر 1500 قتيل خلال الحرب.
ومن المثير للدهشة أن عددا من المراقبين اندهشوا من سرعة انهيار الجيش الأفغانى رغم كل السلاح والتدريب الذى حصل عليه من الولايات المتحدة، وهو يظهر أن أمريكا لم تعِ درس فيتنام الذى انهار الجيش الذى دعمته فى فيتنام الجنوبية رغم ما حصل عليه من دعم وسلاح ولم يدركوا أن الجيش هو أولا عقيدة وإيمان بالقضية التى يحارب من أجلها.
•••
لاشك أن هزيمة الولايات المتحدة فى أفغانستان ضاعفت من قوة طالبان المعنوية والمادية بسبب الأسلحة والعتاد الذى غنمته كما أنها نالت من الردع الأمريكى وأثرت على قيادتها للتحالف الغربى، ولقد رأينا مؤخرا العديد من القادة الغربيين أبرزهم تونى بلير رئيس وزراء بريطانيا السابق يوجه نقدا شديدا للرئيس بايدن.
اليوم وبعد أكثر من 180 عاما، من سيطرة القوى الكبرى على أفغانستان واتخاذها مسرحا لصراعهم دون مراعاة لمصلحة أفغانستان أو أهلها، يصل فصيل من أهل أفغانستان إلى الحكم فهل يعوا درس فترة حكمهم الأولى ويعملوا على إخراج بلادهم من عزلتها وتخليها عن سلسلة العنف والدمار التى أكلت الأخضر واليابس؟ هل ينضموا إلى أسرة الدول المتحضرة لإزالة آثار الحرب وتعمير ما خربته الصراعات لإعطاء مستقبل أفضل للأجيال القادمة؟
يتطلب الأمر الالتزام بمدونة السلوك المتحضر وقبول الآخر وإطلاق حرية الاعتقاد وتمكين المرأة لبناء مجتمع يسوده العدل والرحمة.
عضو المجلس المصرى للشئون الخارجية
الاقتباس:
يثور تساؤل ما هى الجائزة التى تطمح إليها دولة كبرى لكى تنفق هذا الكم من الأموال وتتكبد هذا القدر من الخسائر للفوز ببلد مثل أفغانستان؟

محمد عبدالمنعم الشاذلي عضو المجمع العلمي المصري
التعليقات