شق الصف «الظالم أهله» - أميمة كمال - بوابة الشروق
الخميس 18 أبريل 2024 4:13 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

شق الصف «الظالم أهله»

نشر فى : الأربعاء 26 فبراير 2014 - 6:30 ص | آخر تحديث : الأربعاء 26 فبراير 2014 - 6:30 ص

يبدو لافتا لى ذلك التزامن بين ظهور اثنين من كبار رجال الأعمال على شاشة إحدى الفضائيات، قبل أيام من استقالة الحكومة، للتصريح بأنه لابد من العودة لنظام اقتصاد السوق الحر. ولم يفوِّت أحدهم الفرصة لكى يحذر الرئيس المقبل من أن يلجأ إلى أية إجراءات اجتماعية من تلك النوعية التى تكسبه شعبية. مع تأكيد جازم منهما بأنه لا مفر من اتخاذ قرارات صعبة، قد لا يكون لها جماهيرية فى الشارع.

التزامن الذى قصدته هو أن حديث رجال الأعمال هذا يأتى فى وقت اشتعلت فيه موجة من الاحتجاجات الاجتماعية على نحو غير مسبوق على الأقل منذ 30 يونيو. تلك الاحتجاجات التى لن تخبو جذوتها إلا باتخاذ إجراءات اجتماعية، تكون بالضرورة قبلتها (بكسر القاف) العدل. ولأن القبلة هى العدل، فإنها ستكون حتما إجراءات ذات شعبية، ترضا عنها الجماهير، وترضاها الغالبية المظلومة، والصابرة، والمنتظرة منذ ليل 11 فبراير قبل ثلاثة أعوام.

ذلك التزامن هو ما يجعل المشهد الآن أكثر تعقيدا. فهناك قوى اجتماعية تسيطر على مقاليد الاقتصاد، وتملك زمام ثروة هذا البلد، وتحذر من مغبة الرضوخ للضغوط الاجتماعية. تقف فى المواجهة مع قوى اجتماعية أخرى لا تملك مقاليد شىء، وتفتقر بالضرورة لزمام الثروة، ولكن تكمن فى يدها سلطة الاستقرار الاجتماعى. وهى فى ذات الوقت تحذر من التأخر فى اتخاذ الإصلاحات الاجتماعية. تلك الإصلاحات التى تراها القوى الاجتماعية المتحكمة فى الاقتصاد، والمالكة لثروته فى غير صالحها. فماذا عساه الرئيس المقبل أن يفعل؟ ولأى قوى سينتصر فى النهاية؟ وعند أى القوتين سترسو مواكبه؟ تلك المواكب التى تحتاج دوما إلى جماهير تصطف لتحيتها، بل وتهتف بطول بقاء صاحبها.

إذا أراد البعض أن يريح دماغه من إزعاج الإحتجاجات، فما عليه إلا أن ينظر لهؤلاء المحتجين باعتبارهم أناس أنانيون، لا يأبون كثيرا بمشاركة الأخرين فرحة الإحتفال بكل خطوة من خطوات خارطة الطريق. أو أنهم لا يبغون هدفا سوى شق الصف. أما من لا تزعجه مشقة البحث عن حقيقة الإحتجاجات، فنقول لهم أن ما يحدث هو محاولة من المحتجين لإعادة تقطيع الكعكة بشكل أكثر مساواة، دون أن تلتهمها الأقلية، ويحرم من تذوقها أغلبية هذا البلد. الذين لا يطمح معظمهم إلا إلى نعمة الستر.

•••

ربما لا يدرى عمال شركة النحاس بالإسكندرية، ولا شركة النيل للطرق والكبارى، ولا عمال النقل العام بالقاهرة، ولا شركات غزل المحلة، وكفر الدوار، وصباغى البيضا وغيرهم الذين أعلنوا إضرابهم عن العمل أن نصيب الأجور فى مصر كلها لايمثل سوى 30% من الناتج المحلى. وربما أيضا لو عرفوا ذلك، قد لا يدرك بعضهم أن تفسير تلك الأرقام يعنى أنه يتم توزيع كل الدخل الذى يحققونه داخل مصانعهم، مضافا إليه كل ما ينتجه غيرهم من العاملين فى هذا البلد على النحو التالى. يذهب ثلث ثمرة الإنتاج فقط لمن يعمل، ويعرق، ولا يملك سوى سواعده. بينما بقية الناتج (70%) يذهب إلى أصحاب الأعمال، ولمن يملك رءوس أموال، أو ودائع، أو أصول على هذه الأرض.

عمال الغزل ربما لا يدركون كيف تتوزع كعكة هذا البلد، ولكن عندما يعلنون الإضراب من أجل تطبيق الحد الأدنى للأجور، مثلهم مثل العاملين فى الحكومة هم كانوا يدركون أنهم يستحقون قدرا أكبر من العدالة فى توزيع عائد جهدهم. ويرون أن قسطا أكبر من تلك العدالة يمكن أن يتحقق عندما ينهون خدمة رؤساء شركاتهم الذين يحصلون على قسط غير عادل من ناتج جهدهم.

وعندما كان يعدد لى أحد عمال شركة غزل المحلة، من أعضاء النقابة الحرة، ما يحصل عليه المفوض على الشركة فوق راتبه (40 ألف جنيه) من مكافآت نظير كونه رئيس نادى غزل المحلة، وعن رئاسته للنادى الاجتماعى، وعن نصيبه من العائد الذى يحققه حمام السباحة فى النادى، وعن العائد من إيجار صالة الأفراح، وعن الجمعية التعاونية الاستهلاكية. كنت فى الوقت نفسه، وهو يتحدث، استرجع ما كنت أطالعه وأتعجب له من أن متوسط الأجور على مستوى القطاعين العام والخاص يصل إلى 2591 جنيها شهريا. ومع ذلك مازال 70% ممن يعملون يحصلون على أجور أقل من هذا المتوسط. وحل لغز هذه الأرقام يعنى أن متوسط الأجور هذا يعكس إلى أى مدى تحصل القيادات العليا فى القطاعين العام والخاص على أجور مرتفعة، بينما بقية العاملين لا يتحصلون على رواتب تضمن لهم الحياة عند أطراف حافة الستر. ويبقى الأمر أكثر سوء بكثير فى القطاع الخاص حيث لا يحصل 90% منهم على متوسط الأجر.

•••

وعندما كان الغاضبون من عمال كفر الدوار للغزل يرتبون أغراضهم لزوم الاعتصام فى مقر اتحاد العمال، خرج أحدهم ليشرح لى سر تمسكهم بمطلب إقالة رئيس الشركة القابضة للغزل والنسيج. والذين يحملونه وزر خسائر القطاع. كان حديثه يحمل غضبا عماليا مكبوتا، على ما آلت إليه سياسات الشركة القابضة. التى باعت آلاف الأمتار من أراضى تابعة لشركتهم، فى بقعة تعد هى الأغلى سعرا فى تلك المنطقة، وبشروط ميسرة لعدد من رجال الأعمال، الذين أقاموا عليها مصانع تنافس شركتهم. دون أى تشاور مع العمال، الذين يتمسكون بحقهم فى أن يعرفوا سعر الأرض التى اقتطعت من مصنعهم، وأين ذهب عائد بيع الأرض، ولماذا لم يسهم فى إصلاح أحوال الشركة. وامتزج غضب العمال بدهشتهم من إصرار وزير الاستثمار (فى الحكومة المستقيلة) على التمسك برئيس الشركة القابضة الذى تزايدت فى عهده خسائر جميع الشركات. بل ووصل تمسكه به لحد تأجيل اجتماع الجمعية العمومية للشركة القابضة، صاحبة الحق فى إقالته، إلى أجل غير مسمى.

•••

وبينما كان الدكتور حازم الببلاوى يؤكد فى بيان استقالة الحكومة يوم الإثنين الماضى على «أنه ليس الأن وقت المطالب الفئوية، والمصالح الشخصية. وعلى الجميع أن يسأل نفسه أنا عملت إيه لمصر؟ بدلا من مقولة هى عملت لى إيه مصر؟» كان فى نفس الوقت يحتشد على أبوابها عدد من العمال من ممثلى 17 ألف عامل. هم عمال ست شركات لاستصلاح الأراضى، لم يحصلوا على رواتبهم منذ ستة أشهر. وهؤلاء العمال هم عينة ممن وقع على عاتقهم عبء تحمل تبعات سياسات الاقتصاد الحر. تلك السياسات التى حرمت شركاتهم من العمل، بينما هى تغدق على الشركات المصرية والعربية بالآلاف من الأفدنة من أجود الأراضى، بغرض استصلاحها. فلا تفعل، وتحولها إلى منتجعات سياحية وسكانية، وبعدها لا يكون أمام صانعى السياسات إلا تقديم المبررات الاقتصادية والسياسية من أجل التصالح مع الأشقاء العرب. بينما فى ذات الوقت يطالب الجميع العمال أن يكبحوا زمام غضبهم (الذين حصلوا على إذن من الداخلية مسبقا للتعبير عنه كما يقضى قانون التظاهر) وأن يتحلون بأقصى درجات ضبط النفس، حتى لو لم يدخل بيوتهم قرش واحد طوال أشهر ستة، حتى لا يشقوا الصف الوطنى.

وبينما كان وزراء الحكومة يغادرون مقر مجلس الوزراء بعد الاستقالة، تاركين كراسيهم خالية، كان عمال من شركة «نوباسيد» المفصولون من عملهم يمعنون النظر داخل السيارات المغادرة بالستائر السوداء لعلهم يلمحون الدكتور الببلاوى. ويذكرونه بما جنت يداه على شركتهم. عمال نوباسيد الغاضبون تم فصلهم بفعل فاعل هو المستثمر السعودى. الذى وافق له الدكتور الببلاوى فى يناير الماضى على إعادة تسلم الشركة من جديد، والتى كان قد اشتراها فى عام 1999. وألغى بذلك الببلاوى قرار وزير الزراعة الذى كان قد تحفظ على الشركة، وأموالها بعد ثورة يناير، ونزعها بعد إصرار المستثمر على تحدى الحكومة، وقيامه بسلسلة من الاعتداءات على أراضى بالمخالفة لعقد البيع. ونجح بعدها العمال فى تسيير أعمالها بالفعل. إلا أن قرار عودة الشركة للمستثمر كان بمثابة قطع الطريق على تنفيذ حكم قد يصدر لصالح عودة الشركة نهائيا للدولة. بعد أن خرجت فتوى من هيئة مفوضى الدولة بمحكمة القضاء الإدارى تقضى ببطلان عقد البيع.

أبعد كل هذا مازال على العمال أن يقفوا فى الصف، أم عليهم أن يشقوا ذلك الصف الظالم أهله.

أميمة كمال كاتبة صحفية
التعليقات