التمويل الصينى وتهديد سيادة الدول الإفريقية الخاضعة - العالم يفكر - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 9:49 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

التمويل الصينى وتهديد سيادة الدول الإفريقية الخاضعة

نشر فى : الإثنين 26 فبراير 2018 - 10:05 م | آخر تحديث : الإثنين 26 فبراير 2018 - 10:05 م

نشرت مؤسسة «institute for security studies » مقالا للكاتب «روناك جوبالداس» ــ المستشار فى المؤسسة، والذى يتناول فيه الدور الصينى المتزايد فى القارة الإفريقية والذى يتمثل فى الاستثمارات فى البنية التحتية وتقديم العديد من القروض بشروط ميسرة، بما يزيد من عبء الديون على تلك الدول خاصة الفقيرة منها، ويحذر من وقوع الدول الإفريقية فى نفس المصير الذى وقعت فيه سيرلانكا حيث عجزت عن سداد الديون للصين ومن ثم اضطرت إلى التخلى عن السيطرة على ميناء «هامبانتوتا» مقابل عدم السداد، ويؤكد على ضرورة أن تدرك الدول الإفريقية لهذا الخطر، وأن تحاول قدر المستطاع الاستفادة من الانخراط الصينى فى إفريقيا لتنمية اقتصادها.

يبدأ الكاتب حديثة بالإشارة إلى أن تعاملات سريلانكا الأخيرة مع الصين تقدم «رسالة تحذيرية» للعديد من البلدان الإفريقية. حيث أن الطريقة التى تخلت بها سريلانكا عن السيطرة على ميناء «هامبانتوتا» الاستراتيجى تسلط الضوء على ما يمكن أن نطلق عليه «دبلوماسية فخ الديون». بالإضافة إلى أن ذلك يطرح تساؤلا حول ما إذا كانت البلدان النامية تقوم بشكل ساذج برهن مواردها وأصولها الاستراتيجية للصين.

ونظرا لاعتماد إفريقيا الكبير على الصين كمصدر للتمويل، تظهر المخاوف من أن تعانى الدول الإفريقية من مصير مماثل لسريلانكا، وتصبح بشكل غير مقصود «رهن» فى الأجندة الاستراتيجية العالمية للصين.

ومن المهم أن نعرف ما حدث فى سريلانكا، حيث إنه بعد نهاية الحرب الأهلية، اتجهت سريلانكا إلى الاقتراض لإعادة تأسيس البنية التحتية المتدهورة. وبالنسبة للحكومات السريلانكية المتعاقبة، كانت الصين صديقا خيرا، تقدم قروضا بشكل ميسر وتمثل بديلا جذابا للدول الإفريقية مقارنة بالدول الغربية التى تضع شروطا صارمة على عمليات التمويل. لكن سرعان ما واجهت البلاد مشاكل اقتصادية، واضطرت سريلانكا أخيرا بسبب عجزها عن سداد ديونها المستحقة للصين إلى بيع حصة هائلة فى مشروع ميناء «هامبانتوتا» إلى الصينيين من أجل تخفيف عبء الدين وبدلا عن السداد.

مما أثار الغضب داخل سريلانكا. ورأى البعض أن ذلك، بمثابة تأكيد على أجندة الصين الإمبريالية، وأظهر «فخ» التمويل الصينى. بالفعل ليس هناك شروط سياسية صريحة ولكنه من المؤكد أنه لا يوجد «غذاء مجانى»، ومثل هذه الترتيبات تمثل تهديدا لسيادة البلدان الضعيفة والخاضعة.
ويعتقد الكثيرون أن حالة سريلانكا تظهر «دبلوماسية فخ الديون» الصينية الفريدة من نوعها ــ وهو نظام «جشع» يهدف إلى إيقاع البلدان فى فخ الديون وتصبح غير قادرة على سدادها بعد ذلك ومن ثم يمكن إخضاعها من قبل الصين.

ويوضح براهما شيلانى، فى مقال نشرته «project syndicate» عام 2017، أن القروض الصينية مضمونة بأصول طبيعية ذات أهمية استراتيجية ذات قيمة عالية على المدى الطويل (حتى وإن كانت تفتقر إلى الجدوى التجارية قصيرة الأجل). فميناء هامبانتوتا، على سبيل المثال، يمتد عبر طرق التجارة فى المحيط الهندى التى تربط أوروبا وإفريقيا والشرق الأوسط بآسيا.

وعادة ما تأخذ القروض الصينية شكل «النقد مقابل الموارد». وفى مقابل التمويل وتأسيس البنية التحتية التى تحتاجها البلدان الأكثر فقرا، تطلب الصين «وصولا مواتيا إلى أصولها الطبيعية»، من الموارد المعدنية إلى الموانئ. وعادة ما تعانى الدول المتلقية للقروض الاقتصادية من معدلات ائتمانية منخفضة، وتجد صعوبة فى الحصول على التمويل من السوق المالية العالمية.

فى الوقت الذى تتيح فيه الصين التمويل بشكل أكثر سهولة نسبيا ــ بشروط معينة و«مستندات» أقل من المصادر التقليدية. عادة ما تستفيد الشركات الصينية من «المساعدات المشروطة» للبنية التحتية، فى حين أن قروضها فى كثير من الحالات مرهونة بالموارد الطبيعية. ومن خلال هذه الطريقة تحقق الصين أهدافها والتى تتمثل فى تحقيق كل من الاختراق الاقتصادى والنفوذ الاستراتيجى.

***

وفى ضوء هذا الاتجاه، ما هى طبيعة انخراط الصين فى إفريقيا، وهل ستعانى البلدان الإفريقية من مصير مماثل لسريلانكا؟ وهذه المسألة ذات أهمية خاصة فى ظل الطموحات الجيوسياسية الواسعة للصين.

مع تراجع الدور الغربى والتحول نحو التركيز على القضايا الداخلية، والصين تؤكد على منهج «استعراض العضلات» فى جميع أنحاء إفريقيا. وباعتبارها الشريك التجارى الرئيسى لإفريقيا منذ عام 2008، فإن الصين تؤمن «موطئ قدم» طويل الأجل، حتى تتمكن من القيام بالأعمال التجارية، وضمان أمن مواطنيها وشركاتها.

ويتمثل محور هذا النهج فى مبادرة «حزام واحد، طريق واحد». ومن المتوقع أن تستثمر الصين ما يقرب من 1.3 تريليون دولار فى مشاريع البنية التحتية كجزء من طريق تجارة ضخم فى آسيا وأوروبا وخارجها. وفى إفريقيا، ستخلق المبادرة أكبر منطقة للتجارة الحرة فى القارة فى القرن الإفريقى، وتشمل أيضا مشاريع رئيسية مثل الخطة الرئيسية لسكة حديد شرق إفريقيا.

ويضيف الكاتب أن جيبوتى الصغيرة الواقعة فى شرق إفريقيا هى فى «قلب» هذه الاستراتيجية. وتعد بكين موجودة على الساحة بقوة فى جيبوتى من خلال العديد من مشروعات البنية التحتية بما فى ذلك ميناء جديد ومطاران جديدان وسكة حديد إثيوبيا وجيبوتى. النطاق الكبير لهذه المشروعات، بالإضافة إلى حقيقة أنها تتركز فى بلدان ومناطق صغيرة ولكن استراتيجية، تعانى من نقص الموارد المالية، تجعل وجود الصين كبيرا ومؤثرا.

وبصرف النظر عن كونها أول قاعدة عسكرية خارجية للصين، فإن قاعدة جيبوتى تمثل أول لؤلؤة فى «سلسلة من اللؤلؤ» للصين على طول الطريق البحرى الذى يربط الصين بالشرق الأوسط. ويبدو هنا أن أوجه التشابه مع استراتيجيتها فى سريلانكا واضحة.

***

إذا ما هى المشكلة؟ تعانى إفريقيا من تدهور كبير فى البنية التحتية، وإذا كانت الصين قادرة على المساعدة فى سد الفجوة، فمن المؤكد أنه ينبغى الترحيب بذلك بدلا من توجيه الانتقاد إليه؟ من الناحية النظرية هذا أمر منطقى، ولكن فى الواقع، الأمر ليس كذلك.

البلدان الإفريقية فى حاجة إلى الاستثمار؛ والقروض الصينية الكبيرة مفيدة فى هذا الإطار. ولكن مع ضعف العائدات الأساسية والاقتصادات غير المتناسبة، هناك شكوك حول ما إذا كانت هذه البلدان ستتمكن من خدمة الديون، ولا سيما فى ظل ضعف أسعار السلع الأساسية.

والواقع أن جمهورية الكونغو الديمقراطية الغنية بالنحاس والكوبالت، وزامبيا الغنية بالنحاس، وأنجولا الغنية بالنفط قد عانت أخيرا من العواقب السلبية لهذه الاستراتيجية. وينبغى لموزمبيق، التى تشهد أخيرا طفرة فى «الغاز»، أن تدرك أيضا المخاطر، نظرا لارتفاع مستويات ديونها.

فى جيبوتى، الوضع مقلق بشكل خاص: «إن الدين مع الصين يزداد أضعافا مضاعفة. وقال «دواليه إيجوه أوفله»ــ نائب فى الجمعية الوطنية المعارضة، إنهم سيأخذون هذا الميناء، تماما كما فعلوا فى سريلانكا. وقد أدى ذلك إلى انتقاد الحكومات الغربية وبعض الأفارقة لدور بكين فى إفريقيا كدولة استعمارية جديدة. ومن خلال تحديد شروط الانخراط، يمكن للدول أن تسخر دور الصين فى إفريقيا فى تنمية اقتصاداتها.

ومع ذلك، فى حين أن هناك اتجاها يصور تمويل الصين على أنه «جشع» فإن النخب السياسية الإفريقية متواطئة أيضا، كما يقول الخبير الصينى الإفريقى الدكتور لوسى كوركين. إن إلقاء اللوم على الصين يوفر «كبش فداء» مناسبا ولكنه لا يعفى الحكومات من التوسط فى الصفقات غير المطابقة للمواصفات التى لا تفيد الشعوب.

ويرى الكاتب أنه يمكن للحكومات أن توازن بين تكاليف وفوائد الاقتراض من الصين مع خيار الحصول على قروض من صندوق النقد الدولى أو البنك الدولى، على الرغم من أن الخيار الأخير قد يأتى مع المزيد من الإملاءات السياسية.

***

ختاما يوضح الكاتب أن السؤال الذى يواجه صناع السياسات فى إفريقيا هو ما إذا كان ينبغى أن يعتمدوا نهجا أكثر حذرا تجاه التعامل مع الصين. من المهم أن نكون مدركين للمخاطر الاستغلالية المرتبطة بهذه الترتيبات، ولكن من المهم أيضا أن يكون هناك استراتيجية لكيفية استغلال المصالح الصينية لصالح إفريقيا. وهنا يلزم وجود مستوى من الدبلوماسية التكتيكية والدبلوماسية الاقتصادية.
حيث إنه من خلال تحديد شروط الانخراط، يمكن للبلدان استخدام انخراط الصين فى إفريقيا لتنمية اقتصاداتها. ويمكنهم أيضا أن يلتمسوا اهتماما متجددا من القوى الأجنبية عن طريق استخدام علاقاتهم مع الصين، وإذا تم ذلك بشكل صحيح، فإنها يمكن أن تتجنب مصير سريلانكا وتخرج الدول الإفريقية فائزة بدلا من أن تخرج خاسرة من جراء الدور الصينى فى إفريقيا.

إعداد: ريهام عبدالرحمن العباسى
النص الأصلى: http://bit.ly/2sNUNTB

التعليقات