بطاقة التموين بطعم الكورن فيلكس وعصير البرتقال - أميمة كمال - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 7:34 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

بطاقة التموين بطعم الكورن فيلكس وعصير البرتقال

نشر فى : الأحد 26 مايو 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الأحد 26 مايو 2013 - 8:00 ص

غمضت عينى عندما كان الدكتور كليمنس برييسنجر، ممثل المعهد الدولى لبحوث السياسات الغذائية، يتحدث، فى مؤتمر (الفقر والأمن الغذائى فى مصر) قبل أيام فى القاهرة، عن أن هناك بعضا من الدول المتقدمة يقدم الكورن فيلكس، وعصير البرتقال كجزء من الدعم الغذائى للأسر المحتاجة. وذلك لضمان أن الدعم قد ساهم حقا فى توفير الغذاء، الذى يقى من حالات الأنيميا، أو التقزم، أو السمنة التى يعتبرها برنامج الغذاء العالمى علامة من علامات الفقر الغذائى. وطبقا لبيانات البرنامج فإن ما يقرب من 14 مليون مصرى يعانون من انعدام الأمن الغذائى. وهذا الأمن يتحقق عندما يحصل الفرد على الغذاء الكافى، والصحى، والآمن.

 

وبينما كان الدكتور كليمنس يتحدث عن أن أكثر من 50% من الأطفال فى تسع محافظات مصرية مصابون بالأنيميا. وهى النسبة التى تعد خطيرة طبقا لمنظمة الصحة العالمية. سرحت بخيالى فى مشهد كثيرا ما رأيته فى طرق السفر. وهو مجموعة من الأطفال من ذوى الوجوه الشاحبة من صعيد وأرياف المدن. يتكدسون فى سيارات نصف نقل مكشوفة، متراصين فوق بعضهم، وهم فى طريقهم إلى الغيطان ليجمعوا المحصول، مشهدهم أمام عينى جعل سؤالا استفزازيا يقفز إلى ذهنى ولا أقوى على طرده، وهو هل يمكن أن يأتى يوم يأكل فيه هؤلاء الأطفال، إفطارا من الكورن فيلكس، وينهون وجبتهم بكوب من عصير البرتقال؟

 

وفى أقل من لحظة، وقبل أن أسترسل فى هذا المشهد الخيالى استفقت على ما تقوله الدكتورة هبة الليثى، أستاذ الإحصاء بجامعة القاهرة، فى المؤتمر من أنه مازال هناك 19% من الأسر الأكثر احتياجا لا تملك بطاقة تموينية. وبالتالى هم لا يحصلون على حاجاتهم من السلع الأساسية مثل الزيت والسكر والأرز. بل إن العائلات التى أسعدها الحظ وظفرت بشرف اقتناء البطاقة لا تتحصل إلا على 60% فقط من احتياجاتها من السكر والزيت. وفى نفس الوقت لا تكفى كميات العيش المدعم الذى تحصل عليه تلك العائلات إلا لسد 70% فقط من احتياجاتها اليومية، وأمام هذا الواقع طردت بعيدا ذلك الشيطان الذى يوسوس لى بأحلام من نوعية افطار الكورن فيلكس، وعصير البرتقال.

 

●●●

 

ولكن وبالرغم من أن دعم الغذاء لدينا لا يمثل سوى 6% من موازنة الدولة، وما بين 1% و2% من الناتج المحلى طوال العقد الماضى. وهذه النسبة ليست كبيرة على حد قول جونبيترو بوردينيون ممثل برنامج الغذاء العالمى التابع للأمم المتحدة. فإن الحكومة قد قررت فى موازنة العام المقبل أن تقلل من قيمة دعم السلع التموينية الموجه لبطاقات التموين بمقدار 2.1 مليار جنيه، منعا لتسرب الدعم. وكذلك قررت أن تقلل من كميات الزيت المدعم المقدم لـ66 مليون مستفيد من البطاقات التموينية بمقدار 127 ألف طن. وهذا بدوره يقتطع من الدعم الموجه للزيت قيمة تقدر بنحو 900 مليون جنيه.

 

ومن المؤكد أن أى تخفيض فى قيمة دعم السلع التموينية سيكون على حساب الأسر الفقيرة. خاصة أن الأسر من حاملى البطاقات تعتمد فى خمس انفاقها الغذائى على السلع المدعومة. وربما يتأكد ذلك من قول ممثل منظمة الأغذية أن إلغاء دعم الغذاء فى مصر سوف يجبر الأسر المستفيدة منه على شراء احتياجاتها من السلع غير المدعومة. وهذا بدوره سوف يرفع نسب الفقر فى مصر من 25% حاليا إلى 34%. ومما يزيد من أثر تخفيض الحكومة لقيمة الدعم الغذائى، هو العبء الذى سيقع على كاهل الفئات ذات الدخل المنخفض بعد أن وصلت نسبة التضخم السنوية المعلنة الشهر الماضى إلى 8.8%.

 

فهذه النسبة تعبر عن سلسلة من الارتفاعات فى أسعار بعض السلع الأساسية مثل الدقيق الذى زادت اسعاره بنسبة 27% سنويا. وبند البوتاجاز والغاز الطبيعى الذى قفز بنسبة 67% فى عام واحد. أما الوجبات الجاهزة التى من بينها الفول والطعمية والكشرى فقد زادت بنسبة 24% فى نفس الفترة.

 

●●●

 

والحقيقة أنه بينما ينشغل العاملون ببرنامج الغذاء العالمى بالوصول إلى مستحقى الدعم الحقيقيين من الفئات الأكثر احتياجا، تنشغل الحكومة فى مشروع الموازنة للعام المقبل باستقطاع جانب من قيمة الدعم. دون أن تتأكد من أن خروج بعض الفئات غير المستحقة للدعم لا يعنى وجوب تخفيض قيمة الدعم. بل على الأرجح سيحتاج الأمر إلى دخول فئات أخرى قد تزيد أعدادها على الخارجين من طابور البطاقات التموينية. وهذا قد يستدعى بدوره زيادة قيمة الدعم وليس تخفيضه.

 

وتقدم الدكتورة سحر الطويلة حسبة بسيطة لمستحقى البطاقات التموينية. فتبدأ بشريحة الـ25% من الفئات الأكثر فقرا فى مصر.وهم الذين ينفقون أقل من (256 جنيها) فى الشهر، والشريحة الأعلى منها والتى تمثل الربع الثانى من شرائح المجتمع التى تضم الفئات التى تتميز بالهشاشة. أى التى تقف على حافة الفقر، والتى عند أى هزة فى مستوى إنفاقها سوف تقع إلى دائرة الفقر. وهناك الشريحة الأعلى قليلا، وتمثل 10% وهى تقع ضمن الفئات المحتاجة. لأن دخلها يزيد قليلا على خط الفقر الأعلى، والذى يعادل (334 جنيها)فى الشهر.

 

●●●

 

وهناك حقيقة لافتة لابد من الوقوف أمامها، وهى أن التقزم الذى أصاب ثلث أطفال مصر من جراء انعدام الأمن الغذائى، تحقق فيما بين السنوات من 2003 وحتى 2008، وهى الفترة التى حققت مصر فيها نموا اقتصاديا مرتفعا. بلغ فى المتوسط 5%، بل وتجاوز النمو هذا المعدل وصولا إلى 7% فى بعض تلك السنوات. أى أن هذا النمو لم يكن كافيا لتجنيب أبناء الفقراء هذا التقزم. والذى سيظل عنوانا على أن النمو وحده مخصوما منه العدل لن يصلح أحوال الفقراء ولن يصلب عود أبنائهم.

 

 بينما ذات السنوات التى مرت على فقراء البرازيل كانت كافية لانقاص نسبة الفقر إلى النصف. وهى تلك الفترة التى حكم فيها الرئيس لولا دا سيلفا (8 سنوات) ابتداء من عام 2003. والتى زاد فيها دخل الفرد فى شريحة 10% الأكثر دخلا بنسبة 10% بينما ارتفع دخل من هم فى شريحة الفقراء بنسبة 68% وذلك بفضل الرئيس البرازيلى الذى أعطى الأولوية فى سياساته لمكافحة الفقر.

 

لذلك فعلينا ألا نعول كثيرا على ما تقوله الحكومة من أن الأولوية الآن للإنتاج والعمل لتحقيق النمو. ولكن علينا أن أن نولى وجوهنا شطر الاتفاق على كيفية اقتسام ثمار العمل والإنتاج. لأننا قاسينا من كأس النمو الفارغ من العدالة، الذى لا يروى ظمأ الضعفاء، ولا يرفع قامة أطفالهم. وما الاحتجاجات والإضرابات والاعتصامات الدائرة الآن إلا صورة من صور الرغبة فى عقد الاتفاقات على اقتسام ثمار النمو الذى تشارك الأغلبية فى صنعه، بينما تحتكر الأقلية اختطافه وحدها.

 

وغالبا لن يأتى أبدا ذلك اليوم الذى يأكل فيه الأطفال وهم فى طريقهم إلى الغيط طبق كورن فيلكس ويحتسون عصير البرتقال طالما بقيت حكوماتنا تستقطع من دعم السلع الغذائية الذى لا يمثل سوى نسبة متواضعة من الموازنة. بينما هى ترصد دعما للمصدرين من رجال الأعمال بـ3.1 مليار جنيه. وترفض أن ترفع الحد الأقصى للضريبة على الدخل للأفراد والشركات إلى 30%. بينما لا تخجل أن ترفع ضريبة المبيعات على مكالمات التليفون المحمول الذى أصبحت خادمات المنازل وبائعات الخضار يستخدمونه فى قضاء أشغالهن. ولا تجد الحكومة لديها أى غضاضة فى أن تضع علانية بندا فى الموازنة تحت مسمى المصاريف السرية للوزارات من أجل الصرف بدون مستندات على المجاملات والهدايا. بينما هى فى ذات الوقت تعجز عن تدبير موارد لتطبيق كادر عادل للمدرسين الذين بحت حناجرهم للمطالبة به.

أميمة كمال كاتبة صحفية
التعليقات