تصريحات السفير الأمريكى على هامش الحوار الوطنى - أحمد يوسف أحمد - بوابة الشروق
الأربعاء 1 مايو 2024 9:19 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

تصريحات السفير الأمريكى على هامش الحوار الوطنى

نشر فى : الخميس 26 سبتمبر 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الخميس 26 سبتمبر 2013 - 8:00 ص

مازالت القوى السياسية اليمنية عاجزة عن التوافق على وثيقة «مستقبل الجنوب» فى إطار الحوار اليمنى، وفى هذا السياق صرح جيرالد فايرستاين السفير الأمريكى فى صنعاء فى 18 سبتمبر الحالى بأن «الحوار اليمنى حقق نتائج باهرة حتى الآن، وأكد أن نتائج الحوار تتجه إلى بلد اتحادى من عدد من الأقاليم ستتحول السلطات المركزية إليها»، وقد لعب فايرستاين دورا محوريا فى الشأن اليمنى خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة بالتزامن مع تطورات العملية الانتقالية التى أعقبت الثورة الشعبية فى 2011 ضد نظام على عبدالله صالح.

ما أبعد الليلة عن البارحة، تذكرت مشاركتى فى إحدى جلسات الحوار التى سبقت قيام الوحدة مباشرة فى 1990، كان الزخم لا يقاوم لصالح أن تأخذ الوحدة الشكل الاندماجى وكنت أرى أن الأنسب هو الشكل الفيدرالى أولا بالنظر إلى خبرة الوحدة المصرية ــ السورية التى لم تدم لأكثر من ثلاث سنوات ونصف السنة بسبب مركزيتها الشديدة، وثانيا للاختلاف البين بين تجربتى الشطرين (نظام ماركسى فى أحدهما وشبه محافظ فى الثانى). عبرت عن رأيى هذا فلاحظت أن الوجوم قد ساد القاعة ومال جارى نحوى وهمس لى ألا أكرر هذا الرأى ثانية لأن الوقت ليس وقت الموضوعية. استمعت إلى نصيحته، وبعد انتهاء الندوة تحلق حولى بعض المشاركين وتباروا فى إظهار فساد رأيى.

•••

قامت الوحدة واتخذت الشكل الاندماجى وكانت مقومات نجاحها كثيرة: شعب واحد وتاريخ مشترك ونضال مشترك ضد نظام الإمامة فى الشمال والاحتلال البريطانى فى الجنوب ناهيك عن تركيبة متوازنة لسلطة الوحدة، ومع ذلك فسرعان ما بدأت الأزمات تهاجم الوحدة. ارتبطت الأزمة الأولى بنتائج أول انتخابات تشريعية إذ إن حزب الإصلاح جاء فى المرتبة الثانية بعد حزب المؤتمر الشعبى مخلفا وراءه الحزب الاشتراكى الذى كان يعتبر نفسه الشريك الأساسى فى إقامة الوحدة مع حزب المؤتمر وانعكس هذا على وضعه فى بنية السلطة، ثم أصبح وضعه هذا مهددا حيث كان يستطيع حزب المؤتمر أن يكون ائتلافا حكوميا قويا بدونه مع حزب الإصلاح.

يضاف إلى ذلك تصاعد اتهامات الحزب الاشتراكى حكومة صنعاء بتدبير اغتيالات لقيادته، وأخذت مظالم الاشتراكى تتزايد مع فشل كافة محاولات التسوية إلى أن تفجرت حرب الانفصال فى مايو 1994، ونجحت حكومة صنعاء فى كسب الحرب فى وقت محدود نسبيا على الرغم من قوة الجيش الجنوبى ووعورة تضاريس مسرح العمليات.

بعد انتهاء الحرب تصرفت حكومة صنعاء بمنطق المنصور وليس الشريك، فسرحت عددا كبيرا من أفراد الجيش الجنوبى وملأت الإدارات الحكومية بعناصر تنتمى إليها وتدفق الشماليون ليؤسسوا مشاريع استثمارية وتجارية ويتملكوا الأراضى. وفى هذه الظروف نشأت حركة «الحراك الجنوبي»، وكانت فى بدايتها حركة مطلبية تكتفى بالمطالبة برفع المظالم، ثم أخذت المطالب تتصاعد إزاء عدم الاستجابة لها حتى وصل الأمر إلى المطالبة الصريحة بانفصال الجنوب عن الشمال.

وقد توقع الكثيرون أن تطلق الثورة الشعبية فى عام 2011 آلية وطنية لحل الأزمة أولا لأن النظام المتسبب فى هذه المظالم قد سقط وأن النظام الديمقراطى المزمع إقامته قادر على توفير آليات الحل، وثانيا لأن تطورات الثورة حولت منصبى رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء إلى أيدى شخصيتين من الجنوب، وفى الحوار اليمنى الراهن كان واضحا أن أعدادا متزايدة فى إقليم الشمال أخذت تقتنع بأن تأخذ الوحدة اليمنية شكلا فيدراليا، غير أنه كان واضحا أن هناك فئة يعتد بها من ممثلى حركة «الحراك الجنوبى» تصر على الانفصال.

•••

فى هذا السياق يمكن مناقشة تصريحات السفير الأمريكى، من خلال عدة ملاحظات، أهمها:

الملاحظة الأولى أن هذه التصريحات تأتى فى سياق سياسة تدخلية عامة سواء فى الشأن اليمنى أو فى شئون الوطن العربى عامة، وفى أحيان كثيرة يأخذ التدخل شكلا فجا كما فى أحداث الثورة اليمنية 2011 التى كان السفير حاضرا فيها فى كل التفاهمات ويتدخل فيها وفى مبادرات الحل فى إطار من تصريحات التدخل الفجة، وهناك حالات أخرى غير الثورة اليمنية لعل أحدثها، وأبرزها التدخل الفج فى الشئون المصرية فى أعقاب أحداث ثورة 30 يونيو، فقد رفضت الإدارة الأمريكية تكييف هذه الأحداث كثورة واعتبرتها انقلابا عسكريا، وانحازت بعد ثورة 30 يونيو إلى صف الإخوان المسلمين على الرغم من الرفض الشعبى غير المسبوق لحكمهم وعلى الرغم من أعمال الإرهاب التى صدرت عنهم فى مصر كافة وشبه جزيرة سيناء خاصة بما فى ذلك تحالفهم مع تنظيم القاعدة الذى يُفترض أنه أعدى أعداء الولايات المتحدة وأنها تضع محاربته على رأس أولوياتها فى محاربة الإرهاب، ناهيك عن الاعتراض على القبض على قياداتها والمطالبة بزياراتهم والإفراج عنهم، وغير هاتين الحالتين حالات أخرى كثيرة.

أما الملاحظة الثانية فهى خاصة بمضمون تصريحات السفير بأن اليمن يتجه إلى بلد اتحادى من عدد من الأقاليم ستتحول السلطات المركزية إليها، وهنا نلاحظ أن أحدا من اليمنيين لم يثر موضوع «عدة أقاليم»، التى تحدث عنها السفير، فالمشكلة محصورة فى إقليمى الشمال والجنوب، أما حديث الأقاليم فهو يحمل فى طياته مزيدا من تفتيت اليمن، وبخصوص تحول السلطات المركزية إلى أقاليم فغريب أن يصدر هذا التصريح عن مسئول ينتمى إلى بلد كان مؤسس النظام الفيدرالى، فهذا النظام لا يعنى تحول السلطات المركزية إلى أقاليم وإنما توزيعها بين السلطة الاتحادية والأقاليم وإلا كانت الفيدرالية تفتيتا للدولة بدل من أن تكون آلية لحفظ تماسكها.

•••

لا أحد يدرى أى مستقبل لليمن يتحدث عنه السفير الأمريكى فلقد كان لبلاده دور فى تفكيك دول عربية أخرى كما فى حال انفصال جنوب السودان والعبث بتماسك العراق. ولذلك فإن أحدا لا يدرى هل تتعلق تصريحات السفير باليمن وحده أم أن دلالاتها تجاوزت اليمن بكثير لتشمل الوطن العربى كله؟

أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة ومدير معهد البحوث والدراسات العربية

أحمد يوسف أحمد أستاذ العلوم السياسية بكلية الإقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، وعميد معهد الدراسات العربية