أساليب التعامل مع المعارضة - مصطفى النجار - بوابة الشروق
الأحد 28 أبريل 2024 11:34 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أساليب التعامل مع المعارضة

نشر فى : الجمعة 26 سبتمبر 2014 - 7:35 ص | آخر تحديث : الجمعة 26 سبتمبر 2014 - 7:35 ص

يعتقد البعض أن صراع الأنظمة الحاكمة مع خصومها أيا كان فكرهم واتجاههم هو صراع عشوائى لا يقوم أحد بالتخطيط له ووضع جدول زمنى لتنفيذه بمراحل. ومن يرجع للتاريخ ويتصفح أوراقه يكاد يقترب من وضع يده على استراتيجيات تدمير الخصوم وإضعاف تأثيرهم وربما استئصالهم معنويا وماديا، حسب درجة القمع والدموية التى يتحلى بها النظام الذى يسلك هذا المسلك بدلا من سياسات الاحتواء والاستيعاب.

قد نتعجب حين نعرف أن الولايات المتحدة الأمريكية استخدمت استراتيجيات تدمير ضد جماعات وإثنيات مختلفة داخل البلاد، وتتشابه هذه الاستراتيجيات فى كثير من مراحلها مع ما يحدث فى منطقتنا العربية بدرجات متفاوتة.

•••

وثق الفيلم التسجيلى «البيت الذى أعيش فيه» The house I live in، والذى يتحدث عن حرب أمريكا ضد المخدرات والتى تحولت لاستهداف مجموعات عرقية وجماعات خارجة عن سلطتها، عددا من المراحل والتى لخصها الباحث طارق أبوغزالة معتمدا على محتوى الفيلم. وشملت الخطوات والمراحل الآتية التى أنقلها بتصرف وإضافة لشرح الاستراتيجية:

أولا: التحديد والتنميط: Identification حيث يتم تحديد المجموعة المستهدفة وتنميطها، ووصمها بأنها سبب كل المشاكل التى تعانى منها البلاد. بدءا من المشاكل الكبرى وصولا إلى كل إخفاق صغير تواجهه السلطة. وتتحرك الآلة الإعلامية الموالية للسلطة ولشبكات المصالح لتبث سمومها فى تشويه هذه المجموعة واغتيالها معنويا، لتتغير نظرة الناس إليهم من مواطنين صالحين إلى مجرمين خطيرين يتآمرون على البلاد ويوقفون تطورها ويجهضون محاولات السلطة المسكينة لتحسين حياة الناس. وبذلك يتحول غضب الناس من السلطة إلى غضب ضد هؤلاء الذين صورهم الإعلام على أنهم سبب كل الشرور وأنهم العائق أمام تقدم البلاد.

ثانيا: النبذ Ostracization: تصل الشيطنة إلى أعلى مستوياتها وتحول السلطة أفراد هذه المجموعة إلى أفراد خارجين على القانون مهددين للمجتمع، يجب ملاحقتهم بكل الطرق التى تبدأ من فصلهم من وظائفهم وتضييق أبواب الرزق فى وجوههم، وترهيب كل من يتعامل معهم، لتنعزل هذه المجموعة شعوريا عن المجتمع. وقد يفقد بعض أفرادها صوابه ليتحول لممارسة العنف كرد فعل للاستهداف المتواصل. وتستمر الحرب النفسية والاقتصادية لاستنزافهم وإنهاكهم لأقصى درجة ممكنة.

ثالثا: المصادرة Confiscation: يتم فى هذه المرحلة العصف بالحقوق والحريات المدنية لهؤلاء المواطنين، ويتم سن بعض التشريعات وتعديل تشريعات أخرى لتسهل ملاحقتهم وتجريمهم ومصادرة أموالهم واعتقالهم.

رابعا: التجميع والتركيز Concentration: يبدأ فى هذه المرحلة أكبر كم ممكن من الاعتقالات وانتهاكات حقوق الانسان ضد هذه المجموعة، وتتوحش الانتهاكات لتكون معول هدم نفسيا لإضعاف الإرادة وقتل الأمل فى رفع الظلم والإقرار بانتصار السلطة، وضرورة الإذعان لها والرضوخ لأهوائها. وتتسبب هذه المرحلة فى تغيير جذرى فى البنية النفسية للأفراد حيث يزداد رسوخ ويقين البعض بأفكاره وتوجهاته ويتطرف البعض الآخر وينسحب البعض انسحابا كاملا عن المجتمع ليغترب داخل ذاته. بينما يصاب الجميع بالكراهية التى تولد بغضا وعداوة راغبة فى الانتقام من المجتمع بشكل عام، لأنه شارك فى ذبحهم ومن السلطة بوجه خاص لأنها من دمرت حياتهم. ولا تموت هذه العداوة مهما تعاقبت الأجيال لأنها تتوارث جيلا بعد جيل.

خامسا: الإبادة Annihilation: وتستخدم هذه المرحلة الأنظمة الدموية التى استطاعت تخدير شعوبها لشرعنة سفك الدماء واستئصال خصومها كلية بشكل نهائى عبر عمليات إبادة جماعية تقتل الآلاف وربما الملايين.

•••

هذه استراتيجيات بعض الأنظمة للتخلص من خصومها، ولكن السؤال الذى يطرح نفسه كيف يمكن مواجهة هذه الاستراتيجيات؟ يمكن تلخيص مراحل المواجهة فى عدة نقاط، أهمها:

• اليقين ورسوخ الفكرة وعدم التزحزح قيد أنملة عن الكتلة الصلبة من الأفكار والمبادئ التى هى سبب الحرب والاستهداف، فبقدر اليقين والثبات ووضوح الرؤية بقدر النجاح فى إفشال استراتيجيات التدمير.

• نشر الوعى وتبيان الحقائق وتفنيد الأكاذيب ودحض الأساطير التى تروج لها الأنظمة لتفخيم كينونتها وتحقير معارضيها.

• تجنب الانزلاق إلى العنف لأنه هدف الأنظمة التى تريد استدراج خصومها لدائرته لتسهل الفتك بهم وتبرير قتلهم.

• الرهان على ضمير المجتمع الجمعى، الذى قد يبدو فى لحظات المواجهة متضائلا وضعيفا أمام أمواج الهيستيريا والغوغائية المغلفة بالمشاعر الوطنية، ولكنه سرعان ما يستيقظ حين يكتشف حقيقة الإفك والخداع الذى تعرض له، فيرتد لطبيعته الإنسانية رافضا للظلم والانتهاك ونادما على إعطاء الشرعية والغطاء الأخلاقى لتجاوزات القانون وممارسات القمع.

• عدم التعميم فى الحكم على المجتمع واتهامه بسبب صمته أو تأييده، وإدراك أن الجماهير تتحرك تحت تأثير الخوف الذى تجيد الأنظمة صناعته، عبر ترويج فزاعات تصيب الناس بالشلل النفسى. وتجعلهم يقبلون أمورا وقرارات لم يكن متخيلا قبولهم لها إلا بسبب وقوعهم أسرى لسلاح الترهيب وفخ التفزيع.

• ضرورة تلاحم أفراد الكتلة المستهدفة ونبذ خلافاتهم وانتشارهم بين الناس بكل الوسائل المتاحة لكسر حالة الحصار الإعلامى الذى تفرضه الأنظمة عبر أبواقها الموالية.

• إدراك أن الزمن جزء من العلاج وأن انتصار الأفكار وتمكينها لا يحدث فى يوم وليلة، وأن من يسعون لإحداث تغييرات كبرى بمجتمعاتهم لابد أن يمارسوا البذل دون توقف مع الثقة الكاملة أن كل بذرة زُرعت سيأتى وقت حصادها.

الأفكار لا تموت والمصلحون قدرهم البذل دون انتظار الثمار واليأس أول الهزيمة.

مصطفى النجار عضو مجلس الشعب السابق
التعليقات