اللي يضربك.. اضربه! - مي حمدي - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 7:27 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

اللي يضربك.. اضربه!

نشر فى : الإثنين 27 فبراير 2023 - 8:45 م | آخر تحديث : الإثنين 27 فبراير 2023 - 8:45 م
«اللى يضربك اضربه»!! المقولة الشهيرة التى طالما لقنتها أمهات الجيل السابق ــ وربما كثير من أمهات اليوم ــ لأبنائهن قبل تركهم لمواجهة الحياة فى المدرسة أو النادى أو غيرهما، ولكن علينا اليوم تغيير هذا المفهوم لدى الأمهات والأبناء، فمقابلة الضرب بالضرب لن تؤدى إلا إلى مزيد من الصراع، ولاتساع دائرة العنف، فعلى المربين توعية الأبناء أن العنف ليس هو الوسيلة المناسبة لحل المشكلات.
ماذا يفعل الأبناء إذن إذا واجهوا تنمرا؟ إذا كان التنمر لفظيا فالأفضل تجاهله وعدم الالتفات له، لعدم إعطاء فرصة للشخص المتنمر للتمادى، أما إذا كان بدنيا فإن نصيحة عدم مواجهة الضرب بالضرب لا تعنى قطعا أن يترك الطفل نفسه للاعتداء، وإنما علينا تعليمه الدفاع عن نفسه عن طريق إيقاف الاعتداء فقط مع عدم ضرب المعتدى، والابتعاد عن المكان فورا وطلب المساعدة من شخص مسئول.
تلك المعادلة الصعبة لا يسهل تنفيذها: إيقاف الضرب مع عدم الضرب، ويصعب أيضا إقناع الأولاد بها، فطالما واجهتنى تعليقات من الطلاب أثناء قيامى بتنفيذ ورش عمل مواجهة التنمر من قبيل: «حيقولوا عليا مهزأ»، «بلغت المدرسة ومعملتش حاجة»، «لازم آخد حقى». مجادلة يصعب الانتصار فيها لذا لا يكون بوسعى سوى إعادة التأكيد على الأسلوب الدفاعى، وعلى تصعيد الأمر لمسئول أعلى والتحدث مع الأسرة، وعلى أن العنف سيؤدى إلى مزيد من العنف.
ولكى لا يصل الأمر إلى حد العنف، من المفيد توعية الأطفال والشباب، بل والكبار بطريقة عمل المخ عند الغضب، والتى قدمها أستاذ الطب النفسى الأمريكى دانيال سيجل بطريقة أسماها «المخ فى راحة اليد»، وبعيدا عن الشرح المفصل والمعقد، فإن خلاصة نظريته تنطوى على أنه فى الأحوال العادية يكون جزء المخ المسئول عن التفكير العاقل مسيطرا على الأجزاء المسئولة عن المشاعر، وردود الفعل اللاإرادية. أما فى حالة الغضب فينفصل الجزءان فتكون الأساليب البدائية أو غير العقلانية هى المسيطرة فيكون رد الفعل هو: القتال، أو الهروب، أو التجمد. فهل يكون الوقت مناسبا لحل أى نزاع؟
من هنا تكون الخطوة الأولى لحل أى نزاع هى «الهدوء»، حتى يتمكن المخ من التفكير بشكل سليم. ويختلف الأشخاص فى طريقتهم لتهدئة الذات فقد تكون بالمشى، أو ممارسة الرياضة، أو الخروج فى الهواء الطلق. أما الخطوات التالية فهى المناقشة والتفكير فى حلول، ثم الاتفاق على حل يرضى جميع الأطراف، وأخيرا التنفيذ.
على المعلمين والمعلمات أيضا التحدث برفق مع المتنمر ومحاولة حل الأمر قبل أن يصل إلى حد العنف، والبحث عن الأسباب الخفية وراء التنمر، لأن السلوك الظاهرى الذى نراه من الطفل ما هو إلا تمثيل لقمة جبل الجليد كما تخبرنا نظريات التربية الإيجابية لجين نيلسون، أما باقى جبل الجليد الذى يقبع تحت الماء ولا نراه هو الأهم فهو الذى يمثل المعتقدات وراء السلوك، فقد يكون المتنمر نفسه قد واجه تنمرا، وقد يكون أسلوب تعامل المربين مع الطفل هو السبب، وقد يكون ما نراه سلوكا سيئا هو طريقة خاطئة من الطفل للتعبير عن احتياجه إلى الشعور بالانتماء والأهمية.
وفى كل الأحوال، يجب مناقشة الطفل المتنمر بهدوء لمعرفة أسبابه، وإظهار التفهم للأسباب مع شرح أن من حقنا الشعور بالحزن أو الغضب ولكن ليس من حقنا التصرف بطريقة عدائية للتعبير عن تلك المشاعر، وتذكيره بالآثار السيئة للتنمر عليه وعلى زملائه، وأن يحاول وضع نفسه مكان المتنمر عليه والتفكير فيما يشعر به، وتوجيهه برفق مع حزم لضرورة تحمل نتائج سلوكه، وأن الاعتذار سلوك محمود وعليه مكافأة نفسه عليه، وبأن السلوك الجيد سيحقق له شعبية وحبا بين رفاقه، مع تشجيعه على ممارسة الرياضة لتوجيه طاقته إلى ما يفيده، وإظهار التقدير لأى تغيير إيجابى فى السلوك أو عند الاعتراف بالخطأ.
وأخيرا علينا تذكير أولادنا أن الخلاف أمر عادى علينا التفكير قبل وقوعه فى الطرق المناسبة للتعامل معه، وأن الاختلاف أمر حتمى ويجب ألا يفسد للود قضية.
* يحتوى المقال على بعض المعلومات من موقع يونيسيف مصر ومراجع التربية الإيجابية لجين نيلسن ولين لوت ودليل «ألعاب من أجل حقوق الإنسان» إصدار إكويتاس كندا.
مي حمدي مديرة اللجنة الثقافية بالمجلس القومى لحقوق الإنسان ومرشد تربوي
التعليقات