ساركوزى طرح السؤال عن أوباما: هل هو ضعيف؟ - سعد محيو - بوابة الشروق
الأربعاء 1 مايو 2024 3:32 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ساركوزى طرح السؤال عن أوباما: هل هو ضعيف؟

نشر فى : الإثنين 28 سبتمبر 2009 - 10:21 ص | آخر تحديث : الإثنين 28 سبتمبر 2009 - 10:21 ص

 هل الرئيس الأمريكى باراك أوباما ضعيف؟
هذا السؤال الخطير طرحه الرئيس الفرنسى ساركوزى فى مجلس خاص له، على هامش لقاءات الرئيس الأمريكى الأسبوع الماضى مع قادة العالم فى الأمم المتحدة.

وهذا، بالمناسبة، ليس مجرد سؤال خاص فرنسى «لئيم» على عادة الفرنسيين المُتّهمين بـ«الغيرة» الشديدة من «القوة الطاغية» الأمريكية (كما يصف هيوبير فيدرين أمريكا)، بل هو سؤال عام بات قيد التداول فى كل أنحاء العالم، بما فى ذلك الداخل الأمريكى.

بيد أن الحقيقة تكمن فى مقلب آخر: أوباما ليس ضعيفا، لكن الأزمات الأمريكية الداخلية والخارجية قوية وعاتية إلى درجة قد لا يتحملها حتى رؤساء اشتهروا بقوة شكيمتهم وبأسهم كجورج واشنطن وإبراهام لينكولن ودوايت أيزنهاور وجون كينيدى.

أوضح دليل على عنف هذه الأزمات وخطورتها تجلى فى التقرير الخطير الذى رفعه الأسبوع الماضى إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة جوزف ستيجليتز، الاقتصادى الأمريكى البارز الذى حاز جائزة نوبل للاقتصاد، ويترأس حاليا لجنة الخبراء لإصلاح النظام النقدى والمالى العالمى التابعة للأمم المتحدة.

أبرز عناوين التقرير:
ــ الأزمة الاقتصادية العالمية الراهنة ليست مجرد مشكلة نجمت عن خطأ فى شبكة الصرف الصحى، بحيث يكفى أن ندعو السباك إلى تنظيف الأنابيب فيعود كل شىء إلى ما كان عليه. الأزمة تعكس مشاكل نظامية أعمق ينبغى التصدى لها.. يجب ألا نعود إلى عالم ما قبل الأزمة.

ــ يتعين إنشاء نظام احتياط عالمى جديد لا يعتمد على عملة واحدة مثل الدولار، وتأسيس منشأة ائتمانية عالمية جديدة تتكامل مع صندوق النقد الدولى، وإقامة مجلس تنسيق عالمى جديد من شأنه أن يكون أكثر شمولا من مجموعة الـ20 المؤلفة من مجموعة الثمانى للدول الصناعية الكبرى، إلى 12 من الدول الأخرى الأكثر نموا.

ــ فى عالم العولمة لا معنى لأن تكون لدينا عملة واحدة، عملة بلد واحد، كأساس لنظام اقتصادى عالمى، بل من المنطقى التحرّك نحو إقامة نظام احتياط عالمى يكون، من جهة، أكثر استقرارا وينعش، من جهة أخرى، الطلب الكلى العالمى ويكون فعلا أكثر عدالة من النظام الحالى.

ــ بموجب النظام الحالى، تقدم البلدان المتقدمة قروضا قيمتها تريليونات من الدولارات إلى الولايات المتحدة بمعدلات فائدة تساوى صفرا. وهذا فى الواقع بمثابة مساعدات خارجية للولايات المتحدة. قد يقول بعض الناس إن الولايات المتحدة تحتاج إلى بعض المساعدات الخارجية، لكن هذا لا يمكن أن نسميه نظاما دوليا منصفا.

كما هو واضح، ما يدعو إليه ستيجليتز لا يقل عن كونه نقل السلطة الاقتصادية العالمية من الحضن الأمريكى ووضعها بين يدى مجلس اقتصادى عالمى جديد، يكون بمثابة قيادة جماعية لنظام دولى جديد.

الأهمية القصوى لهذا الطرح تنبع من شخصية ستيجليتز نفسه. فهو كان نائبا لرئيس البنك الدولى «والذى طرد منه لاحقا بسبب نقده له»، ومستشارا اقتصاديا بارزا فى إدارة كلينتون، وأحد أبرز الشخصيات اليهودية الأمريكية التى كانت معادية بقوة للاشتراكية ولتدخل الدولة فى الشأن الاقتصادى، ثم عاد وغير رأيه فرفض فكرة «اليد الخفية للسوق» وانتقد إدارة ظاهرة العولمة.

ومؤخرا، حمل بعنف على خطة الإنقاذ التى تبناها أوباما، متهما واضعيها بأنهم «فى جيب البنوك، ويعملون فى خدمتهم».

ستيجليتز يطلق الآن على أنصار الاقتصاد الحر المنفلت من أى عقال اسم «أصوليى السوق الحر»، الذين سيقودون العالم إلى الهاوية، كما يفعل الآن الأصوليون الدينيون.

وهو لا يرى من مخرج من هذه الورطة التاريخية سوى فى نظام عالمى جديد كذلك الذى يدعو إليه الصينيون والروس والهنود والبرازيليون (مجموعة «البريك»).

لكن، هل هذا المانيفستو الثورى الجرىء له حظ من النجاح؟
الجواب يعتمد برمته على طبيعة رد الفعل الأمريكى على هذا الانقلاب التاريخى: هل ستقبل الولايات المتحدة بهدوء انحسار دورها العالمى (كما فعل قبلها الاتحاد السوفييتى)، فتتعامل معه ببرود وواقعية وتقبل أن تكون الأولى بين متساوين بدل أن تكون الثانية للا شىء، أم أنها ستلجأ إلى شن الحروب وإثارة النزاعات لتمديد عمر إمبراطوريتها المأزومة؟

خلال عهد بوش، كان الخيار الأمريكى فى غاية الوضوح: إطلاق سلسلة حروب لا نهاية لها، تحت شعار مكافحة الإرهاب العالمى، بهدف السيطرة على الموارد الطبيعية ورءوس الأموال والسلع الاستهلاكية. وبالطبع، من يمسك بصنابير النفط ومفاتيح رءوس الأموال، قادر على إمساك العالم من خناقه.

بيد أن ثمانى سنوات من عهد بوش، أثبتت أن الولايات المتحدة لم تعد قادرة على الحفاظ على زعامتها العالمية المنفردة، لأنها تفتقد إلى أهم عناصر بناء الإمبراطوريات: القدرات المالية والاقتصادية الكافية لتمويل التوسع الإمبراطورى.
إدارة أوباما أوحت (حتى الآن على الأقل) بأنها استوعبت هذا الدرس، فانتقلت من وضعية إملاء الشروط إلى مرحلة الاستماع إلى آراء الآخرين ومطالبهم.

فغازلت العالم الإسلامى ومعه إيران، وخطبت ود الصين ومعها الاتحاد الأوروبى، ورفعت توقعات العرب والفلسطينيين بتسوية عادلة، وأسقطت محرمات الرأسماليين الأمريكيين عن الحديث عن كارثة احترار كوكب الأرض.

بيد أن هذه الخطوات، على أهميتها، لم ترق إلى درجة إقناع العالم بأن أمريكا تغيرت بالفعل، وبالتالى باتت مستعدة لتغيير النظام العالمى. فالحلول التى طرحتها إدارة أوباما للأزمة لن تؤدى فى الواقع إلى حل الأزمة بل ربما إلى تعقيدها.

إذ هى رصدت تريليون دولار لدعم عمالقة المصارف والمال على حساب قطاعات الاقتصاد المُنتجة، ما أوحى بأنها تنوى مواصلة نهج تبعية أمريكا لكل من رءوس الأموال والسلع الاستهلاكية الأجنبية، وبالتالى لمحاولة إيجاد حلول خارجية لمعضلاتها الداخلية، عبر متابعة امتصاص ثروات الاقتصاد العالمى.

كيف؟
عبر القتال الشرس للحفاظ على هيمنتها بصفتها قوة لا يمكن الاستغناء عنها فى العالم. وهذا لن يتم على الأصعدة العسكرية والسياسية وحسب، بل أيضا على الصعيد النقدى، حيث ستقاوم أمريكا حتى الرمق الأخير كل المحاولات لإنزال الدولار الأمريكى عن عرشه.

أجل. إدارة أوباما واقعية وبراجماتية وترغب حقا فى التوصل إلى مخارج واقعية وبراجماتية للأزمة الأمريكية. لكن النوايا شىء والوقائع شىء آخر مختلف تماما. وهذه الأخيرة تشى بأن الولايات المتحدة لم تعد فقط معتمدة على غيرها اقتصاديا، بل لم يعد لها أيضا فائدة سياسيا.
لا بل أكثر: حلفاء أمريكا الأوروبيون يشكون الآن بأن واشنطن تتعمد شن الحروب المحدودة ولكن الدائمة، والإبقاء على بؤر توتر فى العالم، وعرقلة أى تطوير لهيكلية النظام العالمى.

هل يعنى ذلك أن مانيفستو ستيجليتز لن يرى النور؟
ليس بالضرورة. لكن ذلك لن يتم بهدوء وسكينة، بل على إيقاع هدير زلزالى يصم الآذان، سواء داخل أمريكا (عبر كساد كبير جديد على نمط 1929) أو خارجها (عبر تحالف مجموعة البريك مع الاتحاد الأوروبى ضدها).

متى يمكن أن يحدث ذلك؟
ربما هو يحدث هنا، والآن.
وفى خضم هذا الحدث الزلزالى التاريخى، يبدو سؤال ساركوزى فى محله، لكن لا لعلة ذاتية فى شخصية أوباما بل لدواع موضوعية. وهذا أخطر!

سعد محيو  كاتب لبناني
التعليقات