لعب العيال - هنا أبوالغار - بوابة الشروق
الثلاثاء 16 أبريل 2024 9:05 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

لعب العيال

نشر فى : السبت 28 أكتوبر 2017 - 9:15 م | آخر تحديث : السبت 28 أكتوبر 2017 - 9:15 م

«ابنى لعبى»، «البنت كل ما أذاكر لها تقوم تلعب»، «مش عايز يذاكر، مش عايز يروح التمرين، عايز يلعب وبس»، «عايزة دوا للتركيز أصلها مش بتركز فى الفصل وكل شوية تقوم تلعب»…. شكاوى الأمهات وأحيانا المدرسات لا تنتهى.

أظن موقفنا من اللعب فيه كثير من عدم الفهم لأهميته فى حياة أبنائنا، العالم الفذ أينشتاين لديه مقولة مفادها أن نجاح الإنسان فى حياته يعتمد على قدرته على اللعب والصمت.

والأمم المتحدة أقرت ضمن اتفاقية حقوق الطفل فى 1989 أن الطفل له حق فى الراحة ووقت فراغ ومزاولة الألعاب.
أما مجلة Pediatrics وهى أهم مجلة علمية فى طب الأطفال، وتصدر عن الجمعية الأمريكية لطب الأطفال، فقد نشرت بحثا فى 11 أكتوبر 2017، عنوانه: «أهمية اللعب فى التطور والنمو الصحى للطفل وترسيخ الروابط بين الأبوين والطفل» وكلها تدور حول أهمية اللعب فى الصحة البدنية والذهنية والنفسية للطفل.

بالنسبة للطفل (والبالغين)، اللعب مساحة آمنة ومبهجة، تشجع الطفل على استخدام الخيال (الذى هو أداة الابتكار والاختراع والفنون)، وينمى من خلاله قدراته الجسدية (سواء التى تحتاج إلى تناسق الحركات الكبرى مثل الجرى والتسلق، أو الحركات الصغرى مثل تناول المكعبات الصغيرة أو الصلصال)، كما تنمى قدراته الذهنية، وقدرته على التواصل وحل المشكلات، كلها قدرات مهمة لنمو المخ وتطوره.

***

مساحات الوقت المتاحة للأطفال للعب قلت فى معظم بلدان العالم، تحت تأثير ضغوط أكاديمية تقع على الأبوين والأطفال من أول الحضانة حيث يتم تحضير الطفل للقبول فى امتحان المدرسة، وطوال سنوات المدرسة حيث يتأهل لدخول الجامعة. هذا بالإضافة إلى ضغوط مجتمعية وثقافية تصور للأهل أن الأنشطة خارج نطاق المدرسة من رياضة أو موسيقى أو فنون أخرى هدفها التنافس والإنجاز، مما ينتج عنه ما نراه الآن فى مصر بين أبناء المصريين من المحظوظين فى الطبقة الوسطى وما فوقها من برنامج يومى مضغوط يخرج فيه الطفل من المدرسة على الدروس الخاصة ثم التدريبات دون أى مراعاة لأهمية وقت الفراغ واللعب الحر فى حياة الطفل، بالإضافة إلى الضغط العصبى على الأم والأب العاملين، والذى نرى أثره بوضوح فى اختفاء الوجبة الأسرية التى تجمع أفراد العائلة حول مائدة هادئة لتناول وجبة والتواصل الطبيعى غير المفتعل. وفى الحدة فى التعامل والشكوى الدائمة من بطء الأطفال وعدم تعاونهم فى الوصول لهذه التدريبات أو الدروس فى الموعد.

المدارس تطلب من الطفل أن يجلس ثمانى ساعات كاملة لتلقى العلم، مع وجود فسحة قصيرة مرتين وأحيانا مرة واحدة فى اليوم، وبعدها تطلب ساعات من العمل فى المنزل مما يزيد من الضغط على الطفل وأسرته. حتى اختيارنا لألعاب أطفالنا كلها مبنية على الشق الأكاديمى، فالأهالى يفضلون أن يشتروا كتبا فى العلوم عن شراء كتب فى أدب الطفل ظنا منهم أنها مضيعة للوقت لأنها بلا معلومات. ألعاب الأطفال الإلكترونية، حتى الألعاب التعليمية منها، تأخذ من المساحة المتاحة للعب الحر المعتمد على الخيال والتواصل مع الآخر.

***

الحرمان من اللعب، الذى يعتبر فرصة الطفل للاسترخاء والراحة، بدأ يظهر فى أعداد كبيرة من الأطفال التى تعانى من التوتر المستتر، والذى يظهر فى صورة قضم الأظافر، والجز على الأسنان فى أثناء النوم، والقولون العصبى والصداع، بالإضافة إلى آثاره على الشخصية والتصرفات، من عند وغضب وعدم القدرة على التركيز.

هذا فى الطبقات المحظوظة، أما الطفل الأقل حظا فهو يقضى يومه فى الورشة أو الشارع، فى مساحة غير آمنة، وسط بالغين، أو أمام شاشة تليفزيون تقدم برامج وأفلاما فيها مادة غير مناسبة لسنه.

نحتاج إلى أن ندرك ونؤمن بأهمية اللعب فى حياة الطفل، وأن اللعب ليس «مضيعة للوقت» إنما هو جزء مهم وأساسى من مسئوليتنا نحو أبنائنا. الأبوان ومقدمو الخدمة للأطفال من مدرسين وأطباء أطفال عليهم مسئولية فى توفير وقت كاف للعب، ومشاركة الأطفال فى جزء منه حيث إن اللعب يؤسس للرابط بينهم الذى يستمر فيما بعد حيث تصبح تقوية الروابط أصعب، تكريس وقت للأسرة حتى لو نصف ساعة يوميا للعب ليس رفاهية، ويجب أن يكون له أولوية بعيدا عن الموبايل والجريدة، واختيار ألعاب «حقيقية» تشجع على استخدام الخيال مثل العرائس والمكعبات أفضل كثيرا من شراء ألعاب إلكترونية باهظة الثمن، استخدام الشاشة سواء التليفزيون أو التابلت أو التليفون كجليسة أطفال ولإسكات الطفل حتى فى الأماكن العامة يجب استبداله بالألوان والورقة أو الكتاب، السماح للطفل باختيار رياضته المفضلة وتغييرها وعدم الضغط عليه فى أن تكون تنافسية أمر أساسى حتى يستمر الطفل فيما بعد محبا للرياضة، فإذا نظرنا حولنا نجد أجيالا من شباب الجامعات تخلوا عن رياضتهم التى تميزوا فيها عندما كانوا أطفالا، لأن الرياضة ارتبطت عندهم بالفوز وليس المتعة وبالتالى عندما خرجوا خارج المنافسة بسبب سنهم أو انشغالهم بالدراسة فقدوا الرغبة فى الاستمرار فى هذه الرياضة أو الفن.

فنلندا وهى دولة تم تقييم نظامها التعليمى بأنه الأفضل فى العالم لا تسمح بالواجبات المدرسية قبل سن الثانية عشرة وقد أعلنت أنها فى طريقها إلى تغيير فلسفة التعليم المدرسى لتسمح للطفل باختيار عدد كبير من المواد الدراسية وفقا لاهتماماته وقدراته وذلك من سن الدراسة الابتدائية. معظم نظم التعليم الدولية (النظام الأمريكى والبريطانى) لا يسمح بالواجبات المدرسية أن تستغرق أكثر من نصف ساعة إلى ساعة يوميا للأطفال دون الثانية عشرة.

***

نحتاج إلى أن نستمع إلى بناتنا وأبنائنا، أن نحترم كلامهم ونفكر فيه بجدية، وأن نتفهمه كما نفعل مع أى صديق بالغ، كونهم أصغر سنا لا يعنى أنهم لا يعرفون بالضرورة ما هو مناسب لهم وتدخلنا فى اختياراتهم بشكل مبالغ فيه لا يسلبهم فقط فرصة للخطأ والصواب فى سن تكون فيها نتائج الاختيارات سهلا حلها، لكنه أيضا يسلبهم الإحساس بتحمل المسئولية، الطفل له حق فى الاختيار، فى حدود حمايته وغرس القيم الإنسانية فيه، وسلب هذا الحق (حتى لو بنوايا حسنة) يسلبهم فرص اكتشاف أنفسهم، والنمو النفسى والذهنى والبدنى، وبناء الثقة بالنفس.

أظن أن نظام التعليم بشكله الحالى فى مصر، والمبنى على كم هائل من المعلومات، التى تدرس بشكل غير جذاب لا يشجع على الرغبة فى المعرفة ولا على تقدير قيمة العلم، وطريقة تقيمنا لمستوى أطفالنا الأكاديمى سواء مدارس أو آباء والمبنى تماما على الدرجات، ما هو إلا رضوخ لفكر عقيم توارثناه، وإن لم يكن فى قدرتنا تغييره، فعلينا ألا نعطيه أهمية كبرى، فما هى أهمية درجات تحصلها طفلة فى ابتدائى إذا جاءت على حساب وقت فراغها وتنمية قدراتها؟

نحن نحاول أن نحمى أبناءنا من مخاطر الطريق والنت والإعلام، فلماذا نشترك فى جريمة سلبهم طفولتهم فى المدرسة وأنشطة ما بعد الدراسة؟

كل طفل فريد، ساندوهم ليكتشفوا أنفسهم.

هنا أبوالغار أستاذ طب الأطفال بجامعة القاهرة
التعليقات