انقسام فى تونس حول برنامج الرئيس للإصلاح - رخا أحمد حسن - بوابة الشروق
السبت 27 أبريل 2024 3:47 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

انقسام فى تونس حول برنامج الرئيس للإصلاح

نشر فى : الثلاثاء 28 ديسمبر 2021 - 7:15 م | آخر تحديث : الثلاثاء 28 ديسمبر 2021 - 7:15 م
أدلى الرئيس قيس سعيد، أثناء حملته الانتخابية قبيل الانتخابات الرئاسية فى عام 2019 والتى فاز فيها، بحديث لإحدى القنوات التليفزيونية وهو يبدى رأيه فى الأوضاع السياسية التى كانت قائمة وقت إجراء الانتخابات، فقال فى يونيو 2019، إنه ليس مع كل منظومة الأحزاب السياسية، ومنظمات المجتمع المدنى المدعومة من الخارج، وأنه سيقوم بحل البرلمان حال فوزه فى الانتخابات الرئاسية. كما أكد فى عدة تصريحات لاحقة أن هذه المنظومة تنطوى على الفساد ولم تحقق مطالب الشعب وانشغلت بصراعاتها التى أشاعت الفوضى وأضرت بالمصالح العامة، وهددت أمن واستقرار تونس.
وعقب توليه الرئاسة كان الرئيس قيس سعيد فى حالة انتقاد مستمرة للنظام الدستورى والسياسى والقانونى، ويرى أنه يتعين صياغة هذا النظام من جديد وإعادة التوازن بين السلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية. ورغم أن الرئيس هو الذى رشح إلياس الفخفاخ لرئاسة الحكومة، لم يعمر معه طويلا، واختار بعده هشام المشيشى، وهو أحد تلاميذه، إلا أنه اختلف معه من حيث سلطة اختيار الوزراء ورفض الرئيس تأدية أحد عشر وزيرا اليمين الدستورية أمامه رغم حصولهم على ثقة البرلمان. ولم يوقع الرئيس على استكمال اختيار أعضاء المحكمة الدستورية العليا، وهو ما أدى إلى نشوب خلافات بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة على تفسير الدستور فيما يختص بصلاحيات كل منهما، وتمسك رئيس الجمهورية برأيه وظل الأحد عشر وزيرا معلقين.
•••
إزاء تصاعد الخلافات بين رئيس الجمهورية، وكل من الحكومة والبرلمان، وغياب المحكمة الدستورية العليا، أصدر الرئيس قيس سعيد عدة مراسيم رئاسية فى 25 يوليو 2021 أقال بموجبها الحكومة، وعلق أعمال البرلمان لمدة شهر، وأوقف العمل بعدة مواد فى الدستور، وأعطى لرئيس الجمهورية سلطات واسعة وترأس كامل السلطة التنفيذية والاعتماد على إصدار مراسيم رئاسية. ولقيت هذه القرارات معارضة قوية من الأحزاب والكتل السياسية، وحتى من وافقوا عليها من حيث المبدأ طالبوا رئيس الجمهورية بضرورة وضع خريطة طريق واضحة المعالم، وأنه لا يجوز أن ينفرد الرئيس بكل السلطات ويعطل البرلمان المنتخب ديمقراطيا. وبعد مضى شهر ونيف على هذه القرارات فتح الرئيس المدة واتسعت دائرة الانقسام بين مؤيديه ومعارضى قراراته وبدأ مسلسل من المظاهرات المؤيدة والمظاهرات المعارضة.
وعندما أعلن الرئيس عن تشكيل حكومة جديدة برئاسة د. نجلاء بودن، وهى حكومة تكنوقراط لا ينتمون لأحزاب سياسية، لقيت هذه الحكومة عدة انتقادات، منها وصفها بأنها حكومة الرئيس ولا تعدو أن تكون بمثابة سكرتارية له تنفذ أوامره وقراراته دون رقابة برلمانية كما يقضى بذلك الدستور، وأن هذه الحكومة خارج سياق التطور الديمقراطى وتفتقر إلى التعاون والتفاعل مع القوى والأحزاب السياسية الرئيسية فى تونس، وستكون نتيجة ذلك عدم القدرة على التصدى للمشكلات الاقتصادية والمالية والاجتماعية وتداعيات جائحة كورونا. وتصاعدت المطالبة بأن يحدد الرئيس خريطة طريق للمرحلة القادمة، والعودة إلى العمل بالدستور، واتباع المسار الديمقراطى.
•••
وقد أعلن الرئيس قيس سعيد برنامجه للإصلاح السياسى فى المرحلة القادمة يوم 13 ديسمبر 2021، بعد نحو خمسة أشهر من إقالة حكومة المشيشى، وإيقاف عمل البرلمان ووقف العمل بعدة مواد فى الدستور، وبعد مطالبات ملحة من جانب القوى السياسية والأحزاب والاتحاد العام للشغل (للعمال)، وعدة قوى دولية رئيسية ذات ثقل فعال فى صندوق النقد والبنك الدوليين. وتضمن برنامج الرئيس سبع نقاط تتلخص فيما يلى:
• استمرار تعليق البرلمان إلى أن تجرى انتخابات برلمانية جديدة فى 22 ديسمبر 2022 وفق قانون انتخابات جديد.
• يتم إعداد مشروعات الإصلاحات الدستورية وغيرها وعرضها على استشارة شعبية (حوار مجتمعي) بداية من أول يناير حتى 20 مارس 2022 عبر منصات إلكترونية، ولقاءات فى المعتمديات.
• يتم عرض مشروعات الإصلاحات الدستورية وغيرها للاستفتاء يوم 25 يوليو 2022. وهو يوافق ذكرى إعلان الجمهورية التونسية.
• إجراء تعديلات على الضرائب بما يضمن قيام مشروعات تعود للدولة والأهالى. بحيث تعود أموال الشعب لصاحبها.
• محاكمة كل الذين أجرموا فى حق الدولة وحق الشعب، وأن على القضاء أن يؤدى وظيفته فى إطار من الحياد التام.
وقوبل برنامج الرئيس بالقبول والتأييد من قطاعات من الشعب التونسى سواء من الشباب أو بعض الأحزاب السياسية ومنها التيار الشعبى، وأشادوا بما تضمنه البرنامج عن المشاركة الشعبية الواسعة بما يتيح للجميع المشاركة فى الانتخابات، والاستفتاء، ورددوا ما ذكره الرئيس من اتهامات بأن أحزابا ــ لم يسمها ــ تتلقى دعما خارجيا، وأخرى خالفت القانون. ونشرت مؤسسات تونسية تقارير حديثة عن استطلاع للرأى يشير إلى تصدر الرئيس قيس سعيد قائمة السياسيين التونسيين من حيث الشعبية، ورجحت فوزه فى حال إجراء انتخابات رئاسية اليوم بأكثر من 50% من الأصوات، وأن أكثر من ثلث الناخبين قد يختارون قوائم برلمانية يدعمها الرئيس قيس سعيد، حيث إن القانون القائم الآن يمنع رئيس الجمهورية من أن يترأس أى حزب سياسى.
أما المعارضون لقرارات وبرنامج الرئيس قيس سعيد، فقد صعدوا من معارضتهم حيث أعلنت حركة النهضة أن البرنامج تكريس للانقلاب الذى قام به الرئيس، وأنهم سيعملون على إفشاله بالتعاون مع كل القوى السياسية الوطنية، ودعوة الجماهير للخروج إلى الشارع ورفض اختطاف الإرادة الشعبية. وطالبوا الرئيس بالتراجع عن مشروعه، ونددوا بما وصفوه محاولة الانفراد بالحكم.
وقد تراجع عدد الأحزاب السياسية والأطراف الأخرى التى سبق أن أيدت قرارات الرئيس فى 25 يوليو 2021 وأنضم بعضهم إلى القيادات النقابية والحقوقية والسياسية بالحراك الشعبى المعارض، ويرون أن ما يجرى فى تونس على مدى الأشهر الخمسة الماضية انقلاب على إرادة ملايين الناخبين الذين شاركوا فى انتخابات أكتوبر 2019. وقد عارضت عبير موسى زعيمة الحزب الدستورى الحر، الحوار المجتمعى عبر منصات إلكترونية، ولوحت بمحاكمة أعضاء الحكومة الحالية بتهمة استغلال مؤسسات الدولة ووزارة تكنولوجيا الاتصال لخدمة مشروع سياسى وانتخابى خاص، وتقصد بذلك مشروع الرئيس قيس سعيد.
كما تشكلت ائتلافات مدنية وجبهات معارضة أبرزها «حركة مواطنون ضد الانقلاب» وتضم عددا من الوزراء السابقين، وعبدالرءوف بالطبيب المستشار السابق للرئيس قيس سعيد، ورضا بالحاج: المستشار السابق للرئيس السابق السبسى، وعدد من المحامين وأساتذة الجامعات والشخصيات العامة. ويلقون دعما من حركة النهضة «وحزب قلب تونس، وحراك تونس الإرادة» بزعامة الرئيس السابق المنصف المرزوقى الذى يعيش فى الخارج وصدر حكم بسجنه أربع سنوات فى 23 ديسمبر2021 وهو ما أشعل حماس الحراك الذى يترأسه ومؤيدوه واعتبروا أنه حكم سياسى. كما طالبت قيادات الكتلة الديمقراطية المعارضة قيادات الجيش والأمن بالامتناع عن تنفيذ أوامر الرئيس قيس سعيد، وهو ما اعتبر دعوة للتمرد، كما أعلنوا عن تأسيس «تنسيقية للأحزاب الديمقراطية» تضم التيار الديمقراطى، والحزب الجمهورى، والتكتل من أجل الديمقراطية.
وقد طالب رئيس نقابة التجار والصناعيين وأرباب المؤسسات الخاصة بتعليق الإضرابات ومراعاة الظروف الصعبة التى تمر بها الشركات الخاصة لأسباب عديدة سواء الأزمة الاقتصادية، أو المضاعفات السلبية والخطيرة لجائحة كورونا.
•••
ويتوقع خبراء اقتصاديون وماليون ألا يقدم البنك الدولى، وصندوق النقد الدولى، والصناديق العربية والأفريقية، مساعدات لتونس أو قروضا قبل أن تعلن القيادة التونسية بوضوح عن استئناف المسار الديمقراطى والبرلمانى، وتنخرط فى إصلاحات أساسية لمشروع الموازنة التى لم تعلن حتى الآن، بما فى ذلك تخفيض إجمالى الأجور، وهو ما يلقى معارضة قوية من الاتحاد العام للشغل (العمال).
وأعلنت المعارضة أنهم مستمرون فى الخروج إلى الشوارع والاحتجاجات حتى 14 يناير 2022 ذكرى سقوط نظام الرئيس زين العابدين بن على والانطلاق لتحقيق أهداف ثورة الياسمين التى بدأت فى ديسمبر2010.
ويلاحظ أن حالة الانقسام السائدة فى تونس تتسم بالسلمية حتى الآن، ذلك لحرص كلا الطرفين المعارضين والمؤيدين على تجنب الصدامات الحادة آخذين فى الاعتبار عدة عوامل منها أن مدة العام التى حددها الرئيس لتنفيذ برنامجه ليست طويلة، كما أنها ستنتهى بإجراء انتخابات برلمانية. ولكن ما يقلق المعارضة هو ماذا ستكون عليه التعديلات الدستورية، وقانون الانتخابات اللذين يعدهما الرئيس قيس سعيد. وهل سيتضمن قانون الانتخابات الجديد مواد تحول دون دخول بعض الأحزاب والكتل السياسية الانتخابات على ضوء ما يوجهه الرئيس إليها من اتهامات بتلقى دعم خارجى ومخالفة القانون، إلى جانب رؤيته لها بأنها قد تجاوزها الزمن. إن عام 2022 سيكون عاما مليئا بالاحتقان فى تونس وحالة من الترقب لما سيسفر عنه تطبيق برنامج الإصلاح السياسى الذى أطلقه الرئيس قيس سعيد، وما أحدثه من انقسام، لن يهدأ حتى ترضى المعارضة وتحدث انفراجه، أو تضطر لقبول ما يريده الرئيس ويبقى الانقسام والاحتقان قائمين.
رخا أحمد حسن عضو المجلس المصري للشئون الخارجية وعضو الجمعية المصرية للأمم المتحدة.
التعليقات