حديث الدوحة والدوخة - أحمد ماهر - بوابة الشروق
الإثنين 5 مايو 2025 10:37 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

حديث الدوحة والدوخة

نشر فى : الأحد 29 مارس 2009 - 8:37 م | آخر تحديث : الأحد 29 مارس 2009 - 8:37 م

 مع اقتراب قمة العرب فى الدوحة، تكثر التكهنات والتوقعات والتخوفات.

ولعل أول التخوفات هو ألا يلتئم الجمع وأن يتغيب بعض الرؤساء عن الاجتماع لأسباب قد يكون لها ما يبررها فى ظروف مختلفة تسمح بالاستسلام لنوازع الغضب المبرر أو غير المبرر، أو لاعتبارات الشك فى بعض النوايا، أو لحسابات تأتى إلى السطح تكون من هواجس تنتمى إلى تجارب سابقة تجددت مواجعها، ولكنى فى الحقيقة مقتنع ومؤمل فى أن يحضر الجميع مستعدين لفتح صفحات جديدة، لعل تباشيرها بدت فى لقاءات المصالحة الأخيرة التى ظن البعض أنها لن تتحقق، وفى قرار يبدو أنه اتفق عليه من عدم دعوة شخصيات غير عربية قد يُرى فى حضورها نوع من التحدى وإزكاء نيران من المؤمل بالعكس أن نستطيع إطفاءها. فى الوقت الملائم غير البعيد.

أقول هنا لأن الظروف التى تمر بها الأمة العربية تقتضى أن يصدر عن الدوحة موقف عربى قادر على أن يستفيد من إيجابيات تبدو فى الأفق واعدة يجب أن نساعدها على أن تبزغ، ومن سلبيات لا يجوز أن نترك لها المجال لكى تعيث فى الدنيا مزيدا من الفساد والعطن.

وقد سبق أن أبديت قلقى من بعض إشارات فى الموقف الأمريكى، بدا وكأنها تنفى مشاعر بحسن نوايا الإدارة الأمريكية الجديدة، ومن ذلك قصة السفير الأمريكى السابق فريمان الذى اضطرته الدعاية السوداء للوبى الصهيونى إلى أن يسحب ترشيحه لمنصب مهم فى جهاز المخابرات، ومن ذلك أيضا بعض تصريحات ومواقف لوزيرة الخارجية هيلارى كلينتون، ومن نشاط بعض القوى الصهيونية المتعصبة فى الولايات المتحدة، ولكنى ألاحظ فى مقابل ذلك عوامل إيجابية من المهم أن نسجلها ثم نفكر فى كيفية الاستفادة منها، ولعل من بينها تصريحات كثيرة صدرت عن مسئولين وأصحاب الرأى تنتقد تصرفات إسرائيل فى غزوها غزة التى تتناقض مع القانون الدولى وقوانين الحرب كقتل المدنيين وتدمير المنازل وهو ما اعترف به عدد من الجنود الإسرائيليين أنفسهم وقد جاءت بعض تلك الانتقادات من هيلارى كلينتون نفسها، كما جاءت فى تصريحات لممثلين للأمم المتحدة، وقد أوردت الصحف الإسرائيلية تقريرا داخليا لوزارة الخارجية الإسرائيلية أثناء العدوان على غزة جاء فيه «أن الليبراليين والديمقراطيين فى الولايات المتحدة قد تناقص كثيرا حماسهم لإسرائيل وقيادتها»، وفيما يتعلق بقيادة إسرائيل فإن تشكيل الحكومة برئاسة نتنياهو وعضوية ليبرمان وزيرا للخارجية رغم مواقفه التى تتصف بالعدوانية والروح المعادية لسلام حقيقى، وعضوية باراك الذى عارضت مشاركة حزبه أقلية كبيرة من حزب العمل، كل هذا يدل على أن الحكومة القادمة تأتى وقد تخلصت من كل أقنعة السلام التى كان يدعى بعض هؤلاء الساسة الإسرائيليين أنهم «يريدونه ولكنهم لا يجدون شريكا عربيا لهم فى البحث عنه»، رغم أن العرب لهم موقف واضح وإجماعى يحدد مقتضيات السلام التى تتفق مع القانون الدولى وقواعد العدل والشرعية.

وإذا كان البعض يحاول التبرير بأن الحكومة الجديدة ستلتزم بكل القرارات السابقة حول الدولتين حتى إذا كان بعض أعضائها لا يلتزمون ذلك فإن هذه حجة من الغريب أن يقبلها البعض من إسرائيل، بينما رفضوها من حماس حين قبلت أن يتولى أبومازن التفاوض على أن تعرض نتيجة المفاوضات على استفتاء شعبى تلتزم به حماس حتى إذا لم تكن قبل ذلك قد أعلنت قبولها للشروط التى حاول الغربيون فرضها عليها مقدما حتى يعتلوا عضويتها فى حكومة ائتلافية.

ومن العلامات الأخرى الرسالة التى سبق أن نشرها فى نوفمبر الماضى عدد من الشخصيات الأمريكية منهم بول فوكر الاقتصادى المعروف الذى أصبح مستشارا للرئيس أوباما وبرنت سكوكروفت وبرجنكسى ورئيس البنك الدولى السابق ولفنستون والسيناتور السابق هيجل وعضو مجلس النواب السابق لى هاملتون وممثل الولايات المتحدة، السابق فى الأمم المتحدة بيكرنج وآخرون وتضمن نقاطا مهمة منها:

1ـ ضرورة تحرك الولايات المتحدة فى اتجاه إقامة دولتين فى فلسطين على أساس خطوط 4 يونيو1967مع إمكانية إجراء تعديلات طفيفة متبادلة فى الأراضى باتفاق الطرفين على أساس التساوى.
2ـ التسوية على الأسس التى سبق أن وافق عليها الطرفان وهى 242، 338 واتفاق أوسلو وخطة الطريق وتفاهمات أنابوليس.
3ـ تصبح القدس مكانا للعاصمتين.
4ـ اتخاذ موقف أكثر واقعية من حماس ومن فكرة تشكيل حكومة فلسطينية للوحدة الوطنية، على أساس أن إبعاد حماس وعزل غزة يدعم فى الواقع «حماس» ويضعف «فتح»، وأن الهدف يجب أن يكون تشجيع حماس على تعديل مواقفها وليس إزاحتها.

هذه الآراء لشخصيات مهمة بعضها قريب من الحكم الحالى، بالإضافة إلى الانتقادات الشديدة لتصرفات إسرائيل أثناء عدوانها على غزة واستخدامها أسلحة ممنوعة وغير ذلك مما ذكرناه وذكره آخرون.
كل ذلك يجعل الفرصة متاحة، إذ تجاوز العرب فى اجتماع الدوحة الذى سيكون قد بدأ عند نشر هذا المقال، خلافاتهم وركزوا على الأساسيات وهى استغلال الفرصة لتحريك الولايات المتحدة والعالم فى اتجاه إيجابى، ودعم الجهود المصرية ــ وأى جهود أخرى خيرة ــ لمصالحة فلسطينية حقيقية تتيح الاستغلال الأمثل لكل العوامل التى أشرنا إليها «كشف النوايا الإسرائيلية العدوانية، وإمكانات تحرك موقف أمريكى فى اتجاه قابل للاستفادة منه..» فى سبيل دفع الأمور فى الاتجاه الصحيح وهو أمر فى النهاية من مصلحة كل الدول العربية بلا استثناء دون حاجة إلى تنابذ بالألقاب بل على أساس تنافس خيّر يرحب عند الحاجة بتقاسم الأدوار، يشكل فى النهاية سيمفونية وليس هذه النغمات النشاز التى نستمع إليها آسفين ومشفقين على ما قد تؤدى إليه من إشاعة أو تدعيم اليأس والقنوط بين شعوبنا.

أحمد ماهر  وزير خارجية مصر الأسبق
التعليقات