100 يوم لترامب: فوضى سياسية واقتصادية وتراجع داخلى - خالد أبو بكر - بوابة الشروق
الأربعاء 30 أبريل 2025 12:29 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

100 يوم لترامب: فوضى سياسية واقتصادية وتراجع داخلى

نشر فى : الثلاثاء 29 أبريل 2025 - 7:35 م | آخر تحديث : الثلاثاء 29 أبريل 2025 - 7:35 م

بعد 100 يوم على انطلاق ولايته الثانية، يواجه الرئيس الأمريكى دونالد ترامب واقعًا مختلفًا تمامًا عن الصورة التى رسمها لحكمه. فبدلاً من تسجيل إنجازات مبكرة، اصطدمت وعوده الكبرى بعقبات داخلية وخارجية، وانعكست قراراته على شكل توتر دبلوماسى، ارتباك اقتصادى، وانتقادات واسعة حتى من داخل الحزب الجمهورى. سياساته تجاه أوكرانيا وغزة، وحرب الرسوم الجمركية، وحملات الترحيل المثيرة للجدل، كلها ساهمت فى تراجع شعبيته إلى أقل من 40%، وفق استطلاعات حديثة، وهو أدنى مستوى لرئيس أمريكى فى مثل هذه المرحلة منذ عقود.
فى السياسة الخارجية، تصدّر مقترحه بشأن غزة جدول الانتقادات الدولية. فقد طرح ترامب فكرة تحويل القطاع إلى منطقة سياحية فاخرة على ساحل المتوسط، عبر إعادة توطين سكانه فى دول مجاورة، متجاهلًا تعقيدات الصراع وحقوق الفلسطينيين الأساسية. ورغم ما ادّعته الإدارة من نوايا تنموية، قوبل المقترح برفض واسع من قوى دولية كبرى، وأثار استياءً شديدًا فى العالم العربى والإسلامى؛ حيث أعلنت مصر بشكل صريح رفضها لأى خطة تتضمن تهجير الفلسطينيين عبر حدودها.
الاتحاد الأوروبى بدوره حذّر من أن هذا الطرح يمس جوهر القانون الدولى، بينما رأت أطراف أخرى فى المقترح محاولة لتصفية القضية الفلسطينية لا لحلّها. وبينما دعمت إدارة ترامب حكومة بنيامين نتنياهو دون تحفظ، تراجعت صورة واشنطن كوسيط نزيه فى الصراع.
• • •
فى أوكرانيا، تعهّد ترامب خلال حملته الانتخابية بإنهاء الحرب فى غضون 24 ساعة من توليه المنصب. لكن الواقع أثبت صعوبة تحقيق هذا الوعد. فقد تبنّت إدارته خطابًا ميالًا لموسكو، وشكك الرئيس فى مشروعية توسع حلف الناتو شرقى أوروبا، معتبرًا أن كييف تتحمل جزءًا من مسئولية النزاع. وقد رأى البعض فى هذا الموقف محاولة لتقارب مع روسيا على حساب وحدة الأراضى الأوكرانية.
غير أن تصعيد روسيا لهجماتها مؤخرًا، وتسجيل انتهاكات بحق المدنيين، دفع ترامب إلى مراجعة موقفه. وفى خطوة لافتة، أعلن عزمه دراسة فرض عقوبات جديدة على موسكو، مؤكدًا أن صبر واشنطن «له حدود». هذا التبدّل فى الخطاب، وإن جاء متأخرًا، يعكس حجم التحديات التى تواجه إدارة تسعى إلى تقديم نفسها كصاحبة الحلول، لكنها تصطدم بتعقيدات الواقع الجيوسياسى.
• • •
اقتصاديًا، كانت الرسوم الجمركية التى فرضها على الصين ودول أخرى من أكثر قراراته إثارة للجدل. أعلن «يوم التحرير التجارى» وفرض ضرائب تصل إلى 145% على سلع أجنبية، ما أدّى إلى اضطراب الأسواق وارتفاع الأسعار. ردّت الصين برسوم انتقامية، وضربت صادرات أمريكية فى قطاعات حساسة، بينما جهّز الاتحاد الأوروبى قوائم رسوم مضادة استهدفت منتجات زراعية وصناعية.
تحت ضغط الأسواق وتذمّر الشركات الكبرى، تراجع ترامب جزئيًا عن بعض هذه الرسوم، وفتح باب التفاوض مع شركاء تجاريين رئيسيين. لكن الضرر كان قد وقع، مع تراجع ثقة المستثمرين، وتسجيل المؤشرات الاقتصادية أدنى مستوياتها منذ الجائحة، بينما بدأت بعض الشركات الأمريكية فى تسريح موظفين أو خفض الإنتاج.
• • •
داخليًا، وسّعت إدارته حملات الترحيل، وأطلقت عمليات أمنية واسعة ضد المهاجرين، بعضها تم دون إجراءات قضائية كافية. من أبرز الحالات التى أثارت ضجة إعلامية وقانونية، ترحيل شاب من ولاية ميريلاند إلى السلفادور عن طريق الخطأ، رغم قرار قضائى بإعادته، فى تحدٍّ غير مسبوق لحكم المحكمة العليا.
كما وسّع ترامب من نفوذه على مؤسسات الدولة، عبر تقليص أدوار الوكالات المستقلة وتعيين شخصيات مقرّبة فى مواقع تنفيذية، بالتوازى مع إطلاق «وكالة كفاءة الحكومة» DOGE بقيادة إيلون ماسك، التى سرّحت آلاف الموظفين، ما أثار مخاوف من تآكل الجهاز البيروقراطى المحايد.
ختامًا، تُظهر المائة يوم الأولى من ولاية ترامب الثانية أن ما يحرك إدارته ليس الرغبة فى التهدئة أو البناء التدريجى، بل السعى لفرض تصورات أحادية ومباشرة فى ملفات معقدة. والنتيجة حتى الآن: اضطراب على الساحة الدولية، انقسام داخلى، وتراجع شعبيته إلى مستويات غير مسبوقة لرئيس فى مثل هذه المرحلة. وبينما يؤكد أن «كل شىء يسير وفق الخطة»، يبدو العالم من حوله أقل اقتناعًا وأكثر قلقًا.

التعليقات