أنا حرة - محمود قاسم - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 3:09 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أنا حرة

نشر فى : الجمعة 29 يوليه 2022 - 6:45 م | آخر تحديث : الجمعة 29 يوليه 2022 - 6:45 م

السينما هى واقع الحياة، خاصة فى الأفلام الجادة التى تناقش المشكلات الحقيقية وتكشف مدى التناقض الذى نعيشه مهما مرت الأزمنة، وهناك اختلاف واضح فى التفاصيل بين مصير البطلة فى رواية «أنا حرة» وبين حياة الفتاة فى الفيلم، والآن بعد أكثر من ستين عاما فإن هناك تفاصيل صغيرة تعكس النظرة الرجعية لصناع الفيلم، فقد وضع الفيلم أبناء الطبقة المتعلمة الثرية فى خانة الخارجين عن المألوف ولن أقول الأشرار، بالإضافه إلى النظرة السيئة للفتاة التى تنشد الاستقلالية، فقد صور لنا الفيلم أن الشباب الذين يتعلمون فى مدارس راقية هم الأسوأ، يتسمون بالسطحية والتفاهة ويهتمون بأمور الرقص واللهو، ومن خبرتى الحياتية فهؤلاء الشباب الذين ينتمى اليهم إحسان نفسه هم الأكثر جدية وثقافة وانتماء، وهم الذين قادوا المناصب الكبرى طوال القرن العشرين، وقد نظرت الأغلبية إلى أمينة على أنها فتاة ضالة مارقة وربما تكون كافرة؛ لأنها آمنت باستقلاليتها فى مثل هذا المجتمع المغلق، ما دفع بأحد المصححين لدى دار نشر إلى إضافة كلمات وعظية تحذيرية حول أمينة فى نهاية سطور الرواية، يبلغ فيها أن العاشقين قد ذهب إلى مصير مظلم كاختيار للحرية بدل من الانصياع لقانون المجتمع.
فى الرواية عاشت أمينة فى بيت عباس دون اقتران رسمى ودون التزام بأى شروط للزواج، أما الفيلم فقد تحول إلى حالة من الوعظ الوطنى بأن الصحفى صار معارضا للاحتلال البريطانى ونادى بالثورة (لم يكن لفظ الثورة مألوفا بين المثقفين قبل 1952).. أحست أمينة أن حريتها فى أن تكون سجينة فى المعتقل من أجل قضية سياسية، وتزوجت من حبيبها وكلاهما خلف الجدران كى تنتهى الأحداث ليلة قيام ثورة يوليو، هكذا كانت الأفلام تتحدث عن الوطنية، وهكذا تغيرت فى التفاصيل بين الفيلم والرواية.
لا يزال النص السينمائى يلعب دورا فى تأطير الأشخاص، كل منهم ينظر إلى أمينة على أنها صورة بدون إطار، أى بلا ملامح محددة، بينما كل شخص هو معنى واضح لسلوك ما، مثل زوج العمة المتحجر فكريا، خاصة مع ابنه الشاب عاشق الموسيقى، وزوجته التى تفخر دوما أنها تحت طوعه، والغريب أن أمينة قد انقلبت على نفسها بعد أن وقعت فى الحب وصارت ترى أن الحرية التى كانت تؤمن بها لم تعد مقبولة، كأن الفيلم يعترف بأن الحب عبودية لذيذة، وهو أمر غير موجود قى الرواية، ما يعنى أن ما كتبه المؤلف نبراس للباحثات عن الحرية وأن صلاح أبوسيف حوّل الفيلم إلى ما يشبه وجهة نظر المصحح الملتزم، والغريب أن الامر نفسه تكرر بعد سنوات فى فيلم «الحب قبل الخبز أحيانا» عن الرواية للكاتبة السورية سلمى شلاش، فقد عاشت الفتاة مع حبيبها دون زواج وفيما بعد لجأت إلى بيت اختها المتزوجة من رجل لا يختلف كثيرا عن زوج العامة وقد وضعت الوشاح على رأسها.
نحاول إعادة رؤية الافلام بالمنظور الذى قدمناه ونحن نتابع ما يعج به المجتمع من أفكار وسط تلاطم الصدام بين أطراف الفكر، ولكن العصر تغير فيما سبق كان النقاد، وأغلبهم تقليدى، هم أصحاب الآراء العليا حول الأفلام، أما الآن فـإن أغلب القراء صارت لهم آراء متباينة، لكن رغم تكرار عرض هذه الأفلام فى وسائل البث فإن أحدا لم يحمّل نفسه جهدا بسيطا لتعديل وجهة نظره فى أفلام يجب مشاهدتها وإعادة الكتابة عنها بما يتفق مع وجهات نظر غير تقليدية.

التعليقات