الإنسان ذلك المعلوم 20- «وَ إِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ» - جمال قطب - بوابة الشروق
الأربعاء 24 أبريل 2024 9:45 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الإنسان ذلك المعلوم 20- «وَ إِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ»

نشر فى : الجمعة 30 مايو 2014 - 4:35 ص | آخر تحديث : الجمعة 30 مايو 2014 - 4:35 ص

(1)

يصور الإنسان لنفسه أن من حقه دوام التمتع بالخير المطلق دون أن تصيبه بعض المنغصات، والأغرب من ذلك أنه نادرا ما يشكر نعمة الله عليه، فهو عديم أو شحيح الشكر، كما أنه نافد الصبر، وتلك «دناءة سلوكية» يصِم الإنسان بها نفسه. وها هو القرآن الكريم ينعى على الإنسان هذا السقوط الشنيع المتمثل فى عدم شكره وانعدام صبره. فمهما تكاثرت عليه أفضال الله ونعمه، فهو غافل يعتبر أن استمرار الخير والصحة والعافية حقوق مكتسبة لا تفارقه.

(2)

فهاتان آيتان من القرآن الكريم تشتركان، مقدماتهما واحدة والخاتمة مختلفة، فالمقدمة المشتركة (وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنسَانِ أَعْرَضَ وَنَأى بِجَانِبِهِ..) 51 ــ فصلت و83 ــ الإسراء، فالإنسان دائما معرض (منصرف مولى ظهره) عن شكر ربه لأنه غافل عن الخالق الرزاق الحافظ، فهو لا يذكر ربه ولا يؤدى واجب الشكر له ودائما ما تشغله النعمة وينسى الله الذى أنعم عليه، ويعتاد الإنسان على دوام الصحة والعافية، واستمرار الفضل الإلهى يحوطه حتى يعتبر أن النعمة حق مطلق لا ينبغى لها أن تفارقه، ويتمادى فى نسيانه حتى إذا مسه النقص فى المال أو الصحة إلخ فإذا به على حافة اليأس متصورا انقلاب الميزان أو متشككا فى العدل الإلهى، هكذا تعبر آية الإسراء (...وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَؤُوسا) !!

(3)

والآية الأخرى ترسم صورة الإنسان «المتوتر فاقد التوازن»، فهو يعايش النعم شهورا وسنوات ولا يشكر، ولا يرى منه تقدير للمنعم، ورغم أنه بقى سنوات غافلا عن الشكر الفعلى أو القولى فها هو سريع الشكوى دائم الدعاء والإلحاح، (...وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاء عَرِيضٍ)، دعاء يمتد طولا وعرضا، مع نفسه ومع الناس. فهذا اعتراف منه بالقصور والغفلة، فالإنعام الدائم المتجدد لا يشكر، أما الشر الطارىء فهو معلن مرفوع مشفوع بالدعاء. أليس أولى بك أيها الإنسان أن تجدد شكرك لربك؟! ألم يكن أولى بك ترويض نفسك على ذكر ربك ونعمه عليك؟! (..وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ..) وأن تتذكر وتذكر فضله المتجدد عليك فى الصحة والمال والأهل والأصحاب (..إِنَّ فَضْلَهُ كَانَ عَلَيْكَ كَبِيرا)

(4)

وتأتى آية ثالثة 12ــ يونس تبين اتساع عرض دعاء الإنسان عند البلاء، فترى المبتلى كثير الدعاء فى كل أحواله (وَإِذَا مَسَّ الإِنسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنبِهِ أَوْ قَاعِدا أَوْ قَآئِما..) هكذا يدعو اثناء الاضطجاع وأثناء القعود والجلوس، وقياما ووقوفا، فى جميع يقظته يدعو ملحا...

أليس عجيبا أن يتواصل الدعاء ساعة البلاء وينقطع الدعاء (ذكرا شكرا) ساعة الرخاء؟ّ

وتصف الآية ذلك المتغافل (...فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَن لَّمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَّسَّهُ..) ما هذا التعالى والتغافل والتناسى؟

(5)

ويستسلم الإنسان الغافل للشيطان ولنفسه الأمارة بالسوء، فيسقط هاويا فى «ظلام الكفر»، فيتحول اليأس إلى قنوط (شدة اليأس وتشابك خيوطه) فيعجز القانط عن رؤية نور الصبر وضوء الرضا.. فينزلق من القنوط إلى الكفر، هكذا يحذرنا القرآن فى ثلاث آيات :-

(..وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَؤُوسا ) فها هو يائس

(..وَإِن مَّسَّهُ الشَّرُّ فَيَؤُوسٌ قَنُوطٌ ) ثم يتحول قانطا

(..ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ ) فيتردى كافرا

(6)

ثم تجيء آية أخرى تختصر وصف المتغافل (وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ) نعم إنه غافل يحب دوام الصحة والعافية، ولا يستعملهما فى طاعة الله ولا فى نفع الناس.

نعم إنه غافل يحب كثرة المال وامتداده وتنوعه، ويشح به على أصحاب الحق المعلوم وعلى ذوى القربى وعلى ميادين الإعمار والإنتاج والإثمار.

نعم إنه غافل يحب دوام السلطة والسلطان واتساع نطاقهما ولا يتحرى العدل مع من حوله، كما يعشق طاعة من تحته وينسى حقوق من فوقه، بل ينسى من هو فوق الخلق أجمعين.

هل تتحقق إنسانية الإنسان رغم غفلته وتغافله عن حقوق ربه وذكره؟!

فماذا يبقى من إنسانية الإنسان إذا استمر غافلا عن شكر ربه متمردا على الابتلاء؟!

جمال قطب   رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر الشريف
التعليقات