خواطر لندنية - محمد الهوارى - بوابة الشروق
الأحد 28 أبريل 2024 2:40 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

خواطر لندنية

نشر فى : الجمعة 30 يونيو 2023 - 7:05 م | آخر تحديث : الجمعة 30 يونيو 2023 - 7:05 م

أخذتنى ظروف العمل الشهر الماضى إلى العاصمة البريطانية بعد انقطاع دام حوالى أربع سنوات بسبب الكوفيد اللعين. فلم أكن أنقطع أكثر من بضعة شهور عن لندن التى كانت ومازالت، بحد أقل بعد البريكزيت، بمثابة قبلة للعاملين فى مجال التمويل والاستثمار. ولندن بالنسبة لى تمثل عشق ما بعد النضوج، فكانت فرنسا هى عشقى الأول بحكم تعليمى فى مدرسة الجزويت الفرنسية العريقة فى قلب القاهرة النابض. لكن مع الوقت وجدتنى أفضل تمضية الوقت فى لندن وأتحين فرصة السفر إليها لظروف العمل لكى أسترق أياما أقضيها مع الأصدقاء الكثيرين الذين اتخذوا منها مقرا لهم على مدار السنوات.
وقد انتهزت فرصة الزيارة لاكتساب رؤية لما يحدث على أرض الواقع مقارنة بما أطالعه من الأبحاث التى أتابعها باستمرار والتى أعتمد عليها لاتخاذ قرارات الاستثمار فى أوروبا. وسأسرد هنا أهم الخواطر التى خرجت بها من الزيارة:
١ــ الأصدقاء الذين يزورون المدينة بصفة مستمرة كانوا ينقلون لى انطباعا أن لندن تعانى من شبه ركود تسبب فى اختفاء عدد كبير من المحال الشهيرة، خاصة فى المناطق المهمة فى وسط المدينة؛ مثل شارع أكسفورد والمنطقة المحيطة به. والحقيقة أننى وجدت أن ذلك غير دقيق. بالطبع هناك بعض المحال التى اختفت من الوجود خاصة الصغيرة منها، ولكن تقريبا كل المحلات الكبيرة مازالت فى مكانها وتعمل بقوة. حتى مع إلغاء الحكومة الإنجليزية ميزة استعادة ضريبة القيمة المضافة للزائرين مازالت المحلات تعمل بطاقة مضاعفة ترهق العاملين بها.
٢ــ عدد السياح أيضا مذهل خاصة من الولايات المتحدة الأمريكية. ويبدو أن عشرات الآلاف من السياح الأمريكيين الذين قاموا بإلغاء إجازاتهم إلى أوروبا بسبب الحرب الروسية الاوكرانية العام الماضى قرروا تمضية إجازاتهم هذا العام بأعداد مضاعفة فى أوروبا وخاصة فى الأراضى الانجليزية.
٣ــ أكدت هذه الملاحظات ما كنا نشك فيه فى الأسابيع القليلة الماضية من حيث تأثير رفع أسعار الفائدة على التضخم العالمى. ففى أسوأ الأحوال سيستمر التصخم فى الارتفاع، وفى أفضل الأحوال سيستقر التضخم عند مستوى أكثر ارتفاعا مما ترتاح له البنوك المركزية. وبالتالى ذلك يعنى أن مهمة البنوك المركزية أبعد ما يكون عن الانتهاء، وبالتالى سياسات التشديد النقدى ستستمر إلى أن يحدث انكسار حقيقى للتضخم. تأمل البنوك المركزية فى ما يسمونه بالهبوط الهادئ soft landing وهو تباطؤ الاقتصاد العالمى بدون الدخول فى ركود يتسبب فى ارتفاع مستوى البطالة. ربما ينجحون، وإن كنت أشك فى ذلك. ولكن الأكيد أنهم يجب أن يبطئوا من النشاط الاقتصادى العالمى لدرجة ستجعل الاقتصاد يبدو كأنه فى ركود حتى وإن لم يدخل فى ركود بالتعريف التقنى للكلمة. والحقيقة ان مستوى قوة القطاع الخدمى بالذات يجعلنى شبه متأكد من وجوب حدوث ركود فى أغلب الدول المتقدمة لتبطئ وتيرة التضخم. أما آمال الهبوط الهادئ فوصفها «لارى سامرز» وزير الخزينة الأمريكى الأسبق بأنها انتصار للأمل فوق الخبرة، فالواقع يقول ــ كما أتوقع ــ إن «فرامل» الاقتصاد تحتاج إلى أن تعمل بقوة أكبر وإلا سيكون الثمن هو خروج معدلات التضخم عن النطاق الطبيعى مما يعنى اختفاء الثقة فى قدرة البنوك المركزية على كبح جماحها وبالتالى تصبح المشكلة متأصلة ويصعب التخلص منها.
٤ــ مع تكرر الزيارات أصبحت عندى طقوس للزيارة اللندنية ودائما ما تمر بمسارح لندن وهى تجربة فريدة من نوعها أجدها حتى أكثر متعة من مسارح برودواى فى نيويورك. وسؤالى هنا هو ماذا حدث للموسم المسرحى المصرى؟ فى صبانا كانت زيارة السائح العربى بالذات إلى مصر بها أيضا عدد من الطقوس منها ارتياد مسرحيات فى خضم موسم مسرحى غنى شتوى وصيفى. فهل اختفاء هذا الموسم انعكاس لضحالة الحالة الفنية أم هو انعكاس لضحالة التجربة السياحية فى مصر بعد أن تم اختصارها فى بعض المطاعم والكافيهات أم هو شىء آخر؟ خسارة أن نفقد ميزة كانت مصر تنفرد بها فى هذه البقعة من العالم.
٥ــ تبقى لندن قبلة لرءوس الأموال من الدول النامية. سألنى صديقى كيف تبقى إنجلترا عامة ولندن خاصة فى حالة جيدة حتى فى ظل ظروف اقتصادية صعبة. قلت له إن السبب أن أغنياء دول العالم الثالث لديهم تسلسل فى حفظ ثرواتهم. يبدأ من فتح حسابات خارج بلادهم فى دول أوروبية وفى نفس الوقت يشرعون فى شراء محفظة استثمار عقارية فى بلادهم. أما الخطوة التالية فغالبا ما تكون شراء منزل فى لندن. ولذلك فأسعار المنازل هناك تظل شديدة الارتفاع مهما كانت الظروف. هى أيضا مكان جاذب للاستثمار لما لها من ثقل اقتصادى وجاذبية تاريخية وثقافية. هى جاذبية استطاعت الخبرات الإنجليزية أن تنقلها بدرجات متفاوتة إلى دبى وهونج كونج وسنغافورة وكلنا أمل أن نرى مصر فى يوم من الأيام تتبوأ نفس المكانة فى خريطة الاستثمارات العالمية.

محمد الهوارى مدير صناديق استثمار دولية
التعليقات