الإنفلونزا إذا هجمت! - سلامة أحمد سلامة - بوابة الشروق
الأربعاء 8 مايو 2024 11:15 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الإنفلونزا إذا هجمت!

نشر فى : الأحد 30 أغسطس 2009 - 9:23 ص | آخر تحديث : الأحد 30 أغسطس 2009 - 9:23 ص

 بدأت إنفلونزا الخنازير تقرع الأبواب بشدة. ومتأخرة، ومتأخرة جدا استيقظت الدولة على أن الإهمال والقذارة والتلوث والذى تركته يرعى فى كل اتجاه منذ سنوات، مع تضارب السياسات والاختصاصات قد مهد الأرض للأوبئة والجوائح التى تأتى من الداخل والخارج.. من الداخل بعد أن اكتشفنا أننا نعيش على مياه المجارى ونتنفس من هوائها ونأكل من ثمارها. وأن شبكات الصرف قد اختلطت بشبكات الشرب.. ومن الخارج بعد أن تسللت فيروسات الإنفلونزا أولا من الطيور ثم من الخنازير، ونخشى أن تكون قد تحورت لتنتقل من الإنسان إلى الإنسان.

فى بلاد العالم المتقدمة لا يشعر الناس بالجزع والفزع الذى ينتابنا هنا إزاء الزحف المنظم للإنفلونزا.. على الرغم من أن عدد الإصابات عندهم يتجاوز عدد ما يقع عندنا.

ولكن هذه الإصابات ــ عندهم ــ تكون خفيفة بفضل اللقاحات التى تتاح للجميع فى الوقت المناسب، يتعافى منها المصابون بعد أيام قليلة من الراحة، والابتعاد عن الزحام، والخروج إلى الهواء النقى، والالتزام بمبادىء الصحة العامة والنظافة فى أبسط صورها وهى غسل الأيدى كلما أمكن.

نحن فى مصر سوف نواجه أزمة وباء الإنفلونزا الذى أنذرت منظمة الصحة العالمية قبل أيام بأنه هذه المرة سيكون أقسى وأشد فتكا من المرات السابقة.. نواجهه بإصدار مزيد من التشريعات التى لن تنفذ، تشريعات لمكافحة «التلوث» بعد أن ظهر أن البيئة المصرية بلغت درجة التشبع.

ويبدو أن أحدا من الجالسين فى القرية الذكية أو مجلس الوزراء أو فى مقاعد المحافظين لم يخطر بباله أن جبال القمامة التى تملأ الشوارع، مثلها مثل انهيار شبكة المجارى ومياه الشرب، وإلقاء المصانع بمخلفاتها من النفايات الكيماوية والسموم فى نهر النيل واستخدام مياه الصرف فى زراعة الخضروات والفواكه.. كلها منظومة واحدة متكاملة من عقلية القذارة والعفن التى تسكن الجهاز الحاكم والذى يؤدى إلى الانتهاك اليومى لكرامة الإنسان المصرى والنيل من عافيته وقدرته على مقاومة الأمراض والأوبئة المتوطنة والوافدة.

وأى تشريع يصدر لعلاج جانب دون الآخر سوف يكون تشريعا أعرج لن يفيد إلا فى تفاقم المشكلة.

إن أكبر مصدر للتلوث فى مصر هو الدولة نفسها، ومن بين جميع الدول العربية تكاد مصر أن تكون الوحيدة التى تمتلىء شوارعها بالزبالة، والتى عجزت عن إيجاد نظام مستقر لنظافة البيوت والشوارع سواء عن طريق الجهود الأهلية أو عن طريق شركات وطنية أو أجنبية للنظافة.. وبينما تتحول المخلفات والنفايات فى جميع دول العالم إلى صناعة مربحة بعد تدويرها وفرزها تترك السلطات المحلية أكثر من 15 ألف طن من زبالة القاهرة مبعثرة.. القليل منها تنقله عربات النظافة إلى مدافن على مشارف القاهرة، والجزء الأكبر يتناثر ويتكوم فى الشوارع والأزقة.

وكانت أزمة إنفلونزا الخنازير التى فشلت الحكومة فى معالجتها، هى السبب فى مضاعفة جبال القمامة فى شوارع القاهرة أخيرا. ونحن نشهد الآن ما يمكن أن نسميه «انتقام الخنازير».

فقد أقدمت الحكومة على قرار من أغبى القرارات، حين ظنت أن التخلص من عدة آلاف من الخنازير التى تحيا فى تجمعات الزبالين حول القاهرة، سوف تقضى على خطر الإنفلونزا، علما بأن فيروس الإنفلونزا ينتقل فى الأغلب من الإنسان إلى الإنسان. وكانت النتيجة أن قضت الحكومة على مصدر رزق عدة آلاف من الزبالين الذين كانوا يجمعون الزبالة من البيوت، ويقومون بفرزها وإطعام الخنازير منها.. الآن وبعد هلاك قطعان الخنازير يقوم جامعو القمامة بإلقاء ما يجمعونه من المنازل فى الشوارع، ويحتفظون فقط بما يمكن إعادة تدويره من الورق والكرتون والبلاستيك والمعادن. وهذا هو تفسير الظاهرة التى تشهدها شوارع مصر حاليا من زيادة معدلات القمامة!.

إن «التلوث» الذى تعكف لجان حكومية على بحث أسبابه وإعداد التشريعات لمكافحته، ليس هو التلوث الذى ضرب كل شىء فى مصر، من البشر إلى الحجر، ومن الحيوانات إلى المزروعات، ومن الماء إلى الهواء.. إنه تلوث النفوس وشيوع الإهمال الذى أصبح من الصعب السيطرة عليه. نتيجة لذلك دبت الخلافات بين وزارتى الزراعة والرى فى أزمة استخدام مياه الصرف فى الرى، كما ضاعت المسئولية عن نظافة القاهرة، بين المحافظة وشركات النظافة وجامعى القمامة.

وما نشهده الآن من تفكك الجهاز الإدارى للدولة وعدم وجود سياسات متجانسة متكاملة فى القطاعات المختلفة، دليل على مدى ما وصل إليه بناء الدولة من تهرؤ وشيخوخة، وحين تدق جيوش الإنفلونزا الأبواب، فلن تكون لدينا بقية من طاقة وقدرة على المقاومة!.

سلامة أحمد سلامة صحفي وكاتب مصري كبير وصاحب آراء ليبرالية قوية وجريئة وبناءة في مسيرة الصحافة العربية. يشغل منصبي رئيس مجلس تحرير جريدة الشروق ورئيس مجلس تحرير مجلة وجهات نظر. هو صاحب العمود اليومي من قريب في جريدة الشروق وكان في السابق نائبا لرئيس تحرير الأهرام.
التعليقات