أيام قليلة تفصلنا عن مرور عام على حرب غزة أو تحديدًا حرب الإبادة التى تشنها إسرائيل على القطاع. وقد وضعت السقف عاليًا فى أهدافها من تلك الحرب التى صارت مستمرة ولكن بوتيرة منخفضة نسبيًا عن ما كانت عليه من قبل. وأخذت إسرائيل بالإعلان عن هدف «أكثر تواضعًا» أو واقعية مقاربة مع أهدافها المعلنة بشأن السيطرة الكلية على القطاع. يتمثل ذلك بإعلان شمال غزة منطقة آمنة وإخراج السكان منها لإحكام السيطرة عليها، بالطبع كمرحلة تدريجية نحو إحكام السيطرة على القطاع بعد «إنهاء أى وجود لحماس». هدف ليس من الممكن تحقيقه بالطبع رغم استراتيجية التدمير الكلى للقطاع.
فى ظل هذا الوضع انتقلت الأولوية الإسرائيلية نحو الشمال؛ نحو الجبهة اللبنانية عبر القصف الموسع والمكثف فى الجغرافيا اللبنانية وإخراج السكان من جنوب الليطانى بشكل خاص، وكذلك استراتيجية القصف «الاستهدافى» المركز لاغتيال القيادات فى حزب الله. سياسة تقوم على أعلى درجات التصعيد المتدرج والذى صار متسارعًا. يواكب هذا التصعيد سياسة حشد الجيش على الحدود مع لبنان. ويزداد الحديث عن سيناريو غزو برى بهدف إقامة منطقة عازلة وآمنة فى الجنوب ضمن مساحة جغرافية محددة على الحدود. شعار لسياسة غير واقعية من حيث نتائجها على المستوى البعيد، كما دلت تجارب الماضى.
فى ظل هذه الحرب المفتوحة فى الزمان والمكان والتكلفة البشرية المتزايدة بشكل خاص يقف لبنان مجتمعا وسلطات أمام تحديات ثلاث أيا كان الرأى فى فعالية وأداء السلطات لأسباب تراكمية. أسباب تعكس الأزمة المتعددة الأوجه والأبعاد التى يعيشها لبنان منذ سنوات. الأزمة التى ازدادت حدتها وتعقيداتها مع الحرب الدائرة منذ عام.
التحدى الأول يكمن فى تعزيز التضامن الوطنى على المستوى الفعلى والعملى وبالتالى الفعال. فهنالك حوالى مليون نازح والعدد قابل للازدياد مع التطورات الحاصلة وفى ظروف اقتصادية واجتماعية صعبة وتزداد صعوبة وتعقيدات كل يوم. وأيًا كانت الخلافات السياسية والعقائدية بين مختلف المكونات السياسية اللبنانية، والتى طبعت الحياة السياسية وكانت لها تداعياتها الكبيرة والمكلفة على مختلف أوجه الحياة الوطنية، فهذه الخلافات يجب أن تبقى تحت سقف التضامن الوطنى كما أشرنا لا أن تكون عائقًا أمام هذا التضامن المطلوب. التضامن الذى يجب ترجمته سياسة وسلوكًا وأفعالًا على الأرض للتعامل الفعال مع الواقع المرير.
التحدى الثانى يكمن فى التحرك مع القوى الدولية الفاعلة والمؤثرة والمعنية بغية التوصل السريع لوقف إطلاق النار. فلم يعد من المجدى والممكن القول إن علينا انتظار وقف إطلاق النار فى غزة للانتقال إلى وقف إطلاق النار فى لبنان خاصة أن إسرائيل ترفض الربط بين الأمرين ولا يعنى ذلك بالطبع القبول بالشروط الإسرائيلية. وللتذكير فإن إسرائيل تلجأ للعبة الشروط فى الدقيقة الأخيرة فى المفاوضات غير المباشرة للتهرب من الالتزام بوقف القتال لأنه يهدد بسقوط الحكومة. المقاربة الواقعية والعملية لوقف الانهيار فى لبنان، ضمن المعطيات السياسية والاستراتيجية التى أشرنا إليها، تكمن فى العمل على مسارين متوازيين لوقف إطلاق النار فى غزة وفى لبنان. ليس ذلك بالأمر السهل ولكنه بالأمر الممكن إذا ما تبلور تفاهم دولى إقليمى حول أهمية الاستقرار فى الإقليم الشرق أوسطى وعدم الذهاب نحو المجهول المكلف للجميع أيًا كانت مواقف هذا الطرف أو ذاك.
التحدى الثالث قوامه أنه حان الوقت للانتهاء من حالة الفراغ والشلل التى تعيشه السلطة فى لحظة تحد وجودى يعيشه لبنان. وبالتالى صار من الضرورى الذهاب نحو ملء الفراغ المكلف والقاتل وانتخاب رئيس يحظى بتوافق وطنى واسع وتشكيل «حكومة مهمة» لإطلاق عملية الإنقاذ الوطنى وللإقلاع بالسفينة اللبنانية فى بحر إقليمى هائج ومناخ من العواصف العاتية القائمة والآتية: مسئولية وطنية يتحملها جميع ركاب السفينة. مسئولية ليست بالسهلة، لكنها بالضرورة إذا ما أردنا إنقاذ السفينة اللبنانية من الغرق حيث الكل خاسر إذا لم ننجح فى هذه المهمة.