نصف العمى... - سلامة أحمد سلامة - بوابة الشروق
الخميس 9 مايو 2024 5:31 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

نصف العمى...

نشر فى : الأربعاء 31 مارس 2010 - 10:03 ص | آخر تحديث : الأربعاء 31 مارس 2010 - 10:03 ص

 بينما كان الشعب المصرى بحكومته وصحفه وإعلامه غارقا فى طقوس عبادة الفرد، والتغنى بأزهى عصور الديمقراطية التى يمثلها الحزب الحاكم، كان الشعب العراقى يحتفل بإنجاز مرحلة جديدة على طريق الديمقراطية وتداول السلطة، بعد خروجه من محنة الحرب والخراب والصراعات الطائفية، والخضوع إما لحكم الاستبداد فى عهد صدام حسين، أو تحت وطأة الاحتلال العسكرى الأمريكى.

ولا يملك المرء نفسه من المقارنة بين ما تحقق من تحول ديمقراطى فى العراق مهما يكن محدودا وما يجرى حولنا من تخبط يثير التساؤلات حول مستقبل الحكم فى مصر، حيث أقصى ما سمحت به أجواء الحرية هو إفساح المجال لأنصار الجمعية الوطنية من أجل التغيير بقيادة البرادعى بالتحرك المحدود إلى جانب بعض الأحزاب السياسية.

هذه المقارنة ضرورية لأن الشعوب التى لا تحرز تقدما على طريق الديمقراطية، مهما يكن محدودا محكوم عليها بالفشل.. وفى النهاية فإن نصف العمى أفضل من العمى كله كما يقال.

ليس من الضرورى أن تكون الانتخابات العراقية مكتملة الأركان ولا عيب فيها، ولكنها على الأقل أطلقت كافة القوى العراقية من قيودها، لتشارك فى العملية السياسية وتعبر عن نفسها فى انتخابات عامة، كسرت احتكار السلطة، وأعادت صياغة المشهد السياسى والاجتماعى.

وأحدثت تغييرا أدى إلى فوز كتلة القائمة العراقية بزعامة إياد علاوى، بأغلبية مقعدين فقط على الائتلاف الذى يرأسه نورى المالكى رئيس الوزراء. ثم جاءت بقية النتائج ممثلة للأحزاب السياسية الأخرى بنسب متقاربة.. فلم يكن هناك حزب حصل على أغلبية 90٪.

وقد جرت هذه الانتخابات دون تدخل من الأمن، أو استبعاد أى فئة أو جماعة واعتقال قياداتها كما يحدث هنا مع جماعة الإخوان الذين يجرى اضطهادهم بصورة وحشية لمنعهم من خوض الانتخابات.

وعلى الرغم من التشكيك فى بعض الممارسات الانتخابية العراقية ــ وهو أمر لا يمكن استبعاده كلية فى بلد يخوض الانتخابات للمرة الثانية فى تاريخه القريب إلا أن عدم فوز المالكى الذى أشرفت حكومته على إجراء الانتخابات، يدل على أن الطعن فى نزاهتها لا ينبغى أن يؤخذ على علاته. وفرق كبير بين وقوع بعض الانحرافات، وبين ما نعرفه فى الانتخابات عندنا من تقفيل الصناديق ومنع الناخبين من التصويت وتزوير بطاقات الانتخاب.

ولا غرابة فى أن تسيطر نتائج الانتخابات العراقية على كواليس القمة العربية المنعقدة فى سرت، ويتمنى بعضهم فشلها، فقد أنجز العراق فى مسيرة التحول الديمقراطى ما لم تنجزه دول عربية كثيرة. وحين يكون ثمة حديث عن الديمقراطية فلا يوجد نظام من بين الـ 22، ولا حاكم منهم حصل على شرعيته بالانتخابات. وأكبر الظن أن العراق قد اجتاز بذلك عقبة صعبة على طريق التطور، وانكسرت أمامه حلقة لم تنجح أى دولة عربية أخرى فى كسرها، وهو ما سوف يجعل الارتداد عن الديمقراطية أمرا بالغ الصعوبة.

لقد أجريت انتخابات العراق برقابة دولية من الأمم المتحدة والجامعة العربية ومنظمات المجتمع المدنى والدولية، ولم يصرخ أحد كما صرخ أعضاء لجنة السياسات فى مصر للتنديد بالرقابة الدولية. وهو ما يعطى الأمل فى أن تحقق التجربة العراقية من الصلابة والاستمرارية ما يمكنها من القدرة على مقاومة الضغوط والتدخلات الخارجية، سواء من أمريكا أو إيران.

ولا يمكن القول بأن العراق قد أكمل بذلك مقومات سيادته واستقراره، فمازال الطريق طويلا أمام انسحاب قوات الاحتلال الأمريكية، والحفاظ على وحدة العراق من التشرذم والتحلل.

سلامة أحمد سلامة صحفي وكاتب مصري كبير وصاحب آراء ليبرالية قوية وجريئة وبناءة في مسيرة الصحافة العربية. يشغل منصبي رئيس مجلس تحرير جريدة الشروق ورئيس مجلس تحرير مجلة وجهات نظر. هو صاحب العمود اليومي من قريب في جريدة الشروق وكان في السابق نائبا لرئيس تحرير الأهرام.
التعليقات