گلاهما مر - أحمد يوسف أحمد - بوابة الشروق
الإثنين 29 أبريل 2024 7:52 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

گلاهما مر

نشر فى : الخميس 31 مايو 2012 - 8:25 ص | آخر تحديث : الخميس 31 مايو 2012 - 8:25 ص

صُدم الرأى العام المصرى كما لم يُصدم من قبل منذ نجحت ثورة يناير فى الإطاحة برأس النظام الحاكم. كانت الصدمات السابقة تتعلق بوقائع حدثت قبل الثورة أو بعدها كتبرئة متهمين بقتل عدد من المواطنين الذين شاركوا فى الثورة، واستشهدوا فى سبيلها. أما هذه الصدمة الأخيرة فتتعلق بنتائج انتخابات رئاسية يُفترض أن تكون استكمالا لمؤسسات الثورة التى ستصنع مستقبل مصر. انقسم المصدومون فريقين أولهما يخشى من اكتمال أركان دولة دينية فى مصر لا علاقة لها بالثورة ينشأ فى رحابها نظام شمولى ـ بمعنى جمع جميع خيوط السلطة فى يد واحدة ـ لا يختلف فى جوهره عن النظام السابق، وإن زاد عليه النظر بشرعية دينية تجعل من معارضته صداما مع الله. أما الفريق الثانى فيعتبر أن فوز شفيق فى انتخابات الإعادة تصفية للثورة أصلا لأسباب غير خافية سأعود إليها لاحقا.

 

●●●

 

أحدثت الصدمة ارتباكا عظيما، وفى هذا السياق لم تنل قضايا فائقة الأهمية نصيبها من الاهتمام، كما أنها أفضت إلى ردود أفعال عجيبة فى معظمها، وبالنسبة للقضايا يمكن الاكتفاء بتناول أربعة منها. تنصرف الأولى إلى تراجع نسبة المشاركة فى الانتخابات الرئاسية عن مثيلتها فى الانتخابات البرلمانية، وهو أمر يحتاج تحليلا عميقا يضيق به هذا المكان، لكن الخشية من أن تتراجع أكثر ـ ربما بدرجة مخيفة ـ فى انتخابات الإعادة، خاصة أن قطاعات قد تكون واسعة من الرأى العام لديها أسباب قوية للمقاطعة، ويخيم شبح انتخابات مجلس الشورى فى هذا الموقف حين تراجعت نسبة المشاركة من أكثر من 50% فى انتخابات مجلس الشعب إلى أقل من 10% فى الشورى، ولو حدث سيناريو تراجع نسبة المشاركة فسوف يكون معنى هذا أن دور المواطن العادى الذى لا ينتمى لجماعة الإخوان أو لم يؤيد شفيق دورا بالغ المحدودية فى اختيار رئيس مصر القادم، وهذا نذير شؤم، لأنه على الأقل سوف يعنى أن هذا الرئيس سوف يكون فاقدا لشرعية سياسية حقيقية حتى ولو كان انتخابه قانونيا.

 

أما القضية الثانية فهى تراجع نسبة تأييد الرأى العام لجماعة الإخوان بأكثر من 10% إذا قورنت بنسبة تأييدهم فى الانتخابات البرلمانية، وعلى قادة الإخوان أن يستوعبوا هذا التطور جيدا خاصة أنه تم فى أقل قليلا من ستة شهور، ومعناه الوحيد أن قطاعا واسعا من الناخبين فى انتخابات مجلس الشعب قد وضع ثقته فيهم كقاطرة مضمونة فى الطريق نحو مستقبل أفضل لمصر، لكن الفرصة التاريخية ضاعت ولو إلى حين، وجاء الأداء سيئا إلى أبعد الحدود يشير إلى أن الرغبة فى الاستئثار بالسلطة قد طغت على ما عداها، وصولا إلى الكيفية التى شُكلت بها لجنة وضع الدستور، التى بلغت من السوء حدا جعل إبطال تشكيلها ممكنا بحكم قضائى، وإلى مواجهة أى تطور فى غير صالحهم بقانون يُسلق بسرعة على نحو يذكرنا بممارسات ليست بعيدة سبقت ثورة يناير، وإلى محاولة المساس بالسلطة القضائية نفسها. وما لم يُصحح المسار وتستوعب «الجماعة» دروس تشكيل لجنة الدستور ونتائج الانتخابات الرئاسية فسوف يصبح دورها فى صناعة المستقبل موضع شك.

 

أما القضية الثالثة فتخص المستقبل السياسى لفرس الانتخابات الأسود أو نسر الثورة حمدين صباحى الذى كانت مفاجأة درجة التأييد التى حصل عليها لا تقل هولا عن مفاجأة المرشحين اللذين تسيدا الانتخابات، ولأنه كان مرشحا مستقلا فإن نسبة تأييده يعود الفضل فيها بالأساس إليه وإلى الاستراتيجية الناجحة فى الوصول إلى المواطن العادى، وسوف يكون أمرا مأساويا للثورة أن ينزوى حمدين بعد انتهاء الانتخابات كما يحدث كثيرا بالنسبة لمرشحى الانتخابات الأمريكية الذين يخسرون السباق، مع أن بعضهم تكون نسبة تأييدهم قريبة للغاية من حاجز الـ50%، وتتمثل معضلة الدور المستقبلى لحمدين فى أنه خاض الانتخابات مستقلا، وأن اعتماده مستقبلا على العمل من خلال «حزب الكرامة» الذى أسسه لن يكون مأمون العواقب سياسيا، ولذلك فثمة اجتهاد مطلوب بإلحاح من أجل إيجاد الآلية المثلى لاستمرار تصاعد دوره فى صدارة الثورة.

 

وأخيرا فإن القضية الرابعة مؤلمة وخطيرة، ومن هنا تحتاج وقفة تحليلية جادة، ذلك أن نسبة التأييد التى حصل عليها شفيق تشير فى أحد معانيها إلى أن قطاعا لا بأس به من الرأى العام قد ضاق بالثورة وأفعالها التى أضرت رزقه اليومى أبلغ الضرر، أو أدخلته فى سلسلة من الهواجس بالنسبة للمستقبل. صحيح أن «الفلول» فى أوسع معانيهم قد منحوا شفيق تأييدهم، لكن هناك أيضا من صوت له استنادا إلى اعتبارات موضوعية من وجهة نظره، وعلى الثوار أن يستوعبوا هذا الدرس جيدا لأن الثورة سوف تكون مهددة ـ إذا لم يستوعبوا ـ بخسارة مزيد من تأييد الرأى العام لها.

 

●●●

 

أما ردود الأفعال على ما حدث فقد عانى معظمها من ارتباك حقيقى. كان رد الفعل الأول طبيعيا، وهو الطعن على نتيجة الانتخابات ممن لم يصلوا إلى مرحلة الإعادة بصفة أساسية، ومشكلة الطعون أن ثمة ما يشبه الإجماع على أن الانتخابات وإن حدث فيها بعض المشكلات إلا أنها لا تؤثر على النتائج بحال، أما الطعون فيما جرى قبل الانتخابات كالقول بإضافة عشرات الآلاف ممن ليس لهم حق التصويت كالجنود إلى القوائم الانتخابية فإثباته ليس باليسير، كما أن مما يضعف حجة القائلين به أنهم لم يثيروا الموضوع قبل الانتخابات مما يوحى بأن الطعون فى هذه الحالة تبرير للفشل وليست سعيا إلى نزاهة الانتخابات. لكن ردود أفعال أخرى اتسمت بالغرابة الشديدة والعوار القانونى والاستحالة السياسية، ومنها مطالبة محمد مرسى الحاصل على أكبر عدد من الأصوات بالتنازل لمصلحة حمدين حتى تكون الإعادة بينه وبين شفيق أى بين قوى الثورة والقوى المضادة لها، ونسى أصحاب ردود الأفعال هذه أن إعادة الانتخابات بين صاحبى أكبر عدد من الأصوات فى الجولة الأولى مسألة مقررة، أما تنازل أحدهما فيعنى ببساطة شديدة أن يصبح الثانى هو المرشح الوحيد فى جولة الإعادة، ناهيك عن أنه لا يوجد سند سياسى واحد يغرى «الجماعة» على التضحية وسحب مرشحها خاصة فى ظل النهم الشديد للسلطة. كذلك جاءت المطالبة بتشكيل مجلس رئاسى لا أحد يدرى طريقه تكوينه أو اختصاصاته تحديدا، وإن كان أقرب إلى أن يكون رقيبا على الرئيس أو على أحسن الفروض ناصحا له، وكأن سلطات هذا الرئيس القادم «المسكين» تفتقر إلى التقليص، أو كأن المؤسسات السياسية الجديدة فى مصر الثورة بحاجة إلى مزيد من الارتباك.

 

●●●

 

ما العمل إذن إزاء هذا الموقف بالغ التعقيد؟ سؤال صعب ومؤلم أعلم أن رأيى فيه لن يعجب أحدا سواء من أنصار مرسى أو شفيق أو من الثوار، ولكننى أحاول قدر طاقتى واجتهادى أن أتحرى الموضوعية. ليست لى معرفة بقدرات المرشحين الشخصية على قيادة مصر فى هذه الظروف العصيبة، ولذلك فإن المرء مضطر إلى الحكم عليهما من خلال الإطار الموضوعى الذى يحيط بكل منهما. مرسى يمثل «الجماعة»، وإليها يرجع الفضل فى نسبة التأييد التى حصل عليها فى الانتخابات، لأنه شخصية غير معروفة جماهيريا، وقد ظلمته «الجماعة» أو تيار داخلها بعدم ترشيحه من البداية، مع أن مخاطر استبعاد الشاطر كانت واضحة قبل الترشح، وبالنسبة لى ولغيرى فإن فوزه فى الانتخابات يعنى إحكام سيطرة الجماعة على الحكم فى مصر: البرلمان ومن ثم الحكومة وفقا للدستور الجديد الذى لابد وأن ينص على حق الأغلبية البرلمانية فى تشكيل الحكومة، وأخيرا رئيس الجمهورية. وهنا يكون خطر تأسيس نظام شمولى يعيد إنتاج النظام السابق سياسيا، مع عنصر أخطر هو التمسك بأهداب شرعية دينية تجعل المعارضة فى نظام كهذا خروجا على شرع الله، وهو سيناريو لا يمكن قبوله.

 

أما شفيق فممثل النظام السابق فى أوضح معانيه، وهو آخر رئيس وزراء فى ذلك النظام عندما جرت محاولة لتجميله فى أول الثورة، وهو صاحب ممارسات تدل على «محافظته» الشديدة وعلى تخاذله فى حماية الثوار عندما كان رئيسا للوزراء، ناهيك عن قوله إن مبارك مثله الأعلى، وكلما رأيته وهو يضع يديه على أذنه كى يستمع إلى أسئلة السائلين تمثلت على الفور هذه الحركة الشهيرة لمبارك، وذلك كله خطر أكيد على الثورة إذا نجح فى انتخابات الإعادة، لكننى أستبعد أن يكون بهذه السذاجة التى تجعله يتخذ قرارات مضادة للثورة، بل إنه سوف يحاول بالتأكيد اتخاذ قرارات سريعة وفاعلة لمصلحة الجماهير، كما أنه لا يستند إلى تنظيم كاستناد مرسى إلى الجماعة، كما أنه ليس صحيحا أن بمقدوره أن يعول على الجيش فى هذا الصدد، ذلك أن الجيش قد «جرب حظه» فى عدد من الحوادث المأساوية كمجلس الوزراء ومحمد محمود، واقتنع بعدها بعقم هذا الأسلوب فى مواجهة الاحتجاجات الجماهيرية، ولم يعد إليه إلا كنوع من الدفاع المشروع عن «عرينه» فى وزارة الدفاع، وبالتالى سوف يكون الاعتراض على شفيق إذا أصبح رئيسا للجمهورية إلى حد بعيد أسهل بكثير من الاعتراض على رئيس ينتمى إلى تنظيم قوى، وهذا بالمناسبة من مخاطر انتخاب شفيق لأنه يفتح الباب لدرجة يعتد بها من عدم الاستقرار فى الشارع المصرى، لكن مخاطر جمع خيوط السلطة فى يد «جماعة واحدة» أشد. والله أعلم.

أحمد يوسف أحمد أستاذ العلوم السياسية بكلية الإقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، وعميد معهد الدراسات العربية