الصين وأمن الشرق الأوسط - عزت سعد - بوابة الشروق
الثلاثاء 16 أبريل 2024 12:49 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الصين وأمن الشرق الأوسط

نشر فى : الإثنين 31 أغسطس 2020 - 9:05 م | آخر تحديث : الإثنين 31 أغسطس 2020 - 9:05 م

منذ قيامها عام 1949 سعت جمهورية الصين الشعبية إلى علاقات وثيقة بالدول العربية بدءا من مصر، التى كانت أول دولة عربية وإفريقية تقيم علاقات دبلوماسية ببكين عام 1956. ومنذ أواسط التسعينيات من القرن الماضى، اتجه تركيز بكين فقط على علاقاتها الاقتصادية وتوسيع تجارتها مع دول الشرق الأوسط، بما فى ذلك تصدير العمالة واستيراد النفط. وتأسست سياسة الصين فى المنطقة على مبدأ عدم التدخل فى الشأن الداخلى ورفض هيمنة القوى العظمى على مقدرات الدول الأصغر، وإن ظل هذا المبدأ مجرد تأكيد نظرى خاصةً أن الصين ظلت دائما مستفيدة من الحضور الأمريكى القوى فى الشرق الأوسط ودورها فى الحفاظ على استقراره وتأمين الممرات البحرية لمرور صادراتها من النفط للخارج، وذلك دون الحاجة إلى استثمارات صينية ذات بالٍ فى أمن المنطقة. وقد دفع ذلك الرئيس الأمريكى السابق أوباما إلى الإشارة للصين «كمستفيد مجانى من المنطقة يترك الولايات المتحدة لكى تسوى مشكلاتها دون فعل الكثير للمساعدة».
وفى الواقع العملى، فإنه مع تولى الرئيس شى جينبينج الرئاسة فى عام 2012 لوحظ النشاط السياسى الصينى المتزايد فى الشرق الأوسط، حيث بدأت وفود صينية رفيعة المستوى تتوافد على دول المنطقة بما فيها الرئيس نفسه الذى قام بجولة شملت مصر والسعودية وإيران عام 2016، وهى الجولة التى ألقى خلالها خطابه الشهير فى جامعة الدول العربية فى القاهرة طرح فيه سياسة الصين العربية المعمول بها الآن.
وبحكم موقعها الجغرافى وخطوط الملاحة البحرية فيها من أفريقيا إلى أوروبا ممثلةً أساسا فى قناة السويس، يمثل الشرق الأوسط أهمية حيوية لتنفيذ مبادرة الحزام والطريق وللتجارة الصينية للأسواق المركزية عموما. وخلال العقد الأخير، استثمرت الصين أكثر من 150 مليار دولار فى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بخلاف الاستثمارات الصينية فى إسرائيل (نحو 13 مليار دولار فى قطاع التكنولوجيا المتقدمة أساسا)، وهو ما يمثل نحو 12% من إجمالى الاستثمارات الأجنبية الصينية، وهناك تقديرات عديدة تؤكد أن الصين تجاوزت مؤخرا الولايات المتحدة لتصبِح المصدر الأكبر للاستثمارات فى المنطقة. كما تجاوز حجم التبادل التجارى بين الصين وبلدان الشرق الأوسط خلال السنوات العشر الماضية 230 مليار دولار عام (2019)، من 20 مليار دولار فقط قبل عشر سنوات، وتغطى الصين نحو نصف احتياجاتها من النفط والغاز الطبيعى من المنطقة. وفضلا عن ذلك، وأخذا فى الاعتبار النمو الاقتصادى وفى البنية التحتية فى المنطقة فإن النمو المتسارع فى عدد السكان فى المنطقة يمثل سوقا كبيرة واعدة للمنتجات الصينية. وفى عقدى الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضى، بات الشرق الأوسط السوق الرئيسية للسلاح الصينى، ومن بين زبائنه الرئيسيين إيران والعراق.
***
وعلى خلاف انخراطها الاقتصادى والتجارى الواسع فى الشرق الأوسط، يظل الانخراط الصينى أمنيا وعسكريا فى المنطقة هامشيا وإن وسعت مشاركتها فى عمليات حفظ السلام فى المنطقة وباتت ثانى أكبر مُموِل لهذه العمليات فى نطاق الأمم المتحدة بعد الولايات المتحدة. وقد يكون ذلك مجرد بداية حيث حذَّر تقرير حديث للكونجرس حول القوة العسكرية الصينية من أن بكين يمكن أن تقوم قريبا باستخدام هذه المساهمات لإنشاء قواعد عسكرية فى كل المنطقة. ويتَسق هذا النظر مع العقيدة العسكرية الصينية الأخيرة (2019) والتى تتبنى رؤية صينية واسعة للأمن القومى تشمل الانخراط العسكرى فى حالات تهديد السلامة الإقليمية بما فيها السيادة البحرية والفضاء واستعادة الوحدة الوطنية وصيانة المصالح الصينية فيما وراء البحار والاحتفاظ بالردع الاستراتيجى والإعداد لضربات نووية مضادة والمشاركة فى التعاون الأمنى الإقليمى والدولى وتعزيز القدرة على منع الاختراق ومنع الانفصال ومكافحة الإرهاب وضمان الأمن السياسى القومى والاستقرار الاجتماعى وحماية حقوق ومصالح الشعب الصينى.
وكانت الأوضاع الأمنية المتردية فى الشرق الأوسط وانهيار بعض دولها مثل ليبيا وسوريا والعراق واليمن بمثابة تحدٍ جدِى للصين ولسياساتها الإقليمية، وتهديدا مباشرا للاستثمارات الصينية ولتدفُق الواردات من النفط والمواد الأولية من المنطقة والصادرات من السوق الصينية إليها، ولسلامة المواطنين الصينيين العاملين فى دول المنطقة. وعلى خلاف الولايات المتحدة، تفتقد الصين خبرة الحضور العسكرى فى المنطقة، بما فى ذلك تنفيذ عمليات عسكرية معقدة أو امتلاك قواعد عسكرية فى المنطقة. ومع ذلك أدت التغييرات التى طرأت على الأوضاع الاقتصادية والأمنية إلى تبنى الصين أنماطا جديدة من العمل أبرزها المشاركة الصينية النشطة فى قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة فى الشرق الأوسط وأفريقيا. كما لعبت بكين، منذ عام 2008، دورا نشطا فى العمليات الدولية ضد القرصنة فى القرن الإفريقى والدفاع عن طريق التجارة الدولية ورعاياها فى الخارج وعمليات إجلاء من مناطق خطرة فى أوقات الحاجة. واستهدفت الإصلاحات العسكرية التى تبنَاها الرئيس الصينى بناء قدرات عسكرية صينية قادرة على العمل بعيدا عن الحدود وتغيير الأولويات الاستراتيجية للبلاد. وفى هذا السياق، أقامت بكين قاعدة عسكرية لها فى جيبوتى افتتحتها فى أغسطس 2017.
***
وعلى صعيد السياسة الخارجية، يصعُب القول بأن للصين تأثير يذكر فى المنطقة ومشكلاتها، حيث يظل هذا التأثير محصورا، وإلى حدٍ كبير، فى قوتين اثنتين هما الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا، واللتين تتحمل كل منهما أعباء متفاوتة فى قيامهما بدورهما المؤثر فى الإقليم. ولا يبدو أن الصين مستعدة، على الأقل حتى الآن، للقيام بدورٍ سياسى يتلاءم مع إمكاناتها الاقتصادية والتجارية الهائلة فى المنطقة. وترى بكين أنه لا يوجد مبرر لاستثمار موارد أو حتى تحمل مخاطر بدلا من الدورين الأمريكى والروسى فى منطقة مثل الشرق الأوسط تتعاظم فيها المخاطر، ناهيك عن حتى مجرد التفكير فى الحلول محلهما. وقد تجسد هذا «اللادور» مؤخرا فى موقف الصين من أزمة السد الإثيوبى. إذ إنه بالرغم من الاستثمارات الصينية الضخمة فى إثيوبيا، والتى تتجاوز أى قوة أخرى كبرى بما فيها الاتحاد الأوروبى، بل وتعاقدها على توريد توربينات السد لأديس أبابا، وفى الوقت ذاته تمتعها بعلاقات متميِزة بالقاهرة، إلا أن بكين آثرت الصمت على مدى عقدٍ كامل رغم قيام القاهرة بحثِها على القيام بدورها فى النزاع مرارا وتكرارا. وعندما عرضت القاهرة الأزمة على مجلس الأمن الدولى فى يونيو الماضى تبنَت الصين مقاربة سلبية تعتمد على مصلحة ذاتية ضيِقة بما لا يتفق ومسئوليات دولة دائمة العضوية فى مجلس الأمن، حيث أشار ممثلها إلى أن المجلس ليس المحفل المناسب لمناقشة هذه الأزمة. وبطبيعة الحال، وبحكم كونها دولة منبع، يُمكن تفهُم تبنِى الصين هذا الموقف، إلا أنها وبحكم انخراطها فى المنطقة ومع الدولتين طرفى النزاع كان يجب أن تتفهم أنه لم يكن أمام مصر سوى اللجوء إلى مجلس الأمن بعد نحو عقدٍ من المماطلة والتعنُت وسوء النوايا من الجانب الإثيوبى. وكان بوسع الصين بحكم هذا الانخراط وعلى هذا المدى الزمنى الطويل فعل شىء أو القيام بدورٍ ما، هى بالقطع مؤهلةً له، يقنعنا بأن هذا العملاق الاقتصادى يستطيع فعلا النهوض ببعض مسئولياته فى حفظ السلم والأمن الدوليين كدولة دائمة العضوية فى مجلس الأمن، خاصةً أن الأمر يتعلق بتهديد لأمن واستقرار إقليم للصين مصالح ضخمة فيه.
وهكذا فإن انخراط كلٍ من واشنطن وموسكو فى المنطقة يخدم مصالح الصين التى تكتفى بالتركيز الأساسى وادخار قدراتها لمنطقة جوارها المباشر وفنائها الخلفى هى شرق آسيا الأكثر أهمية لها من الناحية الاستراتيجية. وفى هذا السياق، تتبادل الصين الأدوار مع روسيا التى تتولى القيادة فى الشرق الأوسط ووراءها الصين، بينما تتولى الأخيرة القيادة فى شرق آسيا مؤيدةً من روسيا.
***
وتظل سياسة الصين الشرق أوسطية فى المستقبل لغزا كبيرا خاصةً على الصعيد الأمنى والعسكرى، حيث يستبعد البعض أن تنخرط فى مشكلات المنطقة المعقدة وحروبها الأهلية أو التوجهات الخاصة بانتشار أسلحة الدمار الشامل. وقد عبّر المسئولون الأمريكيون مؤخرا عن القلق على المصالح الأمريكية فى المنطقة بسبب ما أثير حول اتفاق اقتصادى أمنى منتظر توقيعه بين الصين وإيران، كشفت عنه طهران مؤخرا، يُؤمِن للصين صادرات نفطية من طهران لخمسةٍ وعشرين عاما. ويرى بعض المراقبين أن الصين تريد بالفعل توسيع وتعميق علاقاتها بالشرق الأوسط، ولكن من غير المرجح أن يشمل ذلك حضورا عسكريا أكبر. إذ يظل تركيزها على الاتفاقات الدبلوماسية والاقتصادية لضمان النَفاذ إلى النفط أكثر من استخدام القوة العسكرية.
والخلاصة هى أننا نأمل أن تقود السياسة الخارجية الواثقة للرئيس شى جينبينج فى منطقة شرق آسيا وتعاظم قوة الصين العسكرية وتنامى قدرتها على حماية مصالحها فى الخارج وتعاظم مصالحها الاقتصادية والتجارية مع بلدان الشرق الأوسط وأفريقيا إلى انخراط الصين سياسيا وأمنيا فى شئون المنطقة، جنبا إلى جنب مع انخراطها النشط والمتواصل فى المشروعات الكبرى فى المنطقة فى مجالات البنية التحتية، بما فيها مشروعات النقل والبناء والطاقة وغيرها.
فالهدف هو توفير بيئة آمنة ومستقرة تتيح للدول التنمية والتعاون المشترك على قاعدة المصالح المشتركة والمنافع المتبادلة وهى مبادئ أكدتها الصين بقوة فى مبادرتها المعروفة بـ«الحزام والطريق» ورفعتها شعارا فى مقاربتها لقضايا دولية لا تحصى.

عزت سعد مدير المجلس المصري للشؤون الخارجية
التعليقات