لسنا كلنا عصام عطا - رباب المهدى - بوابة الشروق
الإثنين 6 مايو 2024 1:05 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

لسنا كلنا عصام عطا

نشر فى : الإثنين 31 أكتوبر 2011 - 9:35 ص | آخر تحديث : الإثنين 31 أكتوبر 2011 - 9:35 ص

هل هى صدفة أن يصدر الحكم على قتلة خالد سعيد بالسجن سبع سنوات فقط فى نفس اليوم الذى يقتل فيه عصام عطا تحت التعذيب فى سجن طرة؟ ربما تكون صدفة بالمعنى الزمنى ولكنها بالتأكيد ليست صدفة بالمعنى السياسى. فمنظومة الأمن والحكم التى حكمت مقتل خالد ومحاكمة قتلته وما صاحبها من تضليل إعلامى هى ذاتها التى حكمت مقتل عصام، لم تتغير.عصام عطا لمن لا يعرف، هو شاب مصرى يعمل «سروجى»، أبوه صنايعى وأمه تعمل بتنظيف المنازل. تم القبض عليه فى فبراير الماضى وعرض على محكمة عسكرية حكمت عليه بالسجن عامين. عصام مات من شدة التعذيب يوم الخميس الماضى عقابا على تهريب شريحة تليفون محمول لداخل السجن.

 

لن أتحدث عن التصريحات الأمنية التى صدرت بعد انتشار صور جثته المشوهة، عن كونه بلطجيا وله سابقة وموته كان نتيجة ابتلاع لفافة مخدرات، فى إعادة مسفة لتصريحات وزارة العادلى حول مقتل خالد سعيد. ولا عن مهزلة الطب الشرعى وتشريح الجثة وهى مثبتة تفصيليا فى شهادة الدكتورة عايدة سيف الدولة على موقع مركز النديم لضحايا العنف. ولا حتى سوف أناقش إعادة هيكلة جهاز الأمن الذى لم تتوقف جرائمه رغم الثورة وتجاهل الحكومة والمجلس العسكرى لكل مبادرات الإصلاح التى قدمها المتخصصون. فقط سأتحدث عن مسئولية المجتمع لأنها الأهم والأبقى.

 

●●●

 

هذا المجتمع الذى مازال البعض منه يعلق على خبر مقتل عصام بأنه «بلطجى» أو أنه «لازم يكون عمل حاجة تستاهل». مثل هذه التعليقات قرأتها فى تعقيب بعض القراء على الخبر فى الجرائد وسمعتها من البعض. أية آدمية هذه التى تقبل أن يتم قتل مواطن أو انسان مهما كانت جريمته بهذا الشكل؟ أى عقل أو ضمير هذا الذى يقبل أن يصدق تصريحات الداخلية وصورة جثة عصام تكاد تنطق من الألم؟

 

هو نفس المجتمع الذى أقامت نخبته الدنيا حينما تم تحويل بعض النشطاء السيــــــــــــــاسيين المعروفين للنيابة العسكرية ثم صمتوا تماما حينما تم حفظ التحقيق مع هولاء النشطاء، فى حين أن أكثر من 12 ألف مصرى مثل عصام حوكموا ويحاكمون أمام هذه المحاكم. وكأن حقوق النشطاء ليست ذاتها حقوق باقى المصريين مثل عصام ممن لا يتمتعون بشهرة واهتمام إعلامى. وهو ذات المجتمع الذى يجرم عصام وأهله حينما يتظاهرون مطالبين بمسكن أو بأجر عادل ويتهمهم بوقف عجلة الإنتاج ورفع مطالب «فئوية». وكأن مطالبة الناس بحقوقهم تقلل من وطنيتهم ولا تقلل من وطنية من يتمتعون بهذه الحقوق ويقبلون أن يظلم غيرهم. هو نفس المجتمع الذى يصر على أن الاحتجاج على الظلم وفضح الظالم بما فيه المجلس العسكرى، يكسر «هيبة الدولة» ويقوض دعائمها وينسى أن الظلم هو ما يعصف بالدولة والمجتمع وليس الاعتراض عليه.

 

ولكن هل هؤلاء هم كل المجتمع أو حتى أغلبيته؟ يقينى أن الإجابة لا. ولكن هم نتاج ما خلقه النظام وبقاياه، من مجتمعات متوازية وسلطة واحدة. فسياسات النظام لم تخلق فقط فجوة رهيبة فى الدخل والثروات بين المصريين ولكن أنتجت أنماط حياة ومنظومات قيمية مختلفة فى حين مركزت السلطة فى حفنة من الأشخاص.

 

 ففى مقابل من يقبل بالتعذيب ويراه وسيلة مناسبة ومن يجرم الحق فى الاحتجاج والمطالبة بالحقوق وتأليه الحاكم أيا ما كان، هناك مجتمع عصام وخالد ومينا دانيال ومن لف لفهم. عصام لم يكن ناشطا سياسيا ولم يكن ابن كاتب معروف أو رجل أعمال، وجريمته التى حوكم عليها هى محاولة الحصول على مسكن ــ لو صدقنا رواية السلطات ــ وجريمته التى قتل بسببها هى محاولة الحصول على هاتف. نعم لسنا كلنا عصام.. ولكن هو الأغلبية.

 

●●●

 

هو المجتمع الآخر الذى خرج يوم 28 يناير ووصل إلى ميدان التحرير وميدان الأربعيين حينما عجز النشطاء عن ذلك، ووجه غضبه بعبقرية لأقسام الشرطة ومقار الحزب الوطنى ــ كرمز للسلطة الغاشمة ــ دون أن يحرق منزلا أو منشأة واحدة. هذا المجتمع الموازى الذى يقود الإضرابات ضد الفساد فى المؤسسات وللمطالبة بحقوقه بدءا من أجر عادل ومرورا ببناء كنيسة. هؤلاء هم من صنعوا الثورة وجعلوا أيقونتها خالد سعيد وليس أيا من السياسيين وهم من عليهم عبء إتمامها حتى لا يموت مصرى واحد تحت التعذيب أو فى مركب هجرة بحثا عن لقمة العيش.

التعليقات