كتاب أخوية الطبقة المتوسطة لعمر طاهر.. تأملات في الحياة ودروب الخلاص - بوابة الشروق
الإثنين 7 يوليه 2025 6:22 ص القاهرة

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

من أفضل فريق عربي في دور المجموعات بمونديال الأندية؟

كتاب أخوية الطبقة المتوسطة لعمر طاهر.. تأملات في الحياة ودروب الخلاص

شيماء شناوي
نشر في: الجمعة 4 يوليه 2025 - 6:54 م | آخر تحديث: الجمعة 4 يوليه 2025 - 6:54 م

فى عالم يعج بالضجيج والركض، تظل الكتب ملاذًا لمن يبحث عن العمق والتأمل. ومن بين الأعمال التى تستحق التوقف عندها، يبرز كتاب «أخوية الطبقة المتوسطة» للكاتب عمر طاهر، والصادر عن دار الكرمة، كدعوة صادقة لرحلة داخل عوالم الذات والمجتمع. يُقدم الكتاب نظرة عميقة ومؤثرة فى حياة الطبقة الوسطى، تحديدًا فى مرحلة الأربعينيات من العمر، حيث تتشابك فيها خيوط الواقع المرير بأحلام التحرر والبحث عن المعنى، كما تتجلى فيها التحديات والتحولات النفسية والفكرية للإنسان.
منذ اللحظة الأولى، يأخذنا عمر طاهر فى رحلة تتجاوز السرد التقليدى، ليغوص بنا فى تحليل نفسى عميق لكل موقف وتجربة. فرغم أن ما يكتبه قد يبدو مواقف شخصية بحتة، إلا أنها سرعان ما تتلامس مع تجارب الآخرين، لتتحول إلى أمر عام يجد صداه لدى كل قارئ، هذه المقاربة الفريدة تجعل نصوصه مرآة حقيقية تعكس تجاربنا المشتركة، وتفكك تعقيدات النفس البشرية ببراعة لا تُضاهى.
يتجلى هذا الغوص التحليلى من خلال لغة عمر طاهر السلسة والآسرة، التى تمزج ببراعة السخرية بالجدية، فتأسر القارئ وتجعله ينساب بين الصفحات دون شعور بالملل. فما يقدمه ليست مجرد كتابات، بل قراءات ثاقبة لمعنى الحرية والتحرر، وكيف يمكن للفن والأدب أن يكونا وسيلة للخلاص.
وعبر صفحات الكتاب، تتضح براعة طاهر فى قدرته على تحويل التفاصيل اليومية إلى تأملات عميقة، فاللحظات العابرة التى قد تبدو بسيطة، مثل شرب الشاى مع الأصدقاء، أو الحوارات التى تتناول «مشروع» الكتاب، تتحول إلى نوافذ نطل منها على عوالم غنية بالمشاعر والأفكار.
بهدوء الحكاء الذى تأخذه سحر الحكايا ليكشف عن كل ما يدور فى سريرته لصديقه القارئ، ينتقل بهدوء وتأنٍ للحديث عن لقاءاته مع الشخصيات المختلفة الذين تقاطعت خطوط الحياة بينهم وبينه فى إطار العمل أو الصداقة أو العلاقات الأسرية، مما أضاف بعدًا إنسانيًا للكتاب. فنجده يتحدث عن طفولته، وعن فشل زواجه الأول الذى لم يتجاوز الـ45 يومًا، ثم مصالحة الأيام له بزوجة أخرى، ورزقه بابنتيه رقية وليلى اللتين وصفهما بالنعمة العظيمة.
وتحت عنوان «الأستاذ طاهر»، يرسم عمر طاهر لوحة بديعة لعلاقته بوالديه، مقدمًا إياها بلمسة من الود والامتنان، واصفًا إياهما بـ «القوسين» اللذين منحت حياته معناها، وخاصة والده مُلقبًا إياه بشخصية منقذ الشاطئ، وأنه يثق به فى المواقف التى تحتاج لدعم شخصى وسريع، ويذكره كشخص يتدخل «حينما يكون الغرق أقوى». هذه الصورة لا تعكس فقط قوة العلاقة، بل تشير إلى مستوى عالٍ من الثقة. إنها قراءة غنية بالدلالات، تدعونا لإعادة النظر فى قيمة الروابط العائلية وكيف يمكن للأبوين أن يكونا بمثابة الملاذ الآمن فى رحلة الحياة.
لا ينسى طاهر أن يأخذنا معه فى لحظات الهشاشة الجسدية والنفسية، التى يعيشها الإنسان بمجرد شعوره بالمرض، كما فى مشهد نقله إلى أحد المستشفيات بصورة عاجلة لإجراء عملية جراحية. هذه اللحظات، التى قد تبدو فردية، تتحول على يد الكاتب إلى عوالم نطل منها على معارك داخلية أعمق نكتشف فيها أسئلة جوهرية مثل: هل نخاف من الموت؟ وهل حققنا ما نحلم به؟. يُجبر القارئ على مواجهة هذه التساؤلات فى مرآة ذاته، مستخدمًا لغة تجمع بين السلاسة والبلاغة، وتُضفى على السرد بعدًا فلسفيًا وعاطفيًا فى آن واحد. ويُذكّر بأننا لسنا وحدنا فى مواجهة هواجسنا.
وُيعد كتاب «أخوية الطبقة المتوسطة» عمل أدبى وفكرى يُعيد تعريف «المعتاد» فى حياة الطبقة الوسطى، خاصة فى مفترق فترة الأربعينيات العمرية، تلك الفترة التى غالبًا ما تُعيد فيها الروح تقييم مسارها وتطلعاتها. ولا يكتفى الكتاب بعرض الجانب المظلم أو المؤلم، بل يُبرز أيضًا قدرة الروح البشرية على الصمود والتكيف، وأن «الخوف من الموت» أو «الشعور بالاكتئاب» ليسا إلا جزءًا من لوحة أكبر، يمكن مواجهتها بالرضا والتأمل، أو حتى الفكاهة.
هذا الكتاب، الذى يُجسد غلافه البديع، الذى صممه الفنان وليد طاهر، ملامح الأصالة والعمق، ليس مجرد قراءة، بل رحلة وجودية تُجبر القارئ على التوقف، التفكير، واستكشاف الواقع الذى نعيشه دون أن ندركه، ويُقدم رؤى عميقة عن علاقة الإنسان بالمجتمع من خلال شخصيات واقعية، كما يعيد تشكيل فهمنا لمعنى الرضا والسعادة. قد يكون ذلك عبر القراءة التى تُعد «أخطر أنواع الهروب»، أو عبر الاستسلام للواقع، أو حتى عبر «مشروع أخوية الطبقة المتوسطة» نفسه الذى يُثير فضول القارئ حول ماهيته الحقيقية.
إنه كتاب يُلهم، ويُسلى، ويُجبرعلى التفكير، ليترك فى نفس القارئ أثرًا عميقًا يُضىء دروب الحياة وتحدياتها.



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك