ــ البداية مع كتاب «يوميات لورد ملنر فى مصر» تقديم طارق البشرى وتحرير منى أنيس
تحتفل هذا العام دار الشروق بمئوية ثورة ١٩١٩ حيث قامت الدار بنشر سلسلة من الكتابات الجديدة التى يشرف عليها كبار أساتذة التاريخ، بجانب إعادة نشر بعض الكلاسيكيات التى نفدت منذ زمن لكتاب ومؤرخين عاصروا أحداث الثورة، أو تحدثوا إلى من عاصروا الثورة ونشروا وثائق ورسائل حصلوا عليها منهم ويعد كتاب «يوميات لورد ملنر ووثائق أخرى 1919ــ1920» باكورة أعمال السلسلة، تقديم المستشار طارق البشرى وإعداد وتحرير منى عبدالعظيم أنيس مدير قسم التحرير بالدار وباحثة فى الدراسات الثقافية.
وعن هذا الكتاب ــ المتاح بمعرض القاهرة للكتاب ــ قالت منى أنيس: «فى أثناء بحثى فى لندن عام ٢٠١٨ عن وثائق إنجليزية جديدة عن أحداث ثورة ١٩١٩، ضمن الأرشيفات الوطنية للمملكة المتحدة فى لندن، عثرت على مجلد مستقل ينتمى إلى وزارة المستعمرات يحمل عنوان «لجنة ملنر (١٩١٩ــ١٩٢٠)، سجل بالأحاديث التى أجراها أعضاء اللجنة مع شخصيات ذات نفوذ فى مصر». وداخل هذا المجلد وجدت وثيقة مكونة من سبعين صفحة فولسكاب مكتوبة على الآلة الكاتبة عنوانها: «الأحاديث التى أجراها اللورد ملنر خلال رئاسته اللجنة الخصوصية المنتدبة لمصر»؛ الأمر الذى أثار فضولى لمقارنة ما توصل إليه ملنر فى تقريره الذى تقدم به للحكومة البريطانية، وما وجده على أرض الواقع عندما جاء إلى مصر لممارسة مهمته. وهذه المقارنة، فى ظنى، تفيد كثيرا فى التثبت من أو نفى ما استقرَ فى الوجدان الوطنى المصرى حول عمل اللجنة فى مصر وتوصياتها».
وأوضحت أنيس فى تصديرها للكتاب: «ومقدمة أستاذنا طارق البشرى لهذا الكتاب تتناول هذه المقارنة بالتفصيل. ولاكتمال الفائدة، فقد أخذت باقتراح الأساتذة أعضاء لجنة التاريخ بدار الشروق وقمت، فى الجزء الثانى من هذا الكتاب، بإضافة تقرير لجنة ملنر المقدم للحكومة البريطانية فى ديسمبر عام ١٩٢٠، أى بعد عام من مجىء اللجنة لمصر وكتابة اليوميات الموجودة فى الجزء الأول من الكتاب. وأخيرا أضفنا إلى التقرير نصى المذكرتيْن اللتيْن تقدم بهما كل من ملنر للوفد المصرى، والوفد المصرى لملنر، لدى توقف المفاوضات فى لندن، بعد١٤جلسة، وهما يوضحان الموقف الذى توقفت عنده مباحثات سعد وملنر فى لندن خلال شهر يوليو عام ١٩٢٠، وإن ظل ملنر وعدلى يغريان سعدا بالبقاء فى لندن على أمل تحقيق نتائج أفضل. وكانت أول مقابلة بين سعد وملنر فى لندن قد تمت بتاريخ ٥ يونيو ١٩١٩، حين استقبل ملنر سعد وعدلى فى منزله للترحيب بقدومهما من باريس لبدء المفاوضات، وآخر مقابلة يوم ١٥ أغسطس، حين جاء ملنر لوداع سعد زغلول فى فندق كارلتون حيث أقام سعد فى لندن أكثر من شهريْن هدَد خلالهما بقطع المفاوضات أكثر من مرة».
وقد أسفرت المفاوضات بين ملنر والوفد فى لندن عن مشروع للمعاهدة بين مصر وإنجلترا قدمه اللورد ملنر إلى الوفد بتاريخ ١٧ يوليو، فرفضه الوفد، ثم تقدم الوفد بمشروع مقابل بتاريخ ١٩ يوليو، لكن اللورد ملنر رفضه. وعندئذ توقفت المفاوضات، ثم استؤنفت مرة أخرى بوساطة من عدلى يكن، وقدمت لجنة ملنر مشروعا يشتمل على بعض التعديلات اليسيرة. وعندما اجتمع الوفد للبت فى قبول أو رفض مشروع المعاهدة، استقر الرأى على عرضه على الرأى العام المصرى، وأن يتم إرسال أحمد لطفى السيد ومحمد محمود وعلى ماهر وعبداللطيف المكباتى إلى مصر، على أن ينضم إليهم هناك ويشترك معهم فى مهمتهم: مصطفى النحاس وويصا واصف والدكتور حافظ عفيفى. وتمَ الاتفاق، كما يخبرنا سكرتير سعد زغلول الخاص والمرافق له، محمد كامل سليم، فى مذكراته على أن يكون أعضاء الوفد السبعة «على الحياد التام؛ فلا يحبذوا المشروع ولا يبدوا شيئا من رأى الرئيس (سعد زغلول) فيه؛ لأن المهم هو معرفة رأى الأمة وممثليها فى مصر من غير أن يقع عليهم أقل ضغط أو تأثير من جانب الوفد: رئيسه أو أعضائه».
وأشارت أنيس فى تصديرها إلى قصة المفاوضات باختصار قائلة: «قصة مفاوضات سعد مع ملنر يعرفها أكثرنا وإن بدرجات متفاوتة، أما الذى لا يعرفه إلا القليل منا فهو قصة ملنر وأمثاله من اللوردات والفيكونتات الذين حكموا بلادنا وتحكموا فى مستقبلها. وقصة ملنر هى قصة متكررة لجيل من أبناء الأرستقراطية البريطانية كانت المستعمرات بمثابة الفناء الخلفى الذى يتعلمون فيه الإدارة قبل أن يعودوا لقلب الإمبراطورية ليحتلوا المناصب السياسية. إنها قصة كرومر من قبل ملنر، وقصة ونستون تشرشل من بعده لا فارقَ كبيرا بين من ينتمى منهم إلى حزب الأحرار ومن ينتمى إلى حزب المحافظين. كلهم يتمتعون بنفس الصلف والعنصرية؛ يذهبون للمدارس الخاصة والكليات العسكرية أو جامعة أكسفورد، ثم يدفع بهم أهلهم إلى المستعمرات ليقضوا سنوات يعودون بعدها إما لممارسة السياسة حسب استعدادهم وقدراتهم الذهنية، وإما للتفرغ لحياة الدعة والمجون فى الكثير من الأحيان.
ومرَ على مصر الأنموذجان: أنموذج الإدارى والسياسى الكفء وأنموذج الأرستقراطى اللاهى متواضع الكفاءة. وقد انتمى ملنر إلى النوع الأول؛ حيث عمل مع كرومر فى مصر عدة سنوات، وكتب كتابا شهيرا عن تجربته «إنجلترا فى مصر» الذى صدرت طبعته الأولى عام ١٨٩٢. وفى فصل من الكتاب بعنوان: «الحماية المقنَعة»، يشرح ملنر وجهة نظره حول خطأ عدم فرض الحماية على مصر منذ بداية الاحتلال، بل يرجع الكثير من مشاكل بريطانيا فى مصر إلى وجود «حماية مقنَعة غير واضحة الحدود وغير محددة المدة من أجل إنجاز هدف صعب بعيد المنال».