مصر وفرنسا.. تقارب حول مكافحة الإرهاب والهجرة غير الشرعية والقضية الفلسطينية - بوابة الشروق
الإثنين 29 أبريل 2024 5:30 م القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مصر وفرنسا.. تقارب حول مكافحة الإرهاب والهجرة غير الشرعية والقضية الفلسطينية


نشر في: الإثنين 7 ديسمبر 2020 - 12:16 ص | آخر تحديث: الإثنين 7 ديسمبر 2020 - 12:16 ص

بالتزامن مع الزيارة الرسمية الهامة التي يجريها الرئيس عبدالفتاح السيسي إلى باريس تلبية لدعوة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، نلقي الضوء على عدد من مجالات التعاون المتطور في السنوات الأخيرة، بين بلدين عريقين، تعود العلاقات المباشرة بينهما إلى قرنين ونصف من الزمان، ويستشرفان مستقبلا أفضل لشعبيهما، انطلاقا من الماضي المكلل بالتعاون المشترك والاستفادة المتبادلة والتنسيق البناء في حقول شتى، والموقع الريادي لمصر في محيطها العربي والأفريقي ولفرنسا في محيطها الأوروبي ودورها العالمي، والأهمية الكبرى للتواصل بينهما كقوتين فاعلتين مؤثرتين في منطقة البحر المتوسط.

تميزت العلاقات بين مصر وفرنسا، بالتعاون المشترك نتيجة تقارب مصالحهما الوطنية، وتوافقهم حول إدارة العديد من القضايا الراهنة، وبالرغم من المتغيرات الإقليمية والدولية التي عصفت بالنظام العالمي، فإن العلاقات بين البلدين مازالت راسخة لكونها تستند على روابط تاريخية وحضارية وعلاقات الصداقة والثقة المتبادلة.

وتنظر باريس إلى القاهرة باعتبارها دولة محورية في المنطقة وشريك استراتيجي مهم، يمكن التنسيق والتعاون معه في تسوية أزمات المنطقة، فيما تنظر القاهرة لباريس باعتبارها من أهم الدولة الأوروبية التي لعبت دوًرا بارًزا في التعاطي مع التحديات التي تشهدها المنطقة كقوى فاعلة من خلال أدوات منها تبني جهود الوساطة بين الأطراف المتنازعة لتقريب وجهات النظر بينهم وهو ما يتوافق مع ثوابت السياسة الخارجية المصرية التي ترتكز على عدد من المحددات تأتي على رأسها عدم التدخل والحفاظ على وحدة السيادة الوطنية لدول المنطقة.

ويزور الرئيس عبدالفتاح السيسي، باريس في زيارة بدأت اليوم وتستمر حتى الثلاثاء، وتعد الزيارة الرابعة له منذ توليه السلطة في عام 2014؛ وتتناول بعض القضايا المثارة حاليا.

ومن أبرز القضايا التي تشهد تقارب في مواقف القاهرة وباريس، والتي تتناولها الزيارة: الأزمة الليبية ومكافحة الإرهاب والتوتر المتصاعد في شرق المتوسط، بالإضافة إلى القضية الفلسطينية والأزمة السياسية في لبنان.

مكافحة الإرهاب والتطرف

تعد مصر وفرنسا، من الدول الرائدة في مجال مكافحة التطرف والإرهاب، ومن أكثر الدول المستهدفة من قبل الجماعات الإرهابية والمتطرفين، وعليه فمن الطبيعي أن نجد تلاقي في رؤي الجانبين في التعاطي مع الإرهاب والتطرف، وهو ما تجلى في وصف وزارة الخارجية الفرنسية على موقعها الرسمي مصر بأنها "شريك رئيسي في مكافحة الإرهاب".

وأكد السفير الفرنسي في مصر "ستيفان روماتيه" في مقابلة مع الأهرام أونلاين بنهاية يناير 2020، أن "محاربة الإرهاب ووجود أقوى تعاون أمني هما أولوية قصوى لكل من مصر وفرنسا، وأوضح حينها أن "تلك القضية من المحاور الرئيسة للتنسيق والتعاون بين فرنسا ومصر في ليييا"، موضًحا أنه "بالنسبة لفرنسا وجميع دول البحر المتوسط، تحتل ليبيا موقًعا جيواستراتيجًيا لكونها تقع على مفترق الطرق بين دول المنطقة؛ حيث يمكن أن تكون منصة جديدة للإرهاب من شأنها أن تشكل تهديدا كبيًرا للدول الأوروبية وفرنسا ومصر".

وتمثل التقارب في الاستراتيجية المشتركة التي يتبعها كلا البلدين لمحاربة الإرهاب، فنجد أن الدولة الفرنسية بمبادرة من رئيس الجمهورية، نظمت مؤتمرا دوليا في باريس يومي 25 و26 أبريل 2018 بعنوان "لا لتمويل الإرهاب "يهدف إلى مكافحة تمويل تنظيَمي "القاعدة" و"داعش". وقدمت على إثرها فرنسا مشروعا خاصا بمكافحة تمويل التنظيمات الإرهابية لمجلس الأمن الدولي، تبنته مصر بمارس 2019.

ويسعى كلا الطرفين لمواجهة الإرهاب بكل السبل، وقد قامت الدولة الفرنسية بدور ريادي في محاربة الإرهاب بمنطقة الساحل والصحراء منذ عام 2013 عبر عملية "سيرفال" في مالي. وتقدم كذلك القوات الفرنسية التابعة لعملية "برخان" دعما جوهريا لبلدان المجموعة الخماسية لمنطقة الساحل في سعيها إلى محاربة الإرهاب، بالإضافة لمشاركتها في التحالف الدولي لمحاربة تنظيم "داعش" منذ أغسطس 2014.

أما مصر فتقوم بجهود حثيثة لمكافحة الإرهاب ضد العناصر المسلحة في سيناء، بالإضافة لتلويحها بالتدخل العسكري في ليبيا لصد خطر الإرهاب الذي يمكن أن يحاصرها من الغرب، فضلا عن تنظيم دورات تدريبية لكوادر دول إفريقية وأوروبية عديدة.

وحسبما أفاد تقرير صادر عن وزارة الخارجية المصرية حول جهود مصر في مكافحة الإرهاب في يوليو 2020 الذي تم إعداده بالتنسيق مع الوزرات وأجهزة الدول المعنية؛ صّرح مساعد وزير الخارجية مدير وحدة مكافحة الإرهاب الدولي السفير إيهاب فهمي، بأنّ "مصر لطالما طالبت المجتمع الدولي بتنفيذ استراتيجية الجتثاث الجذور المسببة للإرهاب، وذلك من خلال مواجهة كافة التنظيمات الإرهابية دون استثناء؛ ومحاسبة الدول الداعمة له؛ وتجفيف منابعه الِفكرية ومصادر تمويله؛ مع ضرورة التزام كافة الدول في هذا السياق بالاحترام الكامل للقانون الدولي وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة".

كما تطّرق التقرير إلى الجهود ُ الوقائية والتوعوية اتصالا بمواجهة الِفكر المتطّرف، باعتبار أن هذا البعد يعد المحفز الرئيسي لارتكاب أعمال إرهابية، سواء كان نابعًا من أيديولوجيا تكفيرية منحرفة أو من خطاب ُمتشدد تحريضي قائم على العنصرية وكراهية الأجنبي، مبرزًا أّن مصر كانت َسَّباقة في هذا المجال أيضًا من خلال المبادرة التي أطلقها الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، منذ عام 2014 لتصحيح وتصويب الخطاب الديني، والمطالبة بالتصدي للخطاب الإرهابي، وطرح قرار مجلس الأمن رقم 2354 (2017) في هذا الخصوص.

وبالرغم من التوافق في المقاربات المصرية والفرنسية تجاه قضايا مكافحة التطرف والإرهاب؛ إلا أن هذا لم يمنع من وجود بعض الخلافات العميقة في الرؤي للتعامل مع ملفات أخرى في السياق ذاته، نظرا لاختلاف السياق التاريخي والفكري وأشكال وأنواع وحجم التهديدات التى تواجه كلا البلدين، ويبرز في هذا السياق، التنديد الفرنسي بمعالجة مصر لملف حقوق الإنسان، وظهر ذلك في تعبير الرئيس "ماكرون" أثناء زيارته لمصر في يناير 2019 عن أسفه لأن الوضع لايتقدم "في الاتجاه الصحيح" في مصر بسبب سجن "مدونين وصحافيين وناشطين". ولكن الرئيس "السيسي" رفض تلك التعليقات وشدد على خصوصية المنطقة فقال "لا تنسوا أننا في منطقة مضطربة". إلا أن هذا لم يمنع من محاولة الجانبين لتقريب وجهات النظر وهو ما ظهر في ترحيب الرئاسة الفرنسية بالإفراج عن ثلاثة من مسؤولي منظمة "المبادرة المصرية للحقوق الشخصية"، كان قد أثار اعتقالهم في نوفمبر الماضي غضًبا في فرنسا ودول أخرى، وتم اعتبارها إشارة إيجابية.

الأزمة اللبنانية:

تتوافق الرؤى المصرية والفرنسية تجاه الأوضاع السياسية المتأزمة التي تعاني منها الدولة اللبنانية؛ حيث أكدت مصر على موقفها الثابت والداعم لأمن واستقرار لبنان، وأنها حريصة على مساندة الشعب اللبناني وهو ما تجلى عقب انفجار مرفأ بيروت في أغسطس 2020؛ إذ قدمت مصر العديد من المساعدات للمساهمة في إعادة الأعمار وتجاوز هذه المحنة عبر إقامة جسر بحري مصري لإمدادها بمواد البناء، وجسر جوي لنقل المساعدات الطبية والغذائية.

أما فرنسا فقد دعمت الشعب اللبناني وحرصت على مساندته هو ما تمثل عقب انفجار المرفأ؛ حيث زار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، لبنان بعد الانفجار مباشر ليكون أول رئيس يزور البالد بعد يومين من الانفجار، وعاد مرة ثانية بعد أقل من شهر على الحادث إذ حرص على تقديم الدعم للشعب اللبناني، والتضامن معه، عالوة على تقديم مجموعة من المساعدات التي تم رهنها بالإصالحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، للضغط على السياسين والمسئولين للاستجابة لمطالب الشعب والإسراع في تشكيل حكومة وطنية ممثلة لجميع طوائف الشعب اللبناني، كما طرح إمكانية عقد مؤتمرات دولية للمانحين لدعم للاصالحات الداخلية.

الهجرة غير الشرعية:

لطالما أرقت تلك القضية كلا البلدين، فلطالما واجهت مصر أزمة في السيطرة على تدفقات الهجرة غير الشرعية التي صاحبتها مهددات جسمية للأمن القومي المصري، سواء بتنامي عصابات الاتجار في البشر أو تسهيل العمليات الإرهابية وغيرها من نشاطات تهريبية.

وقامت مصر على إثر ذلك بتبني سياسة قوية لمنع الهجرة غير الشرعية منذ عام 2016، وبلغت أعلى درجات النجاح من خلال سيطرتها التامة على هذا النوع من الهجرة. ففي شهر يناير 2020، قال المدير العام للمنظمة الدولية للهجرة "أنطونيو فيتورينو" إن معدل الهجرة غير الشرعية من مصر إلى أوروبا انخفض خلال الأشهر الماضية إلى الصفر تقريًبا، وذلك بفضل الإجراءات الفعالة التي اتخذتها الحكومة المصرية.

وأشاد فيتورينو، باستراتيجية مصر الوطنية لمكافحة الهجرة غير الشرعية التي تم تبنيها منذ عام 2016، ما يجعلها من أوائل الدول التي تستخدم نهًجا نشطا وفعالا للتعامل مع الهجرة غير الشرعية.

وأكد فى الشهر ذاته، السفير الفرنسي في مصر ستيفان روماتيه، على دور مصر القوي في وقف موجات الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا، موضحا أنه منذ خريف عام 2015، عانت بلاده من موجات الهجرة عبر البحر الأبيض المتوسط عبر اليونان والبلقان وليبيا، وحتى بعضها جاء من مصر في ذلك الوقت، إلا أن السلطات المصرية قامت بمجهود ضخم منذ عام 2016 في وقف معدلات الهجرة غير الشرعية، وثمن الجهود المصرية الكبيرة في هذا الإطار.

وجدير بالذكر أن أول قمة عربية أوروبية عقدت في فبراير 2019 تحت شعار "الاستثمار في الاستقرار" برئاسة كل من الرئيس عبدالفتاح السيسي، ورئيس المجلس الأوروبي السابق دونالد تاسك، بحضور 24 زعيمًا أوروبيًا و16 زعيمًا عربيًا، بمدينة شرم الشيخ.

وأرجع العديد من المحللين أن اختيار مصر لاستضافة القمة جاء كتقدير لجهودها في ملفي مكافحة الهجرة غير الشرعية، والإرهاب.

وقبل أيام من القمة، أشاد رئيس وكالة الحدود وخفر السواحل التابعة للاتحاد الأوروبي (فرونتكس) بالسلطات في القاهرة لمنعها أي مهاجر من الخروج إلى أوروبا عبر السواحل المصرية منذ عام 2016.

أما فرنسا فتعتبر من الدول القائدة في الاتحاد الأوروبي، وعليه فإن موجات الهجرة التي تواجهها أثرت عليها وعلى سياساتها بشكل كبير، بالإضافة لمعاناتها الذاتية مع أزمة الهجرة غير الشرعية.

وربط الرئيس الفرنسي بين الهجرة غير الشرعية والتهديدات الإرهابية التي تواجه بلاده، وكان آخرها اعتداء "نيس" الذي قام به مواطن تونسي سافر بطريقة غير شرعية من خلال إيطاليا إلى فرنسا بنهاية شهر أكتوبر.

وتعهد منذ ذلك الحين الرئيس ماكرون، في 5 نوفمبر 2020 بتشديد إجراءات مراقبة الحدود وقمع الهجرة غير الشرعية كجزء من الاستراتيجية الشاملة للبلاد لمكافحة "التهديد الإرهابي" المتصاعد، وقال خلال زيارة إلى الحدود مع إسبانيا المجاورة: "نرى بوضوح شديد أن الأعمال الإرهابية يمكن أن يقودها في الواقع بعض الأشخاص الذين يستخدمون تدفقات الهجرة لتهديد أراضينا".

القضية الفلسطينية

يتوافق الجانبان المصري والفرنسي، على أن حل القضية الفلسطينية يكون على أساس حل الدولتين، والتوصل إلى أساس عادل وشامل، وإقامة الدولة الفلسطينية وفًقا لحدود يونيو 1967، تكون عاصمتها القدس الشرقية، وهو ما أكده وزير الخارجية الفرنسي "جان إيف لودريان" في زيارته في لمصر في نوفمبر 2020.

ويتوافق الموقف الفرنسي وموقف الاتحاد الأوروبي الرافض لاستمرار التوغل الإسرائيلي على الأراضي الفلسطينية، وإقامة المستوطنات.

وفي أكتوبر 2020، أعرب وزراء خارجية كل من فرنسا وأسبانيا وإيطاليا وألمانيا والمملكة المتحدة عن قلقهم إزاء القرار الذي اتخذته السلطات الإسرائيلية ببناء أكثر من 4900 وحدة بناء استيطانية في الضفة الغربية المحتلة، ووضحوا أن هذا التوسيع ينتهك القانون الدولي ويعرقل جهود التوصل لاتفاق سلام دائم وعادل قائم على حل الدولتين.

ومن المتوقع أن يستمر نهج العلاقات بين القاهرة وباريس، على هذا المسار من التوافق
المتبادل في التعاطي مع العديد من القضايا والأزمات التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط، والتي انعكست تداعياتها بشكل كبير على الدول الأوروبية بشكل عامة وفرنسا بشكل خاص.



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك