«ابن طفيل» ألهم فلاسفة عصر التنوير من أمثال باروخ سبينوزا وجون لوك تأثير رواية «حى بن يقظان» على البريطانى دانيال ديفو صاحب القصة الشهيرة «روبنسون كروز» - بوابة الشروق
الجمعة 5 سبتمبر 2025 5:07 ص القاهرة

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

برأيك.. من البديل الأنسب لـ ريبيرو في النادي الأهلي؟

«ابن طفيل» ألهم فلاسفة عصر التنوير من أمثال باروخ سبينوزا وجون لوك تأثير رواية «حى بن يقظان» على البريطانى دانيال ديفو صاحب القصة الشهيرة «روبنسون كروز»

ابن طفيل
ابن طفيل
كتبت ــ منى غنيم:
نشر في: الجمعة 9 أبريل 2021 - 8:43 م | آخر تحديث: الجمعة 9 أبريل 2021 - 8:43 م
الرواية ألهمت قادة حركات دينية غيرت وجه العالم للمطالبة بإلغاء العبودية وتحرير المرأة

«الطريق إلى الأمام بالنسبة للعالم الإسلامى يكمن فى التوفيق بين الإيمان والعقل، وتكمن الخطوة الأولى فى إعادة قراءة موروث الفلاسفة من العصر الذهبى للحضارة الإسلامية من أمثال «ابن طفيل» و«ابن رشد» من أجل التحرك بثبات نحو المستقبل».
نشرت صحيفة «النيويورك تايمز» الأمريكية موضوعا أكدت فيه التأثير الواضح للفيلسوف الأندلسى ابن طفيل على الأدب البريطانى، قائلة: «ونسوق هنا مثالا للقصة الشهيرة التى قرأها الملايين حول العالم والتى تدور حول رجل تقطعت به السبل بمفرده على جزيرة نائية؛ وهى «روبنسون كروز» بقلم الروائى البريطانى والناشط السياسى فى القرن الثامن عشر، دانيال ديفو. وقليلون من يعرفون أنه فى عام 1708، قبل 11 عاما من كتابة «ديفو» روايته الشهيرة، قام سايمون أوكلى، الباحث المستشرق بجامعة كامبريدچ، بترجمة ونشر رواية عربية من القرن الثانى عشر بعنوان «حى بن يقظان» للفیلسوف الأندلسى أبى بكر محمد بن طفيل، وقد لاحظ محرر سابق فى صحيفة «الجارديان»، هو مارتن وينرايت، أن كلاسيكية «روبنسون كروز» قد تأثرت تأثرا جليا فى أكثر من موضع برواية العربى «ابن طفيل».
وتسرد رواية «ابن طفيل» وقائع حكاية الفتى «حى» الذى نشأ وحيدا فى جزيرة مهجورة مع الحيوانات، وعندما كبر استخدم حواسه وعقله لفهم طريقة عمل العالم الطبيعى، واستكشف قوانين الطبيعة بمفرده، بل وابتكر لاهوتا عقلانيا كاملا، وطرح نظريات حول أصل الكون، وطور حسا أخلاقيا نابعا من الرحمة والعطف على الحيوانات، فامتنع عن أكل اللحوم وأصبح نباتيا.
ثم غادر «حى» جزيرته ذات يوم وانضم لجماعة دينية تعلم من خلالها أن تعاليم العقل والدين متوافقة ومتكاملة، ولكنه مع الأسف لاحظ فظاظة ورياء بعض المتدينين الذين لم ينجحوا فى إخفائهما، ومن ثم فضل العزلة مرة أخرى والعودة إلى جزيرته حيث وجد الله الحق فى الوحدة، وطور من مفاهيمه عن الحقيقة والأخلاق والأخلاق من خلال الاعتماد على الملاحظة والتفكير.
كانت رسالة «ابن طفيل» واضحة ــ وكانت جريئة جدا فى زمانها: كان الدين طريقا إلى الحقيقة، لكنه لم يكن الطريق الوحيد؛ لقد بارك الإنسان بالوحى الإلهى، وبالعقل والضمير من الداخل؛ فيمكن للناس أن يتحلوا بالحكمة والفضيلة بدون الاعتماد على الدين.
وقد تمت ترجمة رواية «حى بن يقظان» إلى اللغة اللاتينية بقلم إدوارد بوكوك چونيور عام 1671، وإلى الإنجليزية بقلم كلا من چورچ كيث عام 1674 وسيمون أوكلى عام 1708، وكان من بين المعجبين بعمل «ابن طفيل» فلاسفة عصر التنوير على غرار: باروخ سبينوزا، وجوتفريد فيلهلم ليبنيز، وچون لوك، الذين كانوا يحاولون تعزيز الشعور بالكرامة الإنسانية فى العالم المسيحى الذى عذبته الحروب الدينية والاضطهاد الطائفى لفترة طويلة.
كما تضمنت قائمة المعجبين بالرواية طائفة بروتستانتية جديدة؛ هى «جمعية الأصدقاء الدينية» أو «الكويكرز»، وهى مجموعة من المسيحيين البروتستانت نشأت فى القرن السابع عشر فى إنجلترا على يد چورچ فوكس، وقد ساعد المترجم چورچ كيث، وهو أحد أعلامها البارزين، فى نشر الروایة فى دوائر المثقفين الأوروبيين بسبب احتوائها بين طيات صفحاتها على لُب عقيدة «الكويكرز»؛ التى هى أقرب للاهوت الإنسانى الذى يقول إن كل إنسان لديه «نور داخلى» بغض النظر عن العقيدة أو الجنس أو العِرق، وقد علا شأن «الكويكرز» فى غضون بضعة قرون، وقادوا حملات من شأنها أن تغير وجه العالم للمطالبة بإلغاء العبودية، وتحرير المرأة، وغير ذلك من القضايا الجديرة بالاهتمام.
كما تألقت الرؤى فى أعمال «ابن طفيل» التى ألهمت الكويكرز فى أعمال أبو الوليد محمد بن رشد، المعروف أيضا باسم Averroes؛ فقد كلف «ابن طفيل» ــ الذى شغل منصب وزير فى بلاط الخليفة الموحد لإسبانيا الإسلامية ــ «ابن رشد» بكتابة تعليقات حول الفلسفة اليونانية القديمة، والتى أصبحت المصدر الرئيسى لإعادة اكتشاف الإغريق فى أوروبا مما أكسبه احتراما كبيرا فى الغرب.
وقد سعى «ابن رشد» أيضا إلى مواءمة أفكاره الفلسفية مع الشريعة الإسلامية، وشارك «ابن طفيل» فى نفس الرؤية أن الدين والعقل مصدران مستقلان للحكمة؛ فللدين قوانينه المكتوبة، وللعقل قوانينه غير المكتوبة من المبادئ العالمية للعدالة والرحمة، وسبق أن ذكر «ابن رشد» أنه عندما يكون هناك تعارض بين هذين الاثنين، يجب إعادة تفسير قوانين الدين المكتوبة لأنها مرتبطة حتما بالسياق.
وطبق «ابن رشد» هذه الرؤية على موضوع شائك؛ ألا وهو الجدل حول الجهاد، منتقدا المسلمين فى عصره الذين دعوا إلى الجهاد حتى يقضوا على كل من اختلف معهم فى الرأى، ورأى أن هذا الموقف يعكس جهلا من جانبهم بقصد المُشرِع، الذى لا يمكن أن يكون لديه إرادة بإشعال الحرب وتحميل البشر تبعاتها المريرة.
واستخدم نفس المنظور لنقد فكرة إضعاف المرأة فى المجتمع الإسلامى فى العصور الوسطى، والذى كان نتيجة إنكار قدرتها الفكرية، كما بذل قصارى جهده لتعزيز وجهات النظر الأكثر ملاءمة للمرأة فى الفقه الإسلامى: للمرأة الحق فى رفض تعدد الزوجات، والتمتع بحق متساوٍ فى الطلاق، وتجنب الحجاب، وأن تصبح قاضية.
كانت المساهمة الرئيسية الأخرى لـ«ابن رشد» فى أوروبا الحديثة هى دعوته للنقاش المفتوح؛ حيث يتم التعبير عن الآراء بحرية وقياسها بعقلانية. وقال: «يجب عليك دائما، عند تقديم حجة فلسفية، الاستشهاد بآراء خصومك..عدم القيام بذلك هو اعتراف ضمنى بضعف قضيتك»، وقال الحاخام الراحل جوناثان ساكس، إن العديد من المفكرين فى أوروبا تأثروا تأثرا شديدا بآراء «ابن رشد» مثل؛ الحاخام جوداه لوف من براج فى القرن السابع عشر، والشاعر الإنجليزى چون ميلتون، والفيلسوف ورجل الدولة الإنجليزى چون ستيوارت ميل.
غير أن «ابن رشد» لم يحظ بنفس الشعبية فى إسبانيا الإسلامية؛ حيث كره المتشددون تساهله فى الفلسفة واتهموه بأنه مشرك بعد أن استشهد بفيلسوف يونانى كان من عابدى كوكب الزهرة، ولقد تعرض للإذلال والنفى والحبس المنزلى جراء ذلك وأُحرِقت كتبه فى الفلسفة فلم يصل إلينا سوى بعض الترجمات العبرية أو اللاتينية فى أوروبا، بينما فقدت النسخ العربية للأبد.


قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك