أنبياء الله (27).. زكريا وابنه يحيى: هل قتلا على أيدي بني إسرائيل؟ - بوابة الشروق
الأربعاء 24 أبريل 2024 7:38 ص القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أنبياء الله (27).. زكريا وابنه يحيى: هل قتلا على أيدي بني إسرائيل؟

بسنت الشرقاوي
نشر في: الأحد 9 مايو 2021 - 11:17 ص | آخر تحديث: الأحد 9 مايو 2021 - 11:17 ص

يقول الله تعالى في القرآن الكريم: "لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب"، من هذا المنطلق تستعرض الشروق مجموعة قصصية عن سير أنبياء الله، خلال شهر رمضان الكريم، بهدف استخلاص الموعظة والحكمة.

نستعرض في الحلقة السابعة والعشرين من هذه السلسلة، قصة النبين زكريا وابنه يحيى عليهما السلام، من أنبياء بني إسرائيل، وذلك من خلال كتاب "البداية والنهاية" عن قصص الأنبياء، لمؤلفه الإمام الحافظ أبي الفدا إسماعيل ابن كثير القرشي، المتوفى عام 774 هجريا.

*نسب النبي زكريا عليه السلام

هو زكريا بن برخيا، ويقال: زكريا بن دان، ويقال زكريا بن لدن بن مسلم بن صدوق بن حشبان بن داود بن سليمان بن مسلم بن صديقة بن برخيا بن بلعاطة بن ناحور بن شلوم بن بهفاشاط بن اينا من ابن رحبعام بن سليمان بن داود أبو يحيى النبي عليه السلام من بني إسرائيل، وكان عليه السلام نجارا يعمل بيده، ويأكل من كسبها، وابنه يحيى عليه السلام مثلهم في الكرامة التي أكرمهم بها الله من الوحي والنبوة.

* الله يهب النبي زكريا وامرأته العاقر غلاما

يقول الله تعالى في كتابه العزيز، سورة مريم: {كهيعص* ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا* إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيّا* قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيّا* وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّا* يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيّا* يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيّا* قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيّا* قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئا}.

بلغ النبي زكريا عليه السلام الشيب وكانت امرأته عاقرا، ولم ينجبا أبدا، فقام جزءا من الليل فنادى ربه فقال: يا رب يا رب يا رب، فرد عليه الله تعالى لبيك لبيك لبيك، فقال عليه السلام فيما معناه، أن جسده ضعف وخار من الكبر، واشتعل رأٍسه شيبا، وقد استحوذ عليه الضعف باطنا وظاهرا، وخاف من تصرف عصبة بني إسرائيل بعده بما لا يوافق شرع الله وطاعته، فسأل الله أن يهبه ولدا من صلبه يكون بارا تقيا مرضيا كما كان آباؤه وأسلافه من ذرية يعقوب عليه السلام جد بني إسرائيل، وأن يجعله مثلهم في الكرامة التي أكرمهم بها من النبوة والوحي.

فدعى النبي زكريا ربه فقال: {وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيّا} أي لم أسألك فيما دعوتني بل كنت أنفذه، وكان هذا إشارة عندما تكفل بالسيدة البتول مريم ابنة عمران، وكان كلما دخل عليها محرابها وجد عندها فاكهة في غير أوانها، فعلم أن الرازق للشيء في غير أوانه قادر على أن يرزقه ولدا، وإن كان قد كبر سنه، فبشره الله تعالى بيحيى، وجعل امرأته تحيض بعد أن شابت وانقطع عنها الطمث، فتعجب زكريا عليه السلام من معجزة الله.

يقول الله تعالى: {يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيّا * قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيّا * قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئا}.

* رسالة النبي يحيى

علم الله تعالى النبي يحيى الكتاب والحكمة وهو صغير في صباه، فعندما قال الصبيان ليحيى اذهب بنا نلعب، قال لهم: ما للعب خلقنا، أي لم يخلقنا الله للعب، وكان رحيما بأبويه؛ فكان يحبهما ويشفق عليهما ويبرهما، بل وشملت هذه الرحمة الناس، وكان طاهر الخلق وسلم من النقائض والرذائل، ومهتد بتقوى طاعة الله بالامتثال لأوامره وترك زواجره، يقول الله تعالى: {يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيّا * وَحَنَانا مِنْ لَدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيّا * وَبَرّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّارا عَصِيّا * وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيّا}.

وقال ابن وهب، عن ابن شهاب: "خرج النبي محمد رسول الله ﷺ ذات يوم على أصحابه وهم يتذاكرون فضل الأنبياء فقال قائل موسى كليم الله، وقال قائل عيسى روح الله وكلمته، وقال قائل إبراهيم خليل الله، فقال النبي: أين الشهيد ابن الشهيد، يلبس الوبر، ويأكل الشجر مخافة الذنب، فقال ابن وهب إن الرسول يقصد يحيى بن زكريا".

وقال الإمام أحمد، حدثنا عفان، عن الحارث الأشعري، أن النبي ﷺ قال: "إن الله أمر يحيى بن زكريا بخمس كلمات أن يعمل بهن، وأن يأمر بني إسرائيل أن يعملوا بهن، وكاد أن يبطئ، فقال له عيسى عليه السلام: إنك قد أمرت بخمس كلمات أن تعمل بهن، وتأمر بني إسرائيل أن يعملوا بهن، فإما أن تبلغهن، وإما أن أبلغهن، فجمع يحيى بني إسرائيل في بيت المقدس حتى امتلأ المسجد، فقعد على الشرف، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال إن الله عز وجل أمرني بخمس كلمات أن أعمل بهن، وآمركم أن تعملوا بهن، وأولهن أن تعبدوا الله لا تشركوا به شيئا، وأمركم بالصلاة، فإن الله ينصب وجهه قبل عبده ما لم يلتفت، فإذا صليتم فلا تلتفتوا، وأمركم بالصيام، وأمركم بالصدقة، وآمركم بذكر الله عز وجل كثيرا"، حديث مختصر.

* زهد النبي يحيى في العبادة

ويروي ابن المبارك، عن وهيب بن الورد، إن النبي زكريا افتقد ابنه يحيى ثلاثة أيام، فخرج يلتمسه في البرية فإذا بيحيى قد حفر قبرا وأقام فيه يبكي على نفسه، فقال زكريا: يا بني أنا أطلبك من ثلاثة أيام، وأنت في قبر قد حفرته قائم تبكي فيه، فقال يحيى: يا أبت ألست أنت من أخبرني أن بين الجنة والنار مفازة، لا تقطع إلا بدموع البكائين، فقال له: ابك يا بني، فبكيا جميعا.

* هل قتل النبيان زكريا ويحيى عليهما السلام؟

اختلف أهل العلم في حقيقة مقتل زكريا وابنه يحيى عليهما السلام، حيث ذكر ذلك الإمام ابن كثير عن وهب بن منبه، فيما قال الإمام الطبري أن فساد بني إسرائيل الأول كان بقتل زكريا، وأن فسادهم الثاني كان بقتل يحيى، وليس في قتلهما نص ثابت، لكن ربما ما يدعم ذلك هو انه في القرآن الكريم تكرر ذكر قتل بني إسرائيل للأنبياء بغير حق.

يقول الله تعالى، في سورة آل عمران: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ}، وقال تعالى في إشارة أخرى، في سورة البقرة: {أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ}، وأيضا قوله تعالى في نفس السورة: {فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}، ويربط أغلب المفسرين هذه الآيات بمقتل زكريا ويحيى عليهما السلام.

ويقال في طريقة قتل النبي يحيى عليه السلام أسبابا من أشهرها أن بعض ملوك ذلك الزمان بدمشق في سوريا، كان يريد أن يتزوج ببعض محارمه، أي بامرأة لا تحل له أن يتزوجها، فنهاه يحيى عليه السلام عن ذلك، فظل غاضبا منه، فلما كان بين المرأة وبين الملك ما أحب منها، استوهبت منه دم يحيى فوهبه لها، فبعثت إليه من قتله، وجاء برأسه ودمه في طشت إلى عندها، ويقال إنها هلكت، وقيل في رواية أخرى إن امرأة الملك أحبت يحيى وراسلته فأبى عليها، فلما يئست منه أمرت الملك بقتله، فبعث من قتله وأحضر إليها رأسه ودمه في طشت.

وعن مقتل نبي الله زكريّا وعلاقة ذلك بقتل ولده يحيى، تقول بعض الروايات عند أهل الكتاب، إنّ زكريّا بعد سماعه بمقتل ولده يحيى خرج حتى دخل بستاناً عند بيت المقدس، فأرسل المَلِك في طلبه، وبينما هو في البستان نادته إحدى أشجاره أن يذهب إليها، فلمّا ذهب انشقّت واختبأ في وسطها، فأخبر الشيطان أعوان المِلك بمكانه، وأحضر لهم جزءاً من ثوبه دليلاً على صدقه، فجاءوا إلى الشجرة التي اختبأ فيها وشقّوها نصفين بالمنشار؛ فمات زكريا عليه السّلام وهو بداخلها.

واختلف العلماء في مكان مقتل يحيى بن زكريا، فقيل إنه قتل في بيت المقدس، وقيل في دمشق، وروى الحافظ ابن عساكر، عن زيد بن واقد أنه قال: "رأيت رأس يحيى بن زكريا حين أرادوا بناء مسجد دمشق أخرج من تحت ركن من أركان القبلة الذي يلي المحراب مما يلي الشرق، فكانت البشرة والشعر على حاله لم يتغير"، وذكر في بناء مسجد دمشق، أنه دفن تحت العمود المعروف بعمود السكاسكة، والله أعلى وأعلم.

ويوجد مقام النبي يحيى، أو ضريح رأس "يوحنا المعمدان" كما يسميه أهل الكتاب، في قلب الجامع الأموي في دمشق بسوريا، وكان معلما ومزارا دينيا للمسلمين والمسيحيين على حد سواء، قبل هدمه في الحرب السورية.



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك