جمال قطب يكتب في الثقافة الدستورية (15): الدستور وعقده السياسي –ب - بوابة الشروق
الثلاثاء 23 أبريل 2024 1:21 م القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

جمال قطب يكتب في الثقافة الدستورية (15): الدستور وعقده السياسي –ب


نشر في: الإثنين 20 مايو 2019 - 9:47 ص | آخر تحديث: الإثنين 20 مايو 2019 - 9:47 ص

أفرطت كتب الفقه ومعها كتب التفسير والتاريخ والأدب إفراطا عظيما فى تضخيم منصب الحاكم، بداية من الألقاب التى تمنح حاملها قداسة دون مبرر شرعى. فأعجب لهذا اللقب الذى طرأ على مائدة التراث الفقهى بعد وفاة الرسول (صلى الله عليه وسلم)، وهو لقب الخليفة الذى منحه بعض الصحابة للصديق أبى بكر بعد أن حملوه بأعباء إدارة المجتمع. ولقب الخليفة فى الأصل مصطلح قرآنى منحه الله جل جلاله لآدم أبى البشر جميعا. ومع يقين كل المؤمنين أن منح لقب الخليفة لآدم عليه السلام لا يعنى نيابة عن الله أو وكالة عنه، حاشا لله ثم حاشا لآدم عليه السلام. وأفضل ما يقبله العقل المسلم فى تأويل هذا اللقب أن آدم إرساء لجنس جديد من المخلوقات يتحمل أعباء استخدام المسخرات والولاية عليها، وهو جنس يتوارث أجياله بعضهم بعضا، أى أن ذرية آدم خلائف متتابعة يخلف كل جيل من قبله وهكذا إلى يوم القيامة. وعلى هذا فاللقب تشريف لآدم وذريته ومنحة إلهية لذلك الجنس الأرقى بين المخلوقات.

(1)

لكن القوم وقد هالهم رحيل رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وأرادوا أن يديروا مجتمعهم ــ مجتمع المدينة المنورة ــ بطريقة مغايرة تماما لإدارة القبائل والعشائر، كما أرادوا ــ ولهم الحق ــ أن يتجنبوا مأزق الأمم الأخرى حيث أصابهم استبداد الأباطرة والأكاسرة. لذلك فسرعان ما أعجبهم لقب خليفة يطلقونه على أبىبكر الصديق يعبرون به عن رغبتهم فى أن يخلف الحاكم رسول الله فى إدارة المجتمع (الدولة) متأسيا وملتزما بالسلوك النبوى الشريف. وحدث أن نادى أحد البدو على أبى بكر قائلا له: يا خليفة الله.. وسرعان ما قال له أبوبكر: لست أنا خليفة الله، ولكنى خليفة رسول الله وحسب. فعمله ومسئوليته بعيدة كل البعد عن التقديس وعن الوحى.. إلخ.

(2)

فلما بايع الناس عمر بن الخطاب (رضى الله عنه) بعد موت أبى بكر، أصبح عمر مستحقا للقب خليفة خليفة رسول الله، لأن عمر جاء بعد أبى بكر، وهكذا من يأتى بعده مستحق لقب خليفة خليفة خليفة رسول الله ّ!!! لذلك اشترك عمر بن الخطاب مع الصحابة فى البحث عن تصحيح وتقويم للقب «خليفة»، فقر قرارهم على اختيار لقب «أمير المؤمنين» حيث إن هذا اللقب يعنى دلالتين:
1ــ أن حامل اللقب أمير قد كلفه الناس بمسئولية الإمارة والإدارة.
2ــ وأيضا فهو أنه مسئول عن جماعة المؤمنين، فهو مطالب أن يسوسهم ويباشر أمورهم طبقا لضوابط الإيمان، وكان هذا اللقب لقبا محبوبا مقبولا محملا بمفهوم الحكم الراشد، فحامل اللقب يمارس صلاحياته حياته طبقا لارادة المؤمنين.

(3)

واستمر اللقب مع عمر ثم عثمان ثم مع على (رضى الله عنهم جميعا)، ثم مع الأمويين، وقد تجد فى كتب الفقه والتاريخ من يستعمل اللقبين فيطلق على الحاكم، لقب أمير المؤمنين وعلى وظيفته لقب «الخلافة». هكذا ليمنحوا حامل اللقب قدرا من الهيبة والقداسة. ورغم وضوح الأمر إلا أن النفاق من ناحية والاستبداد من ناحية أخرى روج بين الناس روايات حديثية مرفوضة ومردودة غير مقبولة عند علماء الحديث. ومن بين تلك الأكاذيب روايات كثيرة تدور حول: «السلطان ظل الله فى الأرض.. فمن أكرمه أكرمه الله ومن أهانه أهانه الله»!!!! وقد حكم رجال الحديث ببطلان وسقوط تلك الروايات، فتلك جميعا ترهات بنى أمية اخترعوها لتدجين الناس. وتبعهم فى ذلك حكام الدولة العباسية حتى قال أبوجعفر المنصور: أيها الناس إنما أنا سلطان الله فى أرضه أسوسكم بتوفيقه وتسديده، وأنا خازنه على فيئه (ماله) أعمل فيه بمشيئته وأقسمه بإرادته وأعطيه بإذنه، قد جعلنى الله عليه قفلا إذا شاء أن يفتحنى وإذا شاء أن يغلقنى!!! هكذا يعلن الحاكم أنه جزء من القدر. والمؤمن لا يقاوم الأقدار إنما يرضى بها، فانظر كيف كانوا يكذبون على الله قبل أن يكذبوا على الناس!

(4)

ومسألة اللقب لم تقف عن حد الخليفة أو أمير المؤمنين. فإن استعمال احدهما فقط يقلل القداسة لهذا سارع المنافقون أصحاب الأصوات العالية بتطوير ذلك اللقب تطويرا عجيبا. فمنذ السنوات الأخيرة فى حكم عثمان بن عفان قد ظهر فى المجتمع فكر مستجد لا يستند إلى القرآن الكريم، ولا صلة له بصحيح السنة النبوية. وأقصد فكر التشيع لبنى هاشم، وادعاء حقهم فى توارث ولاية الأمة. وتطرف بعضهم فى اعتبار ولايات أبى بكر وعمر وعثمان ولايات باطلة لأن الحق كما يزعمون حق على بن أبى طالب، ومع وضوح هذا الإفك فقد منحوا الحاكم لقب «الإمام»!!! وهكذا فالإمام، كما نراه فى الصلاة، متبوع وكذلك الإمام الحاكم يبقى متبوعا ولا يناقش!!
وكل تلك الألقاب «الخليفة ــ أمير المؤمنين ــ الإمام» ماتت كما ولدت لأنها ليست من الدين فى شىء.

(5)

وغنى عن البيان أننا نزعم إمكانية بقاء المجتمع أو الدولة أو الأمة دون تنظيم وضبط ومسئولية فذلك التنظيم أمر فطرى وعقلى والشرع لا ينكره ولكنهم يزيفون على الناس تستر الحاكم فى «حق مقدس» أو فى وراثة الحكم. فضرورة الدولة وأهميتها شىء، واستعلاء واستبداد الحكام ونهب خيرات الأمة باسم الدين شىء آخر.

يتبع..



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك