قال المهندس محمد أبو سعدة، رئيس الجهاز القومي للتنسيق الحضاري، إن القاهرة الخديوية تمثل ذاكرة معمارية فريدة تختلف عن القاهرة التاريخية، مشيرًا إلى أن الجهاز يتعامل مع أكثر من 730 مبنى مسجَّل كـ"طراز معماري متميز"، ينتمي إلى مدارس معمارية متنوعة ويعبّر عن هوية عمرانية تشكّلت في النصف الثاني من القرن التاسع عشر.
وأوضح، في تصريحات لقناة إكسترا نيوز، أن الجهاز أنشأ الأرشيف القومي للمباني التراثية لتوثيق وحصر هذه المباني على مستوى الجمهورية، بما يتيح مرجعًا دقيقًا يمكن العودة إليه عند ترميم أو إعادة توظيف أي مبنى، مضيفًا أن العمل لا يقتصر على التوثيق فقط، بل يشمل أيضًا استرجاع المفردات المعمارية في واجهات المباني، واستعادة ألوانها وتناسقها الأصلي، وتنظيم حركة المشاة داخل الممرات التاريخية مثل بهلر، الشريفين، الألفي، والـبورصة.
وأشار أبو سعدة إلى أن تجربة تطوير وسط البلد جاءت ثمرة شراكة بين عدد من مؤسسات الدولة، بينها محافظة القاهرة ووزارة الإسكان والجهاز القومي للتنسيق الحضاري، إلى جانب أصحاب العقارات والمحال التجارية والبنوك، مؤكدًا أن نجاح المشروع اعتمد على حوار مجتمعي واسع مع أصحاب المصلحة، لضمان الحفاظ على الواجهة التاريخية للمباني دون الإضرار بالأنشطة الاقتصادية القائمة.
وفيما يتعلق بمشروع تطوير ميدان العتبة، أوضح رئيس الجهاز أن المنطقة تشهد إعادة تنظيم شاملة، تتضمن إعادة توزيع الباعة الجائلين بشكل حضاري، واستعادة حديقة الأزبكية كـ"رئة خضراء" في قلب القاهرة، بالتوازي مع أعمال تطوير ميدان الأوبرا والواجهات المحيطة به.
وأضاف أن الدولة تنفذ حاليًا مشروعات طموحة في منطقة القاهرة التاريخية، تشمل إزالة كوبري السيدة عائشة واستبداله بساحة مفتوحة أمام المسجد التاريخي، إلى جانب تطوير ساحة السلطان حسن والرفاعي، واستكمال أعمال حديقة الفسطاط ومحيط متحف الحضارة وبحيرة عين الصيرة، بهدف استعادة القيمة العمرانية والسياحية لتلك المناطق.
وتحدث أبو سعدة عن مشروع "حكاية شارع" الذي ينفذه الجهاز ضمن مبادرة "ذاكرة المدينة"، موضحًا أنه يهدف إلى تعريف المواطنين بتاريخ الشخصيات التي سُمِّيت الشوارع بأسمائها، عبر لوحات تعريفية تحمل رمز QR يتيح الوصول إلى معلومات تفصيلية عن كل شخصية، مضيفًا أن المشروع بدأ في القاهرة الخديوية ثم امتد إلى المحافظات الأخرى.
وحول الجدل الذي أثير مؤخرًا بشأن تمثال الساعة في الإسماعيلية، قال أبو سعدة إن أي عمل فني يوضع في فراغ عام يجب أن يُعرض على لجنة مختصة بالجهاز تضم معماريين وفنانين تشكيليين ومخططين، مؤكدًا أن ما حدث في الإسماعيلية لم يُعرض على اللجنة، وأن الجهاز تواصل مع المحافظة لمراجعة العمل وتقييمه فنيًا.
كما أشار إلى أن الجهاز أطلق الأرشيف الوطني للأشجار النادرة والمعمّرة، الذي بدأ بحصر الأشجار في أحياء مثل المعادي وحدائق الأسماك والقرمان والأزبكية، من خلال تطبيق إلكتروني يوثّق عمر كل شجرة وحالتها، تمهيدًا لتحويلها إلى مواقع سياحية بيئية ضمن جولات تعريفية جديدة في القاهرة.
وفي ختام حديثه، أكد رئيس الجهاز أن الحفاظ على ما تم تطويره لا يكتمل دون نظام صيانة مستدام، مشيرًا إلى مبادرة اتحاد شاغلي الشوارع في وسط البلد، التي تشارك فيها الجهات المالكة والمستأجرة في أعمال الصيانة والنظافة الدورية، لضمان استمرار المشهد الحضاري.
وكشف أبو سعدة أن الجهاز بصدد تقديم تعديلات جديدة على قانون رقم 144 لسنة 2006 الخاص بالمباني ذات الطابع المعماري المتميز، بهدف تشديد الحماية القانونية على التراث المعماري المصري ومنع أي ممارسات تؤدي إلى هدم أو تشويه المباني التاريخية.