تحل يوم 25 من أبريل ذكرى تحرير سيناء وعودتها للسيادة المصرية، تلك الأرض المتزينة بجبالها الشاهقة ونخيلها البهي، بينما تعلو تلالها بفخر القلاع الخمس، وقد شهدت أبراجها على ملاحم ردّت الأعداء عن مصر، ونالت سهام رماتها من صدور الغزاة، وظلت أمجاد التاريخ مرسومة في أرجاء سيناء بلوحة من القلاع والحصون المنيعة. لقد حرست بوابة الشرق منذ مئات السنين، بين عهود الفراعنة والبطالمة، ثم العصور الإسلامية بين أيوبيين ومماليك تصدّوا لأطماع المعتدين.
وتسرد جريدة الشروق -نقلًا عن كتاب تاريخ سيناء وجغرافيتها ودراسة إلين جاردلر وكتاب الأمس واليوم في سيناء- حكايات أهم القلاع التاريخية التي تتواجد آثارها بشبه جزيرة سيناء.
قلعة تل حبوة.. منطلق الجيوش الفرعونية
تشمخ قلعة تل حبوة الفرعونية أعلى التل القائم شمالي مدينة القنطرة، وهي أكبر مدينة حصينة أنشأها الفراعنة تم اكتشافها عبر العصور. ويُرجَّح أنها كانت القلعة المستخدمة من قبل الفرعون تحتمس الثالث لتحشيد الجيوش المنطلقة إلى معركة مجيدو لإخضاع الشعوب الكنعانية، كما استخدمها ستي الأول لحراسة الحدود الشرقية المصرية، حيث تملك موقعًا استراتيجيًا على بداية طريق حورس العسكري الشهير، كما كانت تطل على الفرع الإضافي من النيل، وكان يصل حتى شمال سيناء.
تتكون القلعة من الطوب اللبن بأسوار عظيمة طولها ٨٠٠ متر، وعرضها ٣٥٠ مترًا، ولها جدار مزدوج تبلغ سماكة الجزء الداخلي منه ٤ أمتار، بينما ترتفع فوق أسوار القلعة أبراج عالية يفصل بين كل منها ١٥ مترًا بمسافة متساوية.
يحيط بالقلعة من جنوبها قصر لستي الأول مكوّن من ١٠ غرف من الطوب اللبن، بينما يقع على شمالها مجموعة من مطاحن الدقيق الدائرية، وعدد من أفران المعادن التي كان يستخرجها الفراعنة من سيناء، ويشرف على ذلك مبنى إداري فرعوني سميك الأسوار، تتوسطه صالة وغرف للعاملين بإدارة المطاحن.
قلاع صلاح الدين.. حراسة للحجاج وردع للقراصنة
سعى صلاح الدين الأيوبي، بعد أن استتبت له السيادة في مصر، لإنشاء جيش مجهز لتحرير بيت المقدس من الصليبيين.
ولتفريغ الوقت لمهمته، أبرم هدنة مع الصليبيين، ولكن الحاكم الفرنجي أرناط، صاحب حصن الكرك، أراد إحباط خطة صلاح الدين عبر تشتيته في معارك جانبية. فبدأ أرناط حملة لترويع قوافل حجاج بيت الله الحرام، ثم أنشأ أسطولًا بحريًا هدفه غزو المدينة المنورة وتدنيس القبر النبوي الشريف.
نجح الأسطول المصري في ردع جنود أرناط، وقام صلاح الدين بخطة دفاعية منعًا لغارات صليبية مستقبلية على الحجاج أو السواحل.
أنشأ صلاح الدين بوسط سيناء قلعة الجندي، وهدفها تأمين قوافل الحج. والقلعة قائمة على تل مرتفع بطول ٢٠٠ متر وعرض ١٠٠ متر، لها سور سميك تعلوه أبراج للرماية، وتضم القلعة غرفًا للجنود ومسجدًا وصهريج مياه، ويميز القلعة الشكل النصف سداسي الذي يشكل الجدار الجنوبي منها.
قلعة طابا.. عين صلاح الدين على خليج العقبة
وأنشأ صلاح الدين أيضًا قلعة طابا في الجنوب، وهدفها منع أي توغل بحري قادم من قبل أرناط تجاه المدينة المنورة. وتتميز القلعة بوجودها على جزيرة فرعون، حيث تتحكم في أضيق نقطة من خليج العقبة.
والقلعة مكونة من سور ضخم يحيط بالجزيرة، وحصنين داخليين شمالي وجنوبي، كل منهما على تل مرتفع، يتوسطهما سهل يفصل الحصنين. وأعلى الحصن تتواجد أبراج رماية تطل على المياه، بجانب مطارات مخصصة للحمام الزاجل لنقل الرسائل، وتضم القلعة مسجدًا وغرفًا للجنود، وحمامات وصهريج مياه وفرنًا لحدادة السلاح.
قلعة النخل.. شاهدة على زوال سلطان المماليك
اشتهر المماليك بتشييدهم العمران في أرجاء المحروسة، وكان من أواخر ما شيده المماليك قلعة النخل بأمر السلطان قانصوه الغوري.
ولم تمضِ عدة أشهر على إتمام بنيان القلعة حتى انهزم المماليك أمام الجيش العثماني بقيادة سليم الأول، الذي ضم مصر إلى ملكه عام ١٥١٧.
وقام السلطان العثماني مراد الثالث لاحقًا بترميم القلعة وكتابة اسمه عليها، ليتم اتخاذها استراحة ومقرًا لحراس حجاج بيت الله الحرام. والقلعة قائمة على تل، وهي مربعة الشكل، تضم ٥ أبراج وحوضًا لسقاية الحجاج، وظلت قائمة حتى الحرب العالمية الأولى وعملية الهجوم العثماني على البريطانيين بقناة السويس.
قلعة العريش.. والتصدي لجيش نابليون
كانت قلعة العريش من أوائل الأبنية العثمانية في سيناء، وبناها السلطان سليمان القانوني لتكون مقرًا لحكم مدينة العريش، أكبر مدن سيناء، وفيها الحامية العثمانية. والقلعة لها سور بارتفاع ٤ أمتار تعلوه ٤ أبراج مزودة بالمدافع ومخازن الذخيرة، بينما تضم القلعة المقرات الإدارية الخاصة بالعريش. وقد تصدت حامية القلعة لجيش نابليون أثناء رحلته لاحتلال الأراضي الفلسطينية، وصمدت القلعة لفترة، حتى ازدادت ضراوة الحصار الفرنسي وتم إسقاط القلعة واحتلالها.