الرئيس التنفيذي لمؤسسة إغاثة غزة استقال لتشكيكه بنزاهتها ولرفضه انحيازها
نيويورك تايمز الأمريكية: فكرة تأسيس إغاثة غزة من بنات أفكار إسرائيل
الأمم المتحدة: خطة توزيع المساعدات التي تعتمدها المنظمة غطاء لمزيد من العنف والنزوح
"مؤسسة إغاثة غزة" اسم متداول منذ شهرين بدعم أمريكي لتنفيذ خطة إسرائيلية لنقل مساعدات إنسانية إلى قطاع غزة بعيدا عن "أيدي حماس" في الوقت الذي يتعرض فيه الفلسطينيون إلى تجويع ممنهج وإبادة ترتكبها إسرائيل منذ نحو شهرا.
ووفقا لمعلومات رصدتها "الأناضول" طبقا لروايات ومعلومات أمريكية وإسرائيلية وأممية وتصريحات لأشخاص ومنظمات ذات صلة، فإن تلك المنظمة التي يفترض أن تبدأ عملها في غزة اليوم 26 مايو الجاري، يشتبه بأنها "صناعة أمريكية إسرائيلية" و"تؤدي دورا في تنفيذ النزوح القسري للفلسطينيين أو توفر غطاء لذلك".
المنظمة التي تتخذ من جنيف مقرا لها وتقول الولايات المتحدة إنها "مستقلة"، يلتصق اسمها بغزة المحاصرة إسرائيليا وترتدي ثوب "الإنسانية والإغاثة"، إلا أن رئيسها التنفيذي ويدعى جيك وود، وهو جندي سابق في مشاة البحرية الأمريكية كان له رأي آخر وأعلن استقالته في بيان عشية بدء عمل المنظمة كونه "لن يستطيع الالتزام الصارم بالمبادئ الإنسانية والحياد وعدم الانحياز والاستقلالية".
وجاء تأسيس المنظمة التي يخطط لها أن تحل تدريجيا محل "الأونروا" بعد شهر من دخول قرار الحكومة الإسرائيلية حظر عمل المنظمة الأممية المدعومة عربيا وأوروبيا حيز التنفيذ وذلك نهاية يناير الماضي.
وتتبعت "الأناضول" وفق المعلومات المتوفرة مسار تلك المنظمة عبر 7 بنود منذ النشأة وحتى استقالة مديرها التنفيذي وبدء تنفيذها خطة إسرائيل لتوزيع المساعدات كالتالي:
- أولا: الاسم:
مؤسسة غزة الإنسانية أو مؤسسة إغاثة غزة Gaza Humanitarian Foundation المعروفة اختصارا باللغة الإنجليزية (GHF).
- ثانيا: التأسيس:
تأسست في جنيف بسويسرا في فبراير الماضي كمنظمة غير حكومية غير ربحية، إلا أن هناك اتهامات لها بوقوف إسرائيل وواشنطن وراء تأسيسها، وفق ما رصدت صحف أمريكية وإسرائيلية.
- "من بنات أفكار إسرائيل"
فكرة مشروع "مؤسسة غزة الإنسانية" (GHF) "من بنات أفكار إسرائيل"، بحسب تقرير لصحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية نشر السبت ونقلته "تايمز أوف إسرائيل" العبرية.
وطرحت الفكرة لأول مرة في أواخر عام 2023 في "اجتماعات خاصة لمسئولين وضباط عسكريين ورجال أعمال ذوي توجهات متشابهة تربطهم صلات وثيقة بالحكومة الإسرائيلية وتقوم على تجاوز قنوات المساعدة التقليدية، مثل الأمم المتحدة، بالتعاقد مع القطاع الخاص لتوزيع المساعدات بغزة، وبالتالي إضعاف قبضة حماس"، بحسب التقرير.
ومن أبرز المشاركين بذلك الاجتماع، "المستثمر (الأمريكي الإسرائيلي) مايكل آيزنبرج، ويوتام هكوهين، المستشار الاستراتيجي الذي انضم إلى مكتب تنسيق أعمال الحكومة الإسرائيلية في المناطق المحتلة (COGAT) التابع لوزارة الدفاع، وأصبح لاحقًا مساعدًا للسكرتير العسكري لرئيس الوزراء الإسرائيلي، إضافة إلى ليران تانكمان، المستثمر في مجال التكنولوجيا التابع أيضًا لمكتب لـ COGAT"، وفق ما أشارت له الصحيفة، وهو ما لم تتأكد منه "الأناضول" بشكل فوري من مصادر مستقلة.
وبحلول أوائل عام 2024، بدأ "المسئولون الإسرائيليون بالترويج لفيليب رايلي، الضابط السابق في وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (CIA)، الذي شغل منصب رئيس محطة (CIA) في كابول، كمتعاقد مفضل لديهم". ثم التقى رايلي آيزنبرغ وتانكمان وبدأ مناقشة مساعدات غزة، بحسب الصحيفة.
وكان اللقاء، وفق الصحيفة، قبل أن تبدأ شركة "S.R.S) "Safe Reach Solutions) التي يمتلكها رايلي عملها في غزة في يناير 2025، في تفتيش سيارات النازحين الفلسطينيين العائدين من جنوب القطاع إلى شماله بموجب اتفاق وقف إطلاق النار، واتضح فيما بعد أن تلك الشركة ستكون المُكلفة بتأمين مواقع توزيع الغذاء في جنوب غزة".
ورغم هذا أكد رايلي، للصحيفة الأمريكية أن شركته "لا تملك أي مساهمين إسرائيليين أو مصالح مرتبطة بتل أبيب".
غير أن تقريرا نشرته صحيفة هآرتس الإسرائيلية، الأحد، أفاد بأن شركة S.R.S "دخلت غزة دون أي تصريح أمني مسبق من جهاز الأمن العام (الشاباك)، كما هو متبع وكأنها عملية محسومة لرايلي ومدعومة من مكتب نتنياهو"، لافتة إلى أن مؤسسة إغاثة غزة/ غزة الإنسانية "ليست سوى نتاج جهد من فريق مقرب من نتنياهو أيضا".
ولم يتسن للأناضول التأكد من مصدر رسمي أو مستقل بشأن تلك المعلومات الواردة في التقارير الأمريكية والإسرائيلية، غير أن السفير الأمريكي لدى إسرائيل مايك هاكابي، نفي في تصريحات له أوائل مايو الجاري أن تكون الخطة إسرائيلية بالكامل، قائلا إن "وصفها بأنها إسرائيلية هو وصف غير دقيق تماما".
- ثالثا: الانطلاق والتعهدات
وتنطلق المؤسسة اليوم الاثنين 26 مايو دون أفق زمني لعملها.
وقالت المؤسسة في بيان، الاثنين: "شاحناتنا محملة وجاهزة للانطلاق سنبدأ اعتبارا من اليوم الاثنين، للوصول إلى أكثر من مليون فلسطيني بحلول نهاية الأسبوع، ونخطط للتوسع بسرعة لخدمة جميع السكان في الأسابيع المقبلة".
وسبق أن تعهدت المؤسسة في بيان 15 مايو الجاري بـ"بتوزيع 300 مليون وجبة في أول 90 يوما من عملياتها".
ونقلت صحيفة واشنطن بوست، عن متحدث للمنظمة إن المؤسسة لا تعتبر بناء المجمعات السكنية أو التحقق من هوية المستفيدين "جزءا من خططها الحالية"، مشددا على أن المؤسسة "لن تشارك أبدا أو تدعم أي شكل من أشكال التهجير القسري للمدنيين".
- رابعا: الممولين
الرئيس التنفيذي السابق للمؤسسة جيك وود قال في مقابلة مع صحيفة "نيويورك تايمز" نشرت السبت قبل استقالته إنه لم يتلق أي تمويل من إسرائيل، وحصلت المؤسسة على تمويل تأسيسي بسيط من رجال أعمال غير إسرائيليين، لكنه رفض الكشف عن أسمائهم.
فيما أفادت المؤسسة وفق تقارير صحفية أن "دولة من أوروبا الغربية" تبرعت بأكثر من 100 مليون دولار لتمويل عملياتها المستقبلية، لكنها رفضت أيضا الكشف عن اسم الدولة.
ونقلت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية في تقريرها الحديث أن الدول العربية والأوروبية التي طرحت كممول مفترض للمشروع تراجعت عن ذلك، ما أثار تساؤلات بشأن كيفية حصول آلية المساعدات الجديدة على التمويل وإمدادات المساعدات.
- خامسا: الداعمون
يقتصر الدعم حتى الآن لتلك المنظمة على إسرائيل وحليفتها الولايات المتحدة الأمريكية التي تقدم دعما مطلقا لها في حرب الإبادة التي تواصل ارتكابها بحق الفلسطينيين في غزة منذ 7 أكتوبر 2023.
وقال نائب متحدث الخارجية الأمريكية تومي بيجوت في مؤتمر صحفي بواشنطن منتصف مايو الجاري إن بلاده "تدعم مؤسسة غزة الإنسانية" مشيرا إلى إنها "مستقلة وأنشئت لتقديم مساعدات للفلسطينيين مع الحرص على عدم وقوعها بأيدي حماس"، دون أن يوضح ما إذا كان هذا الدعم ماليا أم سياسيا.
- سادسا: الرافضون
في صدارة رافضي تلك المؤسسة تأتي الأمم المتحدة التي تراها ستمس "مبادئ النزاهة والإنسانية"، في إشارة غير مباشرة لكونها تنفذ خطة إسرائيل التي تشن حربا على القطاع منذ 19 شهرا.
وقبلها بيوم، وصف وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، توم فليتشر، في جلسة لمجلس الأمن، خطة توزيع المساعدات التي تقوم بها تلك المنظمة بأنها "غطاء لمزيد من العنف والنزوح ويجعل المساعدات مشروطة بأهداف سياسية وعسكرية، ويجعل من المجاعة ورقة مساومة".
الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش، أيضا كان له تحفظ وأكد في 23 مايو الجاري، عدم مشاركتهم "في أي مخطط يتعلق بالمساعدات في القطاع، يفشل في احترام القانون الدولي ومبادئ الإنسانية والنزاهة"، معلنا بالمقابل، عن "خطة عملية مفصلة" مكونة من 5 مراحل دون تعليق إسرائيلي أمريكي عليها".
كما طالبت منظمة "ترايال إنترناشونال" وهي منظمة غير حكومية سويسرية، السلطات في جنيف ببدء تحقيقات لتحديد إن كانت "مؤسسة غزة الإنسانية"، "تمتثل للقانون السويسري والقانون الإنساني الدولي، وتوضيح ما إذا كانت تلك المؤسسة أفصحت عن استخدامها شركات أمن خاصة لتوزيع المساعدات"، وفق بيان للمنظمة الجمعة.
- أخيرا: الأزمات
أول الأزمات جاءت من داخل المؤسسة المدعومة أمريكيا لتنفيذ خطة إسرائيلية، باستقالة مديرها التنفيذي جيك وود، الذي ذكر في بيان بتاريخ 14 مايو الجاري أن "المؤسسة لن تعطي لإسرائيل أي معلومات شخصية عن متلقي المساعدات".
وقال وود في بيانه "قبل شهرين، تم التواصل معي بشأن قيادة جهود مؤسسة غزة الإنسانية بسبب خبرتي في العمليات الإنسانية"، دون تحديد الجهة التي تواصلت معه.
وأضاف: "من الواضح أنه من غير الممكن تنفيذ هذه الخطة مع الالتزام الصارم بالمبادئ الإنسانية والحياد وعدم التحيز والاستقلالية التي لن أتخلى عنها".
غير أن مجلس إدارة المؤسسة قال في بيان الاثنين إنه يشعر "بخيبة أمل" بسبب رحيل وود، وتعهد بألا يثنيه ذلك عن جهوده للوصول إلى جميع سكان القطاع الفلسطيني في الأسابيع المقبلة.
وسبق أن قال وود لصحيفة "نيوريورك تايمز" السبت: "لن أشارك في أي خطة، بأي صفة كانت، إذا كانت امتدادا لخطة للجيش الإسرائيلي أو الحكومة لتهجير السكان قسرا في أي مكان داخل غزة"، وفق قوله.
ومنذ 2 مارس الماضي، تواصل إسرائيل سياسة تجويع ممنهج لنحو 2.4 مليون فلسطيني بغزة، عبر إغلاق المعابر بوجه المساعدات المتكدسة على الحدود، ما أدخل القطاع مرحلة المجاعة وأودى بحياة كثيرين.
وترتكب إسرائيل بدعم أمريكي مطلق منذ 7 أكتوبر 2023 حرب إبادة جماعية بغزة خلفت أكثر من 176 ألف فلسطيني بين قتيل وجريح، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 11 ألف مفقود.