أسامة غريب يكتب: حيرة الأستاذ شريف - بوابة الشروق
السبت 28 يونيو 2025 9:08 م القاهرة

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

من أفضل فريق عربي في دور المجموعات بمونديال الأندية؟

أسامة غريب يكتب: حيرة الأستاذ شريف


نشر في: الجمعة 27 يونيو 2025 - 7:16 م | آخر تحديث: الجمعة 27 يونيو 2025 - 7:16 م

كان الأستاذ شريف الكاتب المعروف يجلس بالبيت عندما تلقى مكالمة من صديقه مهران الذى لم يقابله منذ فترة. قال الصديق إنه يرغب فى زيارته إذا لم يكن مشغولا. رحب شريف بالزيارة، ومن ثم تحدد الموعد فى نفس اليوم فى الثامنة مساء.

فى الموعد حضر ومعه ابنه الشاب الذى تخرج لتوه فى الجامعة ولم يكن شريف قد قابله من قبل. قال شريف ضاحكا: إذا كانت هذه الزيارة من أجل مساعدة ابنك وإيجاد وظيفة له فقد خاب مسعاك، فهذا ليس فى مقدورى، لأن معارفى كلهم من الصعاليك وأنت تقريبا الباشا الوحيد ضمن أصدقائى.

نفى مهران أن يكون قد أحضر ابنه لهذا الشأن وطمأنه إلى أن الولد سيعمل معه فى شركته، وأضاف بأن سبب الزيارة مع ذلك يتعلق بهذا الابن الذى يعشق كتابات الأستاذ شريف ويقتنى كتبه كلها. تدخل الشاب فى الحديث فغمر الكاتب الكبير بالثناء ثم أخبره بأنه كان ضمن الحضور فى حفل التوقيع لكتابه الأحدث.

أبدى شريف الدهشة لأنه لم يشاهده بين الحاضرين ولم يوقع له نسخة من الكتاب. قام الابن بفتح حقيبة الظهر التى معه وأخرج نسخة من الكتاب، بينما أوضح والده بأن الابن الخجول خرج سريعا بعد انتهاء الندوة وقبل بداية التوقيع لأنه لا يحب التزاحم حول الكُتاب، لكنه بعد ذلك شعر بالندم وأتانى راجيا أن آخذه إليك لتوقع له نسخته التى اشتراها.

ابتسم شريف للابن وكتب له كلمة لطيفة متمنيا له التوفيق ومبديا الاستعداد للقائه هو وأصدقائه المهتمين بالقراء والنقاش. خرج الصديق من الزيارة راضيا بعد أن أسعد ولده وحقق له غايته ونجح فى أن يحظى بتوقيع منزلى لنسخة الكتاب، وهو الأمر الذى لا يتسنى لغيره ممن يتصادف أن آباءهم ليسوا أصدقاء للكاتب المعروف!

فى صباح اليوم التالى جاءته مكالمة رسمية بأنه مطلوب للشهادة فى النيابة. حاول شريف أن يفهم الموضوع لكن الإجابات كانت شحيحة وأفهموه بأنه سيعرف كل شىء عند حضوره.

فى الموعد ذهب وقابل وكيل النيابة الذى رحب به وبادره بالسؤال: هل تعرف نبيل مهران؟
قال: نعم.. مهران صديقى منذ الطفولة، أما نبيل فهو ولده وقد كانا بالمصادفة عندى فى البيت ليلة أمس.. ما خطبهما؟
قال وكيل النيابة: فى يوم السابع من مايو الماضى أين كنت فى المساء؟
قال مندهشا: كنت فى ندوة وحفل توقيع لكتابى الجديد فى وسط البلد من الساعة السابعة إلى العشرة مساء.. لكن ما سبب السؤال؟
قال الوكيل: نريد أن نعرف هل كان نبيل مهران موجودا فى تلك الندوة.
أجاب بتلقائية: نعم كان موجودا لكنه لم يستطع توقيع نسخة من الكتاب بسبب الزحام.
نظر إليه وكيل النيابة متسائلا: هل أنت متأكد أنه كان موجودا؟

بدأ الأستاذ شريف يشعر بالقلق وأحس أن إجابته وهو يقول نعم تفتقد للثقة التى بدأ بها الحوار، ولعل السيد الوكيل قد شعر أيضا باهتزاز الإجابة فعاد يقول: من الضرورى أن تكون واثقا مما تقول لأن الأمر على جانب كبير من الأهمية.

شعر الأستاذ شريف بقلق واضطراب فعاود استفساره: ما الموضوع يا أفندم؟
قال الوكيل: الشاب نبيل مهران متهم بأنه صدم امرأة فى الطريق ثم تركها تنزف وانطلق بسيارته فى طريق الواحات بمدينة السادس من أكتوبر قرب الساعة التاسعة فى ذلك اليوم، غير أن أحد المارة التقط رقم السيارة، وعند استجواب نبيل أكد أن الشاهد مخطئ لأن السيارة كانت عند الميكانيكى للإصلاح وأن والده تسلمها قرب منتصف الليل، ولهذا فإنه استقل سيارة أجرة إلى وسط البلد حيث حضر حفل التوقيع.. وأما بخصوص الميكانيكى فلم يتم العثور عليه، ومن هنا تأتى أهمية شهادتك.

أمسك الأستاذ شريف برأسه وقد داهمته حيرة.. هل كان ضحية تضليل من صديقه مهران وولده حينما أقنعاه بأن الولد كان يحضر الندوة وذلك حتى يكون شاهد نفى فى القضية فيؤكد وجود نبيل معه فى القاعة؟
إنه فى الحقيقة لم يره، ومع ذلك لا يشك فى نزاهة مهران وشرفه، فما العمل؟

بعد لحظات رفع صوته بنغمة لم يزايلها الاضطراب قائلا: حضرتك سألت وأنا جاوبت وليس عندى جديد أضيفه. بعد ذلك قام بالتوقيع على أقواله وانصرف من سراى النيابة.

لم يفارقه الاضطراب والحيرة حتى بعد أن عاد إلى البيت. فكر فى الاتصال بمهران يستوضح منه الموضوع، لكنه خشى أن يكذب عليه فيدمر صداقتهما ويخرب معها ثقته بالبشر. أخذ قرصا مهدئا واستسلم للنوم.

استيقظ فى المساء على جرس الباب. كان مهران يتصبب عرقا، فدعاه للدخول.
قال مهران: أنا عرفت ذهابك للنيابة وأحب أن أضيف أننا ذهبنا مع البوليس إلى الميكانيكى الذى يتخذ من عشة صفيح وسط المساكن مقرا له فلم نجده. نحتاج بشدة إلى شهادته لتكمل شهادتك لكنه اختفى.. وأنا هنا الآن لأؤكد لك أننى وولدى صادقان فى كل ما قلناه، ونبيل كان بالفعل فى ندوتك.

لم يتم العثور على الميكانيكى وأنقذت شهادة شريف الشاب نبيل من الإدانة، لكن شريف فقد اليقين وضاع منه السلام النفسى وأدرك أنه لن يعرف الحقيقة أبدا.. وظلت الكوابيس تهاجمه وفيها صورة المرأة تنزف على الأسفلت.

 



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك