اعتبر خبير الموارد المائية، عباس شراقي، أن الملء الثالث لسد النهضة، والذي تنفذه إثيوبيا حاليا، لا يجعل من السد أمرا واقع، مؤكدا على أن كافة الخيارات ما زالت متاحة أمام مصر.
وبدأت إثيوبيا في يوليو الجاري الملء الثالث لسد النهضة، مع بدء موسم الفيضان، وذلك بدون التوصل لاتفاق ملزم مع مصر والسودان حول قواعد ملء وتشغيل السد.
وفي تصريحات حصرية لوكالة «سبوتنيك» الروسية، اليوم الأربعاء، قال شراقي إن «تأثير الملء الثالث لسد النهضة على مصر متنوع، فهناك أضرار مائية بالدرجة الأولى وأضرار اقتصادية وسياسية واجتماعية، ولكن هذه التأثيرات لا يمكن تقديرها على نحو دقيق قبل انتهاء موسم الفيضان».
وردا على ما تردده إثيوبيا من أن موسم الفيضان الحالي أفضل من الأعوام السابقة وهو ما يعني عدم تأثر مصر والسودان بملء السد، أوضح شراقي أنه «لا يمكن حساب تأثير الملء الثالث لسد النهضة، وفقا لتوقعات الفيضان هذا العام، لأن الملء يتم في بداية الفيضان وليس نهايته، وبالتالي إذا تراجعت التوقعات في نهاية موسم الفيضان سيكون الملء قد تم بالفعل وخسرت مصر جزءا من حصتها في المياه، لذا فالحديث عن أن الفيضان هذا العام فوق المتوسط لا يبرر قيام إثيوبيا بالملء بقرار منفرد، الحديث عن توقعات الفيضان يظل نظري حتى ينتهي الموسم».
وأكد أن «المؤشرات حتى الآن توضح أن الأمطار فوق المتوسط، ولكن هذه المؤشرات قد تتغير في أي لحظة وساعتها لن تتراجع إثيوبيا عن الملء لأنها وضعت بالفعل الخرسانة التي تحجز المياه، أي سيكون هناك أمر واقع. حتى لو تركت بوابات السد مفتوحة لن يعوض حصة مصر لأنها لا تمرر إلا 10 إلى 15 بالمئة من الفيضان».
وأضاف شراقي: «المتوقع أن يكون حجم التخزين الذي ستحققه إثيوبيا 5 مليارات متر مكعب، ولكن إثيوبيا أنجزت هذا العام أكثر من الأعوام السابقة، العام الماضي حجزت 3 مليارات وكانت تستهدف 13.5 مليار، وادعت إثيوبيا أن هناك جدول متفق عليه ولكن هذا لم يحدث، لأن إثيوبيا رفضت وقتها التوقيع على الاتفاق الذي رعته واشنطن وألغي الاتفاق وقتها».
وأردف: «الملء الحالي للسد لن يؤثر في قدرة إثيوبيا على توليد الكهرباء من السد. العامين الماضيين التخزين كان قادر على توليد الكهرباء بالفعل، ولكن الملء الحالي لن يؤدي لتأثير على هذا الصعيد. منسوب المياه، والذي يترتب عليه تشغيل التوربينات لن يؤدي هذا العام لإدخال توربينات جديدة، هناك توربينين على منسوب منخفض، يمكن تشغيلهما بالمنسوب الحالي حتى قبل الملء الثالث، وباقي التوربينات، 11 توربينا على منسوب مرتفع لن يصل إليه التخزين هذا العام، كما أن التوربينات ليست جاهزة بالكامل، في فبراير الماضي تم تشغيل توربين واحد وبكفاءة ضعيفة، والتوربين الثاني من المستوى المنخفض لم يعمل حتى اليوم، رغم أن المنسوب المتحقق يمكنه تشغيلهما، الأمر لا يتوقف فقط على منسوب المياه وحجم التخزين هناك جاهزية التوربينات أيضا».
وأكد شراقي أن«"الملء الثالث لا يجعل سد النهضة أمرا واقع، فما زال لدى مصر الكثير من الخيارات، وحتى خيار استخدام القوة لم ينته بالملء الثالث كما يتوقع البعض، فمشروع سد النهضة يتكون من سدين اثنين، سد رئيسي، على مجرى النيل الأزرق، وهو الجسم الخرساني الذي يضم التوربينات، ومهما بلغ ارتفاع هذا السد لا تتجاوز قدرته على التخزين أكثر من 14 مليار متر مكعب، وأكثر من ذلك المياه تنصرف المياه على وادي على بعد 5 كيلومترات، وهذا الوادي متصل بالنهر من خلف السد، لذلك هناك عندما أرادت إثيوبيا رفع التخزين إلى 74 مليار متر مكعب عبر إغلاق الوادي بسد آخر اسمه السد المكمل، وهو هلالي الشكل بإمكانه حجز المياه التي تتجاوز منسوب السد الأساسي، لذلك أقصى ما يمكن لإثيوبيا الوصل إليه خلف السد الرئيسي 14 مليار، وبعد ذلك تبدأ المياه في التخزن خلف السد المكمل، وهذا لو تم ضربه لن تتمكن إثيوبيا من التخزين فوق 14 مليار متر مكعب، بمعنى أن خيار استخدام القوة ضد السد المكمل لا ينتهي بالتخزين خلف السد الرئيسي كما يشاع، كما أن خيارات استخدام القوة متعددة، هناك ضربات شاملة تستهف الهدم الكامل، وهناك ضربات محدودة تستهدف التعطيل أو الإعطاب حتى ينتهي التفاوض».
وتابع: «ولكن فضلا عن خيار القوة، وهو الخيار الذي لم تطرحه مصر ولم تلوح به، ولكننا لا نستبعده، ونعتبره خيارا أخيرا. هناك خيارات أخرى سياسية وقانونية حتى الآن لازالت مطروحة، وهي ما تركز مصر عليه دائما، بهدف التوصل لاتفاق عادل حول بناء وتشغيل السد. لازال لدى مصر أمل في التوصل لاتفاق عن طريق وساطة القوى الدولية الكبرى، رغم انشغال العالم في الصراعات والأزمات، ولكن ببذل المزيد من الجهد يمكن العودة للمفاوضات والتقدم فيها للتوصل لاتفاق، كما أن هناك خيارات قانونية أمام مصر لم تستخدمها بعد».
واستبعد شراقي أن يكون تشييد سد النهضة يهدف لبيع المياه لدول أخرى، موضحا: «مستحيل أن تقوم إثيوبيا ببيع المياه بعد تخزينها، هناك استحالة عملية في نقل المياه من إثيوبيا لأي مكان ستكون التكلفة غير اقتصادية بالمرة، أعلى حتى من تكلفة التحلية من مياه البحر. كما أن إثيوبيا لن تستطيع الاحتفاظ بالمياه خلف السد دون تصريف، لأن الفيضان يأتي سنويا، والخزان لن يتسع لتخزين المياه لعامين بدون تصريف».
وأضاف أن «البلد الوحيد الذي يمكنه شراء المياه من إثيوبيا بدون تكلفة كبيرة هي مصر، ومصر لن تشتري المياه من إثيوبيا طالما لديها السد العالي، وإثيوبيا لن تستطيع منع الماء لفترة طويلة لأن منسوب المياه سيتجاوز السد مع تتابع مواسم الفيضان».
وتابع شراقي: «الأنابيب لا يمكن أن تنقل أكثر من مليار متر مكعب سنويا وبتكلفة عالية جدا، ولكي تمر لدول الخليج مثلا يفترض أن تعبر البحر الأحمر وهذا مستحيل، أو أن تصل لإسرائيل عبر مصر ومصر لن تسمح بذلك».