الإسلام.. استخدام أم استلهام؟ - محمد محمود الإمام - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 3:46 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الإسلام.. استخدام أم استلهام؟

نشر فى : الأربعاء 1 فبراير 2012 - 9:05 ص | آخر تحديث : الأربعاء 1 فبراير 2012 - 9:05 ص

من مآسى حركة الثورة فى عامها الأول، انشغال الأطراف المعنيين (فعلا أو افتراضا) بدفع حركتها نحو غاياتها الأساسية.. عيش، كرامة إنسانية، حرية، عدالة اجتماعية، بجدل حول صيغة النظام القادر على تحقيقها، تحول إلى استقطاب فى معسكرين يتنابذان بالمصطلحات، يستغرقان فى جدل حول المفاهيم والتعاريف بدلا من تدارس المضامين والمحتويات. فانطلاقا من شعار «الإسلام هو الحل» ترددت صيحات «إسلامية.. إسلامية» وأقحمت فى كل تظاهرة أو تجمع أيا كان موضوعه. على الجانب الآخر ذهب الرافضون للصيغة الدينية (وليس الإسلامية بالذات) لنظام الدولة الجديدة إلى المناداة بالعلمانية والليبرالية. وبينما ادعى هؤلاء أن للدين وظيفته التى تسمو فوق الخلافات الدنيوية، لجأ فصيل من الفريق الأول لاتهام كل من ينكر دعواهم بالكفر والزندقة، وهى تهمة ينفر منها الجميع، خاصة عامة الناس. وامتد هذا الاتهام من الرؤية العامة للنظام إلى كل تحرك يطرح على طريق تحقيق أهداف الثورة، وهو ما ظهر جليا فى حشد التأييد لاستفتاء مارس بادعاء أن جوهر المشكلة هو حماية المادة الثانية من الدستور الملغى المتعلقة بالشريعة الإسلامية كمصدر أساسى للتشريع. والأدهى من ذلك أن جعلت البيوت التى يرفع فيها اسم الله سبحانه وتعالى منبرا لتشكيل الرأى فى أمور تقبل القبول والرفض. وامتد هذا النهج إلى كل خطوات إعادة بناء نظام الدولة على أسس تنهى أجل النظام الفاسد ولا تسمح بالعودة إلى مثله.

 

●●●

 

لقد كانت مشكلة النظام الذى ثار الشعب من أجل إسقاطه، أنه قام بخصخصة نظام الحكم، فربطه بشخص الحاكم وأسرته، وجعل من الحزب الذى يترأسه حزبا حاكما، ولم يسمح بأن يقوم إلى جانبه سوى الأحزاب التى تقبل حمل صفة معارض، وأن تبقى كذلك إلى أبد الآبدين. واكتفى هؤلاء برفع عقيرتهم مطالبين بتداول السلطة. وكأن الأمر هو حق فى الانفراد بالسلطة لفترة ثم تركه لآخرين ليتمتعوا به فترة أحرى، وعلى باقى أفراد الشعب أن يقبلوا أن يظلوا دوما محكومين، لا ينال منهم نصيبه فى الحياة إلا من ارتضى أن يكون تابعا لمن يتصادف أن يكون حاكما. فإذا قيل إن جوهر الأمر هو كون المطلب الأساسى هو تحقيق ديمقراطية لا تترك الحاكم يتحكم، بل تعطى المحكومين حق اختيار من يحقق لهم رؤيتهم لمطالبهم الحياتية، استنكر البعض أن يكون الأمر بيد الشعب الذى عليه طاعة أولى الأمر. بل نجد الأمر ينزل من مستوى الدولة إلى فئة تتحكم ولو لم تحكم بدعوى توليها الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، وفق ما تراه معروفا وتعتبره منكرا.

 

لقد انطلقت الشرارة الأولى بمقولة «الإسلام هو الحل»، ويبدو أنها صيغت فى مواجهة الفقرة من الميثاق الذى صاغته ثورة يوليو فى وقت كانت لا تزال فيه قائمة بشأن «حتمية الحل الاشتراكى» انطلاقا من «إن الحرية الاجتماعية طريقها الاشتراكية.. إن الحرية الاجتماعية لا يمكن أن تتحقق إلا بفرصة متكافئة أمام كل مواطن فى نصيب عادل من الثروة الوطنية». ألا يتفق هذا التعريف مع أهداف ثورة 25 يناير القائمة على المواطنة الكاملة؟ وهل هى تتعارض مع الإسلام فى شىء أم تصبو إلى تلبية مراميه السامية؟ إن الأمر يقتضى أن نميز بين الأوجه المختلفة لحياة المجتمع بفئاته وأطيافه المختلفة: فهناك منظومته الثقافية التى تتبلور عبر الزمان والمكان، ولا تفتأ تتطور وفق تراكم المعارف المكتسبة والمستحدثة، وتمثل القاعدة التى تنظم أساليب ممارسة الحياة اليومية. وتتحكم الموارد والمعارف والاحتياجات فى النشاط الاقتصادى الذى ينتظم أمره إذا تفاعلت بصورة إيجابية مع المنظومة الثقافية. وحتى تتوافر دواعى الأمن والاستقرار والاستمرار يأتى النشاط السياسى الذى يرعى العدل بين الناس، ويجنبهم الشطط فيما يقومون به من أعمال. وتنتظم حياة المجتمع إذا صحت قاعدته الثقافية، التى تضم العقيدة الدينية، ليحسن الأداء فى النشاط الاقتصادى الذى يمارسه كل فرد، وفى النشاط السياسى الذى يقع عبئه على الدولة.

 

وهكذا أكد الكتاب الكريم أن ينجو من الخُسر «الذين آمنوا وعملوا الصالحات» وجعل لهم أجرا غير ممنون. فالإيمان شرط وجوبى، «والمؤمنون كلٌ آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله، لا نفرق بين أحد من رسله». ويأتى الشرط التقديرى بالعمل الصالح، حيث «من يعمل مثقال ذرة خيرا يره، ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره». من هنا ربط الإيمان بالأمة أو المجتمع، بينما جعل الله الناس المنحدرين من نفس واحدة «شعوبا وقبائل» ليتعارفوا مما يعنى اختلاف أساليب عملهم الاقتصادى والسياسى. ومن ثم فإن «الإيمان هو الحل» لصلاح المجتمع، فإذا صدق وترسخ فى المنظومة الثقافية، صلح ما يبنى عليه من أعمال. أما القول بأن الإسلام هو الحل، فإنه يختزل الدين فى أمور تحكمها أفكار تتطور بتطور الحياة، وإلا أصيبت الإنسانية بالجمود. إن الإيمان يفتح بابا واسعا للمواطنة وللتعارف، فالمسلمون إخوة للنصارى واليهود فى إيمانهم بالأنبياء. ولو أخلص هؤلاء فى عقيدتهم لطاب للجميع العيش معا.

 

●●●

 

أما الدعوة لتطبيق الشريعة، فمقولة لا تستقيم منطقيا. إن الحديث عن تطبيق قواعد بعينها يتطلب أن تكون مدوّنة، يعرفها الجميع. ودخول الألف واللام كأداة تعريف لا يعنى أن يكون هناك كتاب بعينه يضم كافة أحكام الشريعة. ولو صح هذا لما تعددت المذاهب ولما اقتتل من يدعون أنهم مسلمون. إن الحديث عن المبادئ يسمح بأمرين: الأول الرجوع إليها عند سن القوانين، والاستئناس بها فى تقييم كل عمل، خاصة إذا لم تكن له سابقة (مثل زراعة الأعضاء). الأسوأ أن يكون هذا المقصود به انتزاع السلطة واحتكارها. إن الإسلام ليس مجرد أداة تستخدم للقفز على كراسى الحكم، بل هو معين لا ينضب يستلهم ويستأنس به من أجل العمل الصالح.

 

إن الذين تسللوا إلى النظام السياسى من الباب الذى انفرج لإقامة حكم ديمقراطى سليم، تستوى فيه حقوق المواطنين جميعا، ذكورا وإناثا، مسلمين وأقباطا، رغم كونهم يرون فى هذا كفرا، عليهم أن يراجعوا أنفسهم، حتى لا ينزلقوا فى معصية النفاق. وعليهم أن يقبلوا بصدق قواعد اللعبة السياسية التى يشاطرونها وأن يفعلوا ما يقولون، كبر مقتا عند الله أن يقولوا ما لا يفعلون.

 

ولو أنهم انطلقوا من أوضاع المجتمع يريدون إصلاحه لانشغلوا بقضية المخدرات قبل الخمور. لقد عاش المصريون أكثر من قرنين والخمارات تغزو القاهرة والأقاليم حيثما عاشت جاليات أجنبية، فحصّن الإيمان أغلبهم من أن يصبحوا سكيرين. ولانتبهوا إلى من أصابهم العرى بسبب الفقر بدلا من العرى عند المقدرة. ولما أسعدهم أن يتصدقوا على الجوعى والمرضى قبل أن ينفقوا مما رزقهم الله فيما يسد منابع الفقر، وأن يجلبوا أموالا من الخارج لشراء أصوات المحتاجين.

 

إن استلهام الإسلام لإصلاح المجتمع، وتمكينه المؤمنين من مسايرة النهضة بل وقيادتها، هو خير دعوة تقود إلى نشر تعاليمه فى المجتمع فتنطبق أحكامه ويعزف الناس عن نواهيه. وهو بذلك خير دعوة لانتشاره حتى يعم العالم أجمع.

 

الإيمان هو الحل...

 

محمد محمود الإمام وزير التخطيط الأسبق
التعليقات