«اشتباك».. كل الناس حلوين - كمال رمزي - بوابة الشروق
الأحد 28 أبريل 2024 4:03 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

«اشتباك».. كل الناس حلوين

نشر فى : الإثنين 1 أغسطس 2016 - 9:55 م | آخر تحديث : الإثنين 1 أغسطس 2016 - 9:55 م

بشىء من التدقيق، بعيدا عن «البروبجاندا»، تدرك أن الفيلم الجميل المؤثر، لا علاقة له بالسياسة، يتجنب أى تحليلات أو تفسيرات، يتجنب الوقوف، بحسم ووضوح، إلى جانب طرف ضد آخر. لولا الجملة الإرشادية المكتوبة، على استحياء، بخطوط رديئة، على الشاشة، لما عرف المتابع أن ما سيشاهده يجرى عقب ٣٠ يونيو ٢٠١٣. ربما، يظن أن الأحداث تقع إبان أواخر يناير ٢٠١١، أو أثناء انتفاضة ١٩٧٧، أو قبل هذا كله، أو بعده.


الفيلم بمهارة، يقدم مجموعة بشرية فى مأزق، يلتزم بوحدتى الزمان والمكان. الأحداث تندلع خلال عدة ساعات، كلها تقع داخل عربة ترحيلات كئيبة، متهالكة، بداخلها، أناس من مختلف المشارب، معظمهم، بلا انتماءات سياسية، تنتابهم موجات من الذعر، يتخبطون كأنهم فئران فى مصيدة.


كاتب السيناريو النابه، خالد دياب، مع أخيه المخرج المتمكن محمد دياب، منحا البطولة للموهوبة «نيللى كريم». تؤدى دور «نجوى»، الممرضة، زوجة الرجل الطيب، قليل الحليلة، المستسلم حسام، «طارق عبدالعزيز»، ووالدة الغلام، فارس، «أحمد داش». الرجل والابن قبض عليهما وهما يتفرجان على مظاهرة. زج بهما فى عربة الترحيلات.. «نجوى»، تحاول، بك قوتها، إقناع الضابط بإخلاء سبيلها، خاصة فلذة كبدها، تتهور، يرتفع صوتها، تكاد تشتبك مع عساكر الأمن، يزج بها فى العربة. تحتضن وحيدها، تكاد تلصقه بجسمها النحيل، يتلاشى غضبها، يحل مكانه درجة ما من الرضاء لأنها بجانبه، تشاركه فى مصيره. إنها الأم، فى أصفى صورها.


نجوى الشجاعة، تتسم بالمبادرة والشهامة، تقدم مساعدتها للجرحى، تحنو على الصبية الوديعة، عائشة «مى الغيطى»، المتصببة عرقا، المتألمة، الخجول، التى تعانى من الحصر. «اشتباك»، خلال «نجوى»، يوقر، يعلى من شأن المرأة المصرية.


يبدأ الفيلم ساخنا، التوتر سيد الموقف، المصور الصحفى، آدم «هانى عادل»، تنتزع كاميرته، يدفع به داخل المصيدة، حين يحتج، يتم كلبشته إلى أحد أعمدة شبابيك العربة. سيظل طوال «اشتباك» على هذا الحال. شيئا فشيئا تكتظ العربة بوافدين من شتى التوجهات، الأعمار، المستويات الاجتماعية الصحية. يعبر عنها الفيلم بتشكيلة الممثلين، الشباب وكبار السن، فضلا عن الملابس المعبرة التى اختارتها ريم العدل: جلباب يلائم السلفى، حجاب يليق بابنته الصبية، فانلة تعبر عن فتى يتظاهر بأنه بلطجى، جاكتة ورابطة عنق تلائم إخوانى عصرى، قميص وبنطال يرتديه أفندى بائس. الكل، تبتل ملابسه، تلتصق باللحم، حين يتعرض الجميع لإطلاق المياه عليهم، حين ترتفع أصواتهم بالاحتجاج.


اقتصاد الفيلم فى استخدام الموسيقى الصاخبة المكثفة للإحساس، التى وضعها خالد داغر، حيث أصبح للمؤثرات الصوتية دور كبير فى تجسيد الأجواء المتوترة: صدى إطلاق رصاص، هتافات المتظاهرين، ارتجاجات العربة المترنحة، اصطدام الطوب بصاج المصيدة.


فى الخارج، عساكر الأمن الغلابة، مع ضابطهم المتوتر، يعيشون لحظات قاسية. عليهم، مواجهة طوفانا من البشر، وضعهم سيناريو الحياة، أو أوامر النظام، فى عداء معهم، أنهم مهددون، محاصرون أيضا، على نحو ما، بل يلقى أحد الضباط حتفه برصاصة، لا أحد يعلم من أطلقها.
مع اشتداد أزمة من بداخل العربة، تنمو روح التآخى بينهم، خاصة تجاه المرضى، كبار السن، الصبية التى ستشهد موت والدها.. صعيدى، من العساكر، يحتاج على ما يعانيه الموقوفون من عطش، يكاد يتمرد، يزج به، معهم.. هكذا، لا فارق بين الداخل والخارج.
الفيلم لا يدين طرفا ضد آخر، يقدم «عرض حال» بلا تفسير أو تحليل، لكنه يعبر محذرا، متخوفا، تجاه عربة مضطربة، لا أحد يعرف مصيرها.

كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات