المواطن الذى يسكن ناطحات السحاب ويسمع حفلات عمرو دياب - محمد مكى - بوابة الشروق
الثلاثاء 23 أبريل 2024 5:46 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

المواطن الذى يسكن ناطحات السحاب ويسمع حفلات عمرو دياب

نشر فى : السبت 1 ديسمبر 2018 - 9:35 م | آخر تحديث : السبت 1 ديسمبر 2018 - 9:35 م

يتحدث رجالات الدولة طوال الوقت عن ضرورة التضحية التى لابد أن يتحملها المواطن فى فترة الإصلاح الاقتصادى التى حتما سوف تخلق مصر الجديدة، التى فيها مدن ذكية وصولا إلى ناطحات السحاب، وإلى كل تلميذ فى ربوع مصر يذهب إلى حفلات المطرب عمرو دياب التى تصل قيمة التذكرة بها إلى 20 ألف جنيه ويحمل التابلت معه، بعد أن كانت عبارات الموت تخطف منهم الكثير عاما تلو الآخر فى طريقهم إلى المدارس صاحبة الكثافة التى وصلت إلى 100 طالب فى الفصل الواحد. وهو أمر لو تحقق فسيبقى كل هجوم تتعرض له الدولة والحكومة باطلا، بشرط ألا يكون الأمر «وعيا زائفا» مثل السابق والتى صارحت الإدارة السياسية الحالية الشعب به.


ما تقيمه الدولة من مشروعات تضاهى العالمية وما تفكر فيه من أحلام جيد، ولا غبار عليه، إذا جاء فى الترتيب الطبيعى لسلم الأولويات، فكيف وعدد غير قليل من سكان مصر يعيشون فى أماكن شديدة الخطورة، تحت وطأة الفقر تتحدث الدولة عن ناطحات السحاب ويصبح المعروف عنها بأنها «مطور عقارى» تسبب فى انفجار الأسعار ووصل سعر المتر من خلال بعض مشاريعها إلى 30 الف جنيه تحت زعم أن تلك المشروعات تمول بعيدا عن موزانة الدولة، على الرغم من أن جزءا كبيرا منها بمشاركة هيئة المجتمعات العمرانية التابعة لوزارة الإسكان، مع اعتراف رسمى من المختص بأن تمويل كثير منها كان من خلال طبع البنكنوت، وهو ما انعكس على معدل التضخم لفترة طويلة تجاوز فيها أكثر من 30%، ناهيك عن توقف حركة الكثير من القطاعات الاقتصادية وعلى رأسها القطاع الصناعى، فلا يمكن أن تكون دورة الاقتصاد مقتصرة على نشاط واحد. يحذر عدد غير قليل من الخبراء من حالة ركود كبرى به، مع معلومات عن صعوبة التسويق فى كثير من الأماكن التى شهدت إقبالا كبيرا فى فترات سابقة، وعن خروج بعض الشركات وردها أراضى منها فى العاصمة الادارية، وأخرى فى التجمع.


هناك أزمة بدأت مع نمو العجز فى 2011 واستمرت بشكل كبير، خاصة فى ظل قروض كبيرة أدت إلى تفاقم الدين فى ظل مشكلات عالمية كبرى حالية «حرب التجارة بين أمريكا والصين ــ أزمة الأسواق النائشة» والتى أثرت على دخول وخروج المستثمرين الأجانب فى أدوات الدين، مع تبعات قرار تحرير العملة وما يتعلق بأسعار المحروقات، وهو ما يستلزم إعادة النظر فى ترتيب البيت وهو أمر لا يعيب أحدا، فبعد كل مناشدة بضرورة خفض الدين والاقتراض تتفاقم المديونية، حتى إن كان الاقتراض من المؤسسات الدولية يعد شهادة على سلامة المنشأة والعمل والمسلك؛ لكن وصوله إلى تلك الأرقام، مقاربة من المخاطرة الكبيرة التى لا يتحمله اقتصاد أركانه مازالت فى طور البناء.


يردد كثير من الساسة ورجال النظام أن تضحيات الشعب بعد التعويم وأسعار البترول المتزايدة هى التى أنقذت البلاد من أزمة ضخمة. لكن أليس من الحكمة أن «نحنو قليلا عليهم» حتى لو كان ذلك بتأجيل بناء القصور والناطحات، وأن نحرمهم من حفلات عمرو دياب وإخوانه.
الإصلاح الإدارى وترتيب الأولويات مقدم على الإصلاح المالى، ونحن بحاجة إليه قبل غرق عبارة أخرى بتلاميذ يحملون التابلت. وتجربة سنغافورة من دولة لا تحمل أى مقومات اقتصادية طبيعة بالمقارنة بما نمتلكه وتركيزها على بناء الإنسان من خلال التعليم جعلها فى المكانة التى عليها الآن، والمضاهاة لا تكون فى بناء القصور ونسيان سكان القبور. فيحمل الشعب السنغافورى الجميل العرفان لأول رئيس دولة حكم البلاد واسمه (لى كوان يو) والذى يعتبره الكثير مهندس النهضة السنغافورية، حيث بدأت التوجهات الأولى نحو التنمية من قبل فريق من النخبة السياسية من خلال الاعتماد على استغلال الثروة البشرية أحسن إستغلال والإستثمار فيها، ومنح الأفضلية والأماكن المسؤلة فى كبرى مؤسسات الدولة لأصحاب الكفائات، وقد أعتبر ذلك المنهج متبع إلى وقتنا الحالى، كما لعب رئيس الوزراء السنغافورى (لى هيسين لونج) دورا كبيرا فى تقدم البلاد وقد تم شرح نجاح بلاده فى تلك الكلمات حيث قال: «أعتقد أننا ركزنا بشكل كبير على الحفاظ على نزاهة نظامنا فنحن نتعامل بصرامة مع الفساد كما نركز بشكل كبير أيضا على الأكفاء فى تشغيل النظام مما يجعل القيادة فعالة وقادرة على الإبداع، والترقيات من نصيب الأفضل، ووضع الرجل المناسب فى المكان المناسب».

التعليقات