وُلِدَ الهُدى فَالكائِناتُ ضِياءُ - جمال قطب - بوابة الشروق
الأربعاء 24 أبريل 2024 10:55 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

وُلِدَ الهُدى فَالكائِناتُ ضِياءُ

نشر فى : الجمعة 2 يناير 2015 - 8:15 ص | آخر تحديث : الجمعة 2 يناير 2015 - 8:15 ص

نوقن جميعا أن معجزة محمد هى «القرآن الكريم» تلك الرسالة الباقية والخالدة إلى أبد الدهر دون تحريف أو تصحيف، ومع بروز تلك المعجزة ودوامها حية مؤثرة، فإن الرسول لم يُحرم من معجزات أخرى كثيرة رافقته من قبل مولده وأثناء مولده، وفى طفولته وصباه حتى ختاره الله نبيا ورسولا واختصه بالمعجزة الاكبر على الإطلاق وهى «القرآن الكريم» يبقى بقاء الدهور يُتلى ولا يمل، كتاب فريد لا يرتقى لمستواه أى كتاب آخر، قال تعالى (أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِى ذَلِكَ لَرَحْمَة وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) (51:العنكبوت).

(2)

وقد روت كتب التاريخ والسيرة ما سبق مولده الشريف من تكريم إلهى له، كما أكد القرآن ذلك فها هو شيخ الأنبياء إبراهيم عليه السلام يدعو ربه أن يبعث رسولا من أهل مكة (رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ) وها هو النبى السابق مباشرة قبله عيسى عليه السلام يبشر بقدومه من بعده (وَمُبَشِّرا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِى اسْمُهُ أَحْمَدُ) وقد جعل الله رسالة محمد رحمة لجميع العالمين، تعنى: عالم الجماد وعالم الحيوان وعالم النبات وعالم البشر.. إلخ. فكان من الطبيعى أن تبتهج كل تلك العوالم لمولد الرحمة المهداة من الله لهم. فها نحن نقرأ فى تاريخ البشرية أن «إيوان كسرى» (ديوان حكم الإمبراطورية الفارسية) قد ارتج ليلة الميلاد وسقطت شرفات نوافذه وأطفأت أنواره كإشارة إلهية لقرب تزلزل تلك الإمبراطورية وزوال ملكها إلى الأبد.

(3)

كما ساقت الأقدار الإلهية معجزة مزدوجة الأثر فى ليلة الميلاد الشريف إذ كانت تلك المعجزة إنذارا للقوتين العظيمتين فى ذلك الزمان إمبراطورية الرومان بعقيدتهم المحرفة وإمبراطورية الفرس بعقيدتهم المفتراة. ومضمون تلك المعجزة أن الرومان كانوا يُعمّدون مواليدهم فى بحيرة ساوة بطبرية (فى أرض الشام)، وكان الفرس يعبدون نارا يوقدونها ليل نهار ويقوم على استمرار إشعالها جنود مخصصون لهذا العمل. فلما كانت ليلة الميلاد فوجئ الفرس بإنطفاء نارهم عنوة دون سبب ظاهر، وفى تلك اللحظة غاصت «نضبت» بحيرة ساوة بطبرية وغار ماؤها جفافا مفاجئا.. وقد عبر الإمام البوصيرى فى بردته الشهيرة ببلاغة رفيعة المستوى عن ازدواج المعجزة متصورا أن نار الفرس قد سلطت على ماء بحيرة ساوة حتى تبخر ماء البحيرة ففرغت البحيرة، ثم عاد يتصور صورة أخرى كأن بخار الماء الذى نتج عن البحيرة قد تجمع وتكثف ثم سقط فوق نار الفرس فأطفأها قائلا: كَأَنَّ بِالنَّارِ مَا بِالْمَاءِ مِنْ بَلَلٍ... حُزْنا وَبِالْمَاءِ مَا بِالنَّارِ مِنْ ضَرَمٍ. هكذا زالت معالم الشرك دُفعة واحدة احتفالا من تلك الجمادات بميلاد محرر الكون وخاتم الأنبياء والمرسليم محمد

(4)

وكانت آمنة بنت وهب أم الرسول منذ حملها لوحيدها تشعر أنه موضع رعاية إلهية خاصة، فهى لم تعانِ من آلام الحمل مثل سائر النساء، كما أن حزنها على ترملها ــ بوفاة زوجها ــ قد خفّ عن بالها وأخذت تنشغل بما تراه سواء من أطياف اليقظة أو المنام، فكثيرا ما زارها فى المنام أنبياء ورسل (عليهم السلام) يبشرونها بأنها تحمل زميلهم الخاتم، وها هى تحكى للقريبات منها ما سمعته من آدم ونوح من بشارات وهكذا حتى رأت فى غُرة ربيع الأول منْ عرفعا بنفسه قائلا «أنا عيسى المسيح جئت مُهنئا لك إذ حملت بصاحب الدين الصحيح».

(5)

ولما دنا حين الولادة وحضرت القابلة: «الشفاء أم عبدالرحمن» رأت حولها فى حجرتها ملائكة كرام ومعهم آسية امرأة فرعون ومريم ابنة عمران، فوضعته مختونا مدهونا مكحولا فنزل ساجدا ثم شَخص ببصره إلى السماء وأخبرت جده عبدالمطلب فأخذه وطاف به حول الكعبة فإذا به يشعر بارتجاج الأصنام وفقدها لتوازنها وسمع هاتفا يقول (جاء الحق وظهر الباطل إن الباطل كان زهوقا) فإذا كان شهر ربيع هو ربيع المناخ فإن مولده هو ربيع الأنفس والقلوب البشرية صلوات الله عليه فإذا أنشد أمير الشعراء شوقى: وُلِدَ الهُدى فَالكائِناتُ ضِياءُ, وَفَمُ الزَمانِ تَبَسُّمٌ وَثَناءُ فهو يُعبر عن حقيقة فرح الكون كله والكائنات كلها بمولد الهدى الجامع الدائم.

جمال قطب   رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر الشريف
التعليقات