عام جديد من الآمال والتحديات - مدحت نافع - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 1:14 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

عام جديد من الآمال والتحديات

نشر فى : الإثنين 2 يناير 2023 - 7:45 م | آخر تحديث : الإثنين 2 يناير 2023 - 7:45 م
بداية أتوجه بخالص التهانى للقرّاء الأعزاء بمناسبة حلول عام جديد. هذا العام تنتظره الكثير من التوقعات الاقتصادية المتباينة. على الصعيد العالمى، هناك مخاوف من تباطؤ اقتصادى عام، يقوده الاقتصادان الأمريكى والصينى. فمن ناحية، يتوقع استمرار سياسات التشديد النقدى من قبل الفيدرالى الأمريكى، وتشير التوقعات إلى عدم توقّف الفيدرالى عن رفع أسعار الفائدة، حتى تقترب الأخيرة من 6% صعودا من مستوياتها قرب الصفرية بداية العام المنصرم! هذا الرفع المستمر للفائدة يقوّض الاستثمار المباشر وغير المباشر، من خلال رفع تكلفة الاقتراض، فضلا عن منح المستثمر الرشيد مكافأة مجانية على تجنّب المخاطر وإيداع مدخراته فى البنوك أو فى منتجات مالية خالية من المخاطر مثل أذون الخزانة، نظير عائد لا يمكن أن تدره عليه كثير من المشروعات الاستثمارية الأخرى التى تخلق فرصا للعمل، خاصة فى ظل الظرف الراهن.
من ناحية أخرى، قادت سياسات الإغلاق الصينية التى استمرت طوال عام 2022 إلى اضطراب حاد فى سلاسل الإمداد العالمية، نتيجة التوقّف الجزئى للماكينة الإنتاجية والتصديرية الأكبر فى العالم، وذلك على خلفية استمرار الإصابات بفيروس كوفيدــ19 فى عدد من المدن الصينية. وتشير التوقعات السلبية للعام الجديد، إلى احتمال عودة قرارات الإغلاق على نطاق واسع فى الصين خلال هذا العام.
يغذّى ذلك التيار المتشائم للعام الوليد، عدم وضوح أى رؤية لانتهاء الصراع الروسى ــ الأوكرانى، وارتفاع أعداد اللاجئين واللاجئات فرارا من الحرب، لتزيد تلك الحشود فى دولة واحدة وهى بولندا على ثمانية ملايين لاجئة ولاجئ أوكرانى! الصراع المشار إليه يهدد تدفّق الحبوب والمحاصيل التى تشتهر الدولتان بالسيطرة على إنتاجها وتجارتها عالميا. كما يهدد حركة الملاحة والطيران فى مناطق الاشتباكات وحولها، ويؤثر بشكل مباشر على أسعار الطاقة وخاصة الغاز الطبيعى، الذى تحتل روسيا وحدها ما نسبته 40% من واردات أوروبا منه، ناهينا عن النفط وسائر مشتقاته. وإذ فشلت حتى الآن جهود روسيا فى تسليح الغاز (أى تحويله إلى سلاح لتهديد أوروبا بالعجز فى توريده) فإن تكلفة استبداله تظل كبيرة للغاية على القارة والعالم.
مما سبق يمكن التنبؤ بارتفاع مخاطر التباطؤ الاقتصادى، المصحوب بمعدلات مرتفعة من التضخم المشفوع بارتفاع أسعار منتجات الطاقة واضطراب سلاسل التوريد وتضرر الإنتاج، بالإضافة إلى ارتفاع تكلفة وأعباء الديون التى بلغت بالفعل نحو ثلاثة أضعاف حجم الناتج الإجمالى العالمى عشية الحرب فى أوكرانيا. تتحمّل الدول النامية والناشئة مخاطر أزمات الديون بشكل مضاعف، فى غيبة انتظام الأسواق بصورة تسمح بإعادة هيكلة تلك الديون، والحصول على قروض جديدة بأسعار فائدة مناسبة، للمساعدة فى سداد الديون القائمة، وتمويل احتياجات السكان خلال اشتعال كل تلك الأزمات المتزامنة.
• • •
ويأتى على رأس المخاطر التى يتوجس العالم من تفاقمها خلال العام الحالى، ظاهرة تغيّر المناخ التى أطلت بوجه قبيح على مختلف بقاع الأرض، وتسببت فى جفاف الأنهار، وتدهور المحاصيل، واختفاء قرى بأكملها نتيجة للسيول والأعاصير. وأذكر أنى خلال مشاركتى فى قمة الأطراف الأخيرة بشرم الشيخ، حضرت عرضا تقديميا لوزيرة المناخ فى دولة باكستان، التى عرضت فيلما مؤلما للغاية عن تضرر بلادها من ظواهر مناخية مخيفة، لم تكن تعرفها باكستان فى السابق، وكيف أن تلك الظواهر دمّرت الكثير من المناطق والقرى المأهولة بالسكان، وكانت الأضرار البشرية والبيئية والاقتصادية أكبر من أن تحصى بشكل دقيق.
لا يتوقع أن يتم احتواء مخاطر تغيّر المناخ فى أى وقت قريب، بل لا يستطيع العالم الاتفاق على تحقيق هدف 1.5 درجة مئوية الذى تصالح عليه الأطراف فى قمة باريس عام 2015 والذى تناولناه تفصيلا فى مقالات سابقة، علما بأن تكلفة تخفيض الانبعاثات الكربونية لبلوغ ذلك الهدف وحده تضاعفت بشكل يجعلها مستحيلة التحقق بدون تضافر كل الجهود، وامتثال الشمال المتقدّم للجنوب الفقير فى مطالبته بالمشاركة الجادة فى جهود تخفيض الانبعاثات وتحوّل الطاقة، خاصة أن تلك الدول المتقدمة قد جنت بالفعل ثمار الثورات الصناعية، وتركت الدول الفقيرة تجنى معها تدهور المناخ المصاحب لتلك الطفرات دون عوائد حقيقية.
وعلى الصعيد المحلى، يخشى المصريون من كل ما سبق، ويعانون من مخاوف اختفاء الدولار على الرغم من تحريكه أو تعويمه جزئيا، ومن التضخم الجامح الذى تتغير معه الأسعار على مدار الساعة، ومن ارتفاع أعباء الدين العام بما يؤثر على سلامة واستدامة الموازنة العامة للدولة، ويخصص الجانب الأكبر من إيرادات الدولة لخدمة الدين العام الداخلى والخارجى. تلك الأعباء تتحملها المالية العامة كنتيجة مباشرة لسياسات التشديد النقدى المشار إليها سابقا، والتى ما كان البنك المركزى المصرى ليشذ عنها، حيث قام برفع أسعار الفائدة خلال عام 2022 بما قدره 800 نقطة أساس. هذا الرفع العنيف أصاب فرص الاستثمار بالشلل، سيما وقد ترافق معه توقّف الاستيراد للمواد الخام والأولية والماكينات بفعل عدم تدبير البنوك للدولار الأمريكى. وكان التحريك الأخير لسعر صرف الجنيه المصرى مقابل الدولار الأمريكى مصاحبا لإلغاء مبادرات دعم القطاع الصناعى المعروفة بمبادرة 8% وكذلك مبادرات دعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة، فى الوقت الذى ناشدت فيه الحكومة بنقل تلك المبادرات من الجهاز المصرفى مع استمرارها تحت ولاية جهة أخرى. تخيل معى أيها القارئ كيف يتصرّف المستثمر الصناعى، الذى كان يتمتع بسعر فائدة على الاقتراض يصل إلى 8% ووجد نفسه بين عشية وضحاها مطالبا بسداد ما يقترب أو يزيد على 20% تكلفة للدين المطلوب لتمويل استثماراته وتوسعاته؟! صحيح أن تلك المبادرات ربما أسىء استغلالها من قبل شركات ومؤسسات غير مستحقة، لكن الحل يكمن دائما فى الحوكمة وليس الإلغاء ومعاقبة المستحقين مع غير المستحقين.

• • •
كل ما تقدّم يمكن تصنيفه ضمن التحديات أو التوقعات السلبية للاقتصاد العالمى والمحلى خلال العام الجديد. أما الآمال المعقودة على هذا العام فتكمن فى عدة فرص يتعين على الكافة اغتنامها واستثمارها للخروج من تلك الأزمات. الولايات المتحدة والصين والمملكة العربية السعودية هى أكثر الدول المرشحة للعب دور حيوى للخروج من الأزمات. الولايات المتحدة من خلال دورها المحورى فى حلف الناتو، وقدرتها على تخفيف حدة الصراع الروسى ــ الأوكرانى باعتبارها قائد الجناح الغربى فى تلك المعركة، وصاحبة قرار نزع فتيلها. وهى أيضا مع الصين تتسببان فى معظم الانبعاثات الضارة فى العالم، وعليهما اتخاذ إجراءات جادة لتخفيفها. كذلك لا نغفل دور الفيدرالى الأمريكى فى تهدئة حدة التشديد النقدى اعتبارا من الاجتماع القادم خلال الربع الأول من 2023. أما الصين فقد بدأت بالفعل تخفف من قيود الإغلاق، على الرغم من المخاوف الغربية المتزايدة والمعلن عنها بحدة، نتيجة ما تم وصفه بالتخفيف غير المدروس من قبل الصين لإجراءات احتواء متحورات كورونا. غير أن خطوات تخفيف القيود على التجارة سوف تخفف بالفعل من اضطرابات سلاسل الإمداد، وتعمل على تخفيض أسعار السلع، بما يقلل من مخاوف التضخم. كذلك تملك الصين الكثير من مفاتيح حل الأزمة فى القرم، لما تقدمه لروسيا من بدائل مكّنتها من الصمود أمام العقوبات الغربية، وتلك البدائل تصلح للضغط على روسيا لقبول صيغة للتهدئة (طبعا حال التزام الغرب بشرط الصين الموحّدة ووقف العبث بملف تايوان).
أما السعودية، فقد تحققت لديها، ولمعظم دول مجلس التعاون الخليجى، فوائض مالية كبيرة فى موازناتها العامة على خلفية الأزمة وارتفاع أسعار النفط. تلك الفوائض يجب استغلالها وإعادة ضخها فى الاقتصاد العالمى (والإقليمى على وجه الخصوص) لتخفيض حدة الركود وآثاره السلبية من جهة، ولتوزيع المخاطر التى تواجه الدول النفطية حال تراجع أسعار النفط ومشتقاته إلى مستويات متدنية، كتلك التى شهدها العالم مع بداية انفجار الجائحة. استثمار السعودية فى مشروعات إقليمية تتكامل رأسيًا مع منتجات الطاقة، مثل المشروعات البتروكيماوية والمشروعات اللوجيستية والمشروعات الصناعية كثيفة الطاقة، يساعد المملكة وجيرانها على تحقيق العديد من المكاسب المشتركة. ويساعد مصر (على وجه التحديد) على تجاوز أزمتها المالية الحالية، من خلال تخفيض الاعتماد على الديون واستبدالها باستثمارات مباشرة على الأرض. ولا يمكن إغفال الأهمية الاستراتيجية لاستقرار الأوضاع فى مصر بالنسبة لكل المنطقة، أو إغفال حجم السوق المصرية بوصفها عنصرا مهما لجذب الاستثمارات وتحقيق التكامل الإقليمى الذى تعثّر طوال عقود من الزمن.
مدحت نافع خبير الاقتصاد وأستاذ التمويل
التعليقات