طفل البحيرة.. والحقائق الكامنة! - خالد سيد أحمد - بوابة الشروق
السبت 3 مايو 2025 10:24 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

طفل البحيرة.. والحقائق الكامنة!

نشر فى : الجمعة 2 مايو 2025 - 7:20 م | آخر تحديث : الجمعة 2 مايو 2025 - 7:20 م

الحكم الذى أصدرته محكمة جنايات دمنهور فى واقعة الطفل ياسين، الذى تعرض لهتك عرضه داخل إحدى المدارس الخاصة بالبحيرة، لم يكن فقط عنوانًا للحقيقة فى هذه القضية، التى هزت وصدمت الرأى العام فى مصر، لكنه أيضًا كان كاشفًا عن حقائق لا تزال كامنة تحت السطح، ينبغى على الجميع التصدى لها بكل جرأة وشجاعة، حتى لا تتحول إلى قنابل موقوتة يمكن تفجيرها فى أى وقت.
الحقيقة الأولى أن الخطاب الطائفى الكريه، لم ينتهِ تمامًا لدى البعض، بل يظل كامنًا فى الأعماق وتحت الرماد لفترات طويلة، ثم يتم استدعاؤه فجأة فى أى واقعة يكون أحد طرفيها مسلما والآخر مسيحيا، مثلما حدث مؤخرًا فى قضية طفل البحيرة؛ حيث امتلأ الفضاء الإلكترونى بكتابات مقيتة وبغيضة ومحرضة على الكراهية من كلا الجانبين، ولا يمكن المبالغة إذا تم وصفها بأنها مشروع فتنة طائفية متكامل الأركان.
الحقيقة الثانية أن هناك تأخرًا غير مبرر أو مفهوم من جهات كثيرة فى التعامل مع الواقعة منذ حدوثها قبل عام، ومحاولتها إغلاق هذه القضية حتى لا تصل إلى المحكمة، ربما استشعارًا لحرج أو تفاديًا لصداع طائفى أو لأى أسباب أخرى، على الرغم من أن الحادث جنائى فى الأساس، وكان ينبغى التعامل معه على هذا النحو، لكن الإصرار الكبير والصمود المذهل لوالدة الطفل، التى لجأت إلى المحكمة والرأى العام مباشرة للحصول على حقوق ابنها عن طريق العدالة والقانون، لما وصلنا إلى هذا الحكم، بعيدًا عن جنس أو لون أو دين الجانى أو الضحية.
الحقيقة الثالثة تتمثل فى أنه على الرغم من الجهود الهائلة التى بذلتها جميع مؤسسات الدولة، وتأكيدها الدائم والمستمر على أن «النسيج الوطنى المتماسك هو الدعامة الأساسية لبناء الوطن وتنميته»، وكذلك الجهود المشتركة بين المؤسسات الدينية الإسلامية والمسيحية للتصدى لخطابات الفتنة والكراهية والتحريض ضد الآخر المختلف فى العقيدة، والتى ازدادت انتشارا وتفشيا خلال العقد الماضى، وبالتحديد بعد سيطرة الإخوان على الحكم فى البلاد عقب ثورة يناير، إلا أن كل ذلك لم يسهم بعد فى محاصرة هذه الظاهرة الخطرة على سلامة واستقرار وأمن الأوطان.
أما رابع الحقائق التى فجرتها واقعة طفل البحيرة، فتتعلق بالغياب الملحوظ لقيم أساسية ضامنة للاستقرار والتعايش فى أى مجتمع من المجتمعات، مثل التسامح وتقبل الآخر مهما كان مختلفا فى اللون أو العرق أو العقيدة.. فالتنوع والاختلاف هما من سنن الله الفطرية التى خلق الناس عليها، وبالتالى لا يمكن لأحد أن يفرض رؤيته أو أفكاره أو عقيدته على الآخر، كما أنه لا يمكن لأحد إلغاء الآخر لمجرد الاختلاف معه فى الديانة.
على أى حال، ينبغى على الجميع الحذر التام، والابتعاد بشكل واضح عن محاولة نشر الفتنة، التى يمكن أن تأكل الأخضر واليابس فى هذا الوطن، أو المساهمة فى تأجيج النعرات الطائفية البغيضة التى أهلكت أوطانًا مستقرة وشعوبًا متآلفة، وحولتها بين ليلة وضحاها إلى «أرض محروقة»، لا أمل فى أن تستعيد التعايش المفقود بين أبنائها حتى ولو بعد مئات السنين.
ما يجب أن يفهمه الجميع بلا استثناء، هو ضرورة الابتعاد عن اللعب على وتر الفتنة الطائفية أو إهانة عقائد الآخر، أو تأجيج الكراهية بين أبناء الوطن.. فهذه الأشياء جميعًا «خط أحمر» لا يمكن للغالبية العظمى من أبناء هذا البلد أن يقبلوا به أو يسمحوا بتجاوزه، لأنها تمثل تهديدًا صريحًا للسلم الاجتماعى، ولن تخدم سوى أعداء هذه الأمة الذين ينتظرون رؤية دخان الكراهية يتصاعد، حتى ينفخوا فيه ويحولوه إلى نار تحرق «قلب الوطن».
يجب على مؤسسات الدولة كافة، محاصرة مشعلى الحرائق والفتن، والتدخل بقوة وجدية لمنع «فوضى التطرف» عند الجانبين، وعدم التسامح مع من ينشر الكراهية بين أبناء الوطن، ومنع الأصوات النشاز التى تعكر صفو السلم الاجتماعى وتضرب الوحدة الوطنية فى مقتل، وتزيد من مخاطر الفرقة والانقسام فى المجتمع، خصوصا أننا فى هذا الوقت لا نحتمل مزيدًا من المشكلات.. فنظرة خاطفة على دول الجوار تكفى لنتعظ.

التعليقات